(الصفحة 203)
المذهب(1) ، ولا شبهة في ذلك ، فلعلّه غير مخالف ، على أنّه في مسألة استئجار المرأة للإرضاع(2) كأنّه متردّد ، انتهى ملخّص ما أفاده في المفتاح .
ولكنّ الشهرة المعتبرة هي ما كانت متحقّقة بين القدماء ، وهي في المقام غير ثابتة ; لأنّ مجرّد فتوى المفيد والشيخ وبعض آخر بذلك لايحقّق الشهرة ، خصوصاً بعد كون ابن الجنيد والسيّد مصرّحين بعدم البطلان بموت المستأجر ، واختيار التقي أبي الصلاح أيضاً ذلك(3) ، مع كونه عظيم المنزلة في الفقاهة ، بحيث عنونه الشيخ في كتابه(4) مع كونه تلميذاً له ، ولذلك كان المحكي عن رياض العلماء : أنّ ذلك دليل على غاية جلالة الرجل وعلوّ منزلته في العلم والدين(5) . وخصوصاً بعد عدم نصّ من الصدوقين والعماني في ذلك ، بل ولا إشارة كما اعترف به صاحب المفتاح(6) .
ومع ذلك كيف يمكن دعوى الشهرة خصوصاً بعد احتمال عبارة المبسوط للتفصيل بين موت المستأجر والمؤجر بالبطلان في الأوّل دون الثاني ، وما استظهره صاحب المفتاح من عبارته من كون مراد الشيخ بالأظهر هوالأظهر عند العامّة كما هو عادته ، وقال : بذلك يرتفع الإشكال في عبارته(7) ، ففيه ـ مضافاً إلى أنّه لا إشعار في العبارة بذلك ، ولم تثبت عادة كذائية في كتاب المبسوط ـ أنّ صحّة ذلك موقوفة على ثبوت التفصيل بين العامّة مع أنّه لم يثبت ; لأنّهم بين قائل بالصحّة
- (1) شرائع الإسلام : 2 / 179 .(2) شرائع الإسلام : 2 / 185 .(3) تقدّم تخريج أقوالهم في ص183 ـ 186.(4) رجال الطوسي : 417 رقم 6034 .(5) رياض العلماء : 5 / 465 .(6) مفتاح الكرامة : 7 / 79 .(7) مفتاح الكرامة : 7 / 79 .
(الصفحة 204)
مطلقاً وقائل بالبطلان كذلك ، كما يظهر بمراجعة كتاب الخلاف .
وخصوصاً بعد نسبة السرائر عدم البطلان مطلقاً إلى الأكثرين المحصلين ، وابن البرّاج(1) على ما حكي التفصيل إلى الأكثر ، مضافاً إلى ماهو معلوم من كون المتأخّرين عن الشيخ قد تبعوا عنه لحسن الظن به ، ولذا أطلق عليهم المقلّدة ، وبالجملة فلم يثبت لنا شهرة بين القدماء بالإضافة إلى القول بالبطلان مطلقاً .
نعم ، يبقى الكلام بعد ذلك في الروايات المرسلة التي رواها الشيخ وادّعى دلالتها على البطلان .
ويرد على الاستدلال بها أوّلاً : أنّها مرسلة غير مسندة ، ودعوى أنّ اعتماد الشيخ عليها يستلزم تعديل رواتها فلا يقصر الاعتماد عن التعديل المعوّل عليه ، مدفوعة بعدم الاستلزام ; لأنّه يمكن أن تكون الاعتماد لأجل وجود قرينة عنده لا لأجل عدالة الرواة .
وثانياً : على تقدير وجود تلك الروايات لِمَ لم ينقلها الشيخ في كتابه الكبير المعدّ لنقل الروايات وضبطها .
وثالثاً : أنّها على تقدير وجودها وصحّة سندها لا يكون الإخبار بمضامينها حجّة علينا ; إذ لعلّه يمكن أن نفهم منها على تقدير الوصول إلينا خلاف ما فهمه المخبر ، ولقد أجاد المحقّق الرشتي (قدس سره) ، حيث قال : والروايات المرسلة التي رواها الشيخ (قدس سره)حجّة عليه لا علينا ; لعدم اطّلاعنا على مضامينها ، والتعويل على الشيخ في مضمونها يرجع إلى التقليد في الفتوى ، وليس هذا مثل نقل المعنى في الروايات ;
- (1) المهذّب : 1 / 501 ـ 502 .
(الصفحة 205)
لأنّ فهم المخاطب مدلول كلام المتكلّم حجّة على نفسه وعلى غيره إذا كان سمعه حجّة عليه ، بخلاف غير المخاطب ، فإنّ فهمه حجّة على نفسه وعلى من يجوز له تقليده ، فليس لنا تصديق العدل إلاّ فيما أحسّ به من الرواية لا فيما عقله من معانيه(1) .
وكيف كان ، ففهم الشيخ وعقله مضامين الروايات لا يكون حجّة علينا ، ولذا ترى أنّ أبا الصلاح مع كونه من أجلاّء تلامذته قد أفتى بخلاف ما عليه الشيخ ، وكذا السيّد وابن الجنيد مع كونهما متقدّمين عليه قد صرّحا بعدم البطلان بموت المستأجر .
نعم ، هنا شيء وهو أنّ مثل كتابي المقنعة والنهاية من الكتب التي تشتمل على متون الأخبار بعين العبارات الواردة فيها ، غاية الأمر خلوّها عن السند لا يكون الفتوى بالبطلان فيهما ـ كما عرفت من المفيد والشيخ(2) ـ راجعاً إلى الإخبار بمضمون الرواية ، بل هي عين عبارتها ، فلا مجال حينئذ لما ذكر من كون الحجّة هي الرواية المحسوسة دون ما عقل من معانيها ; لأنّ هذا يرجع إلى الرواية المحسوسة ، غاية الأمر عدم ذكر السند فيها ، إلاّ أنّه مع ذلك يبقى الإشكال في أنّه على تقدير وجود روايات مشتملة على لفظ البطلان وأشباهه كيف أفتى أبو الصلاح بخلافها ، وكذا السيّد وابن الجنيد ؟
فانقدح ممّا ذكرنا أنّ رفع اليد عن مثل فتوى المقنعة والنهاية خصوصاً مع تصريح الشيخ في موضعين من الخلاف بوجود روايات على ذلك مشكل جدّاً ،
- (1) كتاب الإجارة ، للمحقّق الرشتي : 44 .(2) في ص183ـ 184 .
(الصفحة 206)
ورفع اليد عن العمومات والروايات الخاصّة وخصوص رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني ، الظاهرة في مفروغية عدم الانفساخ بالموت ـ كما هو التحقيق في معناها على ما عرفت(1) ـ بمجرّد إخبار الشيخ بوجود روايات دالّة على البطلان ، خصوصاً مع مخالفة السيّد الذي هو اُستاذه ، وأبي الصلاح الذي هو تلميذه ، وخصوصاً مع احتمال عبارة المبسوط ، بل ظهورها في كون الأظهر عند الإماميّة هو التفصيل دون البطلان بالموت مطلقاً أشدّ إشكالاً ، فالأقوى حينئذ ما عليه أكثر المتأخّرين بل كلّهم من عدم البطلان بالموت مطلقاً .
الأمر الرابع : في الموارد التي حكم فيها ببطلان الإجارة بالموت ، التي هي بمنزلة المستثنى من الحكم بعدم عروض البطلان بالموت ، ولنبدأ أوّلاً بذكر الأقسام والصور المتصوّرة في هذا الباب ، فنقول : إنّ العين المستأجرة تارةً تكون موقوفة على المؤجر والبطون اللاّحقة . واُخرى تكون منافعها موصى بها عليه مدّة لا تبلغ المدّة المسمّـاة في الإجارة ، كما إذا كانت منفعة دار موصى بها لشخص مدّة حياته فآجرها سنتين ومات بعد سنة ، كما هو المفروض في المتن . وثالثة تكون المنافع موهوباً بها عليه كذلك أو مورداً للمصالحة أو غيرهما .
كما أنّ المؤجر تارةً يكون هو المالك أو الوكيل من قبله مطلقاً ، أو في خصوص هذه الإجارة . واُخرى يكون هو الولي ، سواء كانت ولايته مجعولة من قبل الشارع كولاية الأب والجدّ بالنسبة إلى الصغير ، والحاكم بالإضافة إلى المجنون في الجملة ، أو بالنسبة إلى الأموال التي يجهل مالكها ، أو مجعولة من قبل غير الشارع ; كالولاية على العين الموقوفة المجعولة بجعل الواقف . وثالثة يكون هو الناظر . ورابعة يكون
(الصفحة 207)
هو الفضولي غير المالك والمأذون من قبله .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ استثناء العين الموقوفة فيما إذا كان المؤجر هو الموقوف عليه ، وفرض موته قبل انتهاء المدّة هو المشهور . غاية الأمر اختلافهم من جهة الجزم بالبطلان كما في محكي وقف الخلاف(1) والمبسوط(2) والتذكرة(3) والتحرير(4)والدروس(5) ، وغيرها ممّا هو مذكور في مفتاح الكرامة(6) ، أو التعبير بقربه أو أقربيته وأظهريته ، كما صنعه المحقّق في الشرائع(7) بعد تردّده . نعم ، احتمل في عبارة صاحب الرياض التردّد في أصل المسألة من دون ترجيح ، نظراً إلى أنّه قال : عند جماعة(8) .
والظاهر أنّ ملاك الاستثناء في الوقف وشبهه أنّه يعتبر في بقاء صحّة الإجارة أن يكون المؤجر مالكاً لمنافع العين المستأجرة مدّة الإجارة ، فإذا كانت الملكيّة محدودة بحال الحياة ، والمفروض عروض الموت قبل انقضاء مدّة الإجارة ، فاللاّزم حينئذ البطلان ; لانكشاف عدم ملكيّة جميع المدّة ، فلو فرض في مثل الوقف عدم كون الملكيّة محدودة بحال الحياة ، نظراً إلى أنّ المجعول من قبل الواقف هي الملكيّة المطلقة غير الموقتة ، بدعوى صحّة هذا الجعل مستنداً إلى عموم : «الوقوف على
- (1) الخلاف : 3 / 552 مسألة 24 .(2) المبسوط : 3 / 301 .(3) تذكرة الفقهاء: 2 / 325 و 447.(4) تحرير الأحكام : 3 / 69 و 318.(5) الدروس الشرعية : 2 / 280 .(6) مفتاح الكرامة : 7 / 80 .(7) شرائع الإسلام : 2 / 221 .(8) رياض المسائل : 6 / 17 .