(الصفحة 208)
حسب ما يوقفها أهلها»(1) فلا مانع حينئذ من بقاء صحّة الإجارة ; لوجود ما اعتبر فيها من كونه مالكاً للمنافع مدّة الإجارة .
وما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ـ من أنّ الواقف ليس له إلاّ التصرّف في ماله بجعل العين محبوسة عن التصرّفات على الطبقات ، وتسبيل منافعها لهم على الترتيب ، وليس له بعد إعطاء ماله من الملكيّة المرسلة سلبها عنهم وإعطاؤها لغيرهم ، فإنّه ليس له الولاية على البطون بالتوريث إلى أشخاص خاصة . نعم ، له بسط ملكيّته على الطبقات ، فإنّه تصرّف في ماله بحيث لا يستتبع سلطنة على أحد ، فإنّ ملك كلّ بطن محدود ، فينتهي أمده لا أنّه ينتزعه عنه ويجعله لغيره(2) ـ فغير خال عن المناقشة والنظر ; لأنّ إعطاء الملكيّة المرسلة المطلقة إلى أشخاص متعدّدة في عرض واحد ممتنع ، وأمّا لو كان بنحو الطولية ; بأن كان المالك بالفعل هو البطن الأوّل ثمّ بعد انقراضه هو البطن الثاني وهكذا ، من دون أن تكون البطون اللاّحقة مالكة فعلاً ; ضرورة أنّهم لايكونون موجودين حتّى يتصفوا بالملكية ، فلا محذور فيه كما هو المحقّق في الإرث . غاية الأمر أنّه بجعل إلهي وهنا بجعل الواقف ، وليس مرجع ذلك إلى الولاية على البطون بالتوريث إلى أشخاص خاصّة ، كما هو ظاهر .
فانقدح أنّ ذهاب المتن تبعاً للمشهور إلى استثناء العين الموقوفة فيما إذا آجرها البطن الأوّل مدّة تزيد على مدّة حياتهم ، إنّما هو لأجل أنّ الجعل المتعارف في باب الوقف على البطون هو اختصاص مقدار ملكيّة كلّ بطن بحال حياته ، وإلاّ فلا مجال
- (1) الفقيه : 4 / 176 ح620 ، التهذيب : 9 / 129 ح555 ، وسائل الشيعة : 19 / 175 ، كتاب الوقوف والصدقات ب2 ح1 .(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 27 .
(الصفحة 209)
لذلك مع فرض ثبوت الملكيّة المرسلة لكلّ بطن .
وكذلك حكمه وحكمهم بعدم البطلان(1) فيما إذا آجرها المتولّي إنّما هو لأجل كون الولاية الثابتة له بجعل الواقف بالنحو المتعارف ولاية مطلقة غير موقتة ، وإلاّ فلو فرض محدودية الولاية ونحوها فلا مجال لذلك ، كما يظهر من الإيضاح حيث ذكر أنّ استحقاق النظر إنّما هو كاستحقاق المنافع(2) ، وعلى ماذكرنا لا يكون نزاع في المقام ، بل النزاع إنّما هو في أمر آخر وهو محدودية الولاية وعدمها . وممّا ذكرنا يظهر حكم مالو آجر الأب أو الجدّ أو الحاكم مال الصغير أو المجنون ، فإنّ بقاء صحّة الإجارة في جميع الموارد يدور مدار محدودية السلطنة المجعولة للمؤجر من قبل الشارع وعدمها .
وأمّا الوكيل فعلى ما أخترناه من بقاء الصحّة بالموت فلا يوجب موته البطلان ، سواء كان على نحو يكون هو المؤجر حقيقة بمعنى صدقه عليه كذلك ، أو لم يكن على هذا النحو ، كما أنّه في الصورتين لا تبطل الإجارة بموت الموكّل ، والوجه في الجميع واضح ، هذا تمام الكلام في المقام الأوّل .
المقام الثاني : في إجارة النفس ، وقد ذكر في الجواهر أنّ مع موت الأجير الخاصّ تنفسخ الإجارة ، وقد فسّره بأنّ المراد به هو من آجر نفسه على أن يعمل بنفسه عملاً مخصوصاً ، لا من استؤجر للعمل واشترط عليه المباشرة ، فإنّه مع موته لا تنفسخ الإجارة ، بل يثبت خيار تعذّر الشرط(3) .
واعترض على الحكم بالانفساخ في الأجير الخاصّ المحقّق الإصفهاني (قدس سره) ;
- (1) راجع مفتاح الكرامة : 7 / 81 .(2) إيضاح الفوائد : 2 / 244 .(3) جواهر الكلام : 27 / 212 .
(الصفحة 210)
بأنّه إن اُريد بالأجير الخاصّ ذلك مع فرض كون وقت العمل محدوداً ومات قبل مجيء الوقت فالإجارة باطلة لا منفسخة ; لعدم المنفعة له في ذلك الوقت ، فلا شيء حتّى يَملك أو يُملّك . وإن اُريد به ذلك فقط من دون تحديد بزمان فمضى زمان يمكن فيه إيجاده فمات فالإجارة صحيحة في نفسها ; لوجود الطرف الصالح لتأثير العقد في تمليكه وتملّكه والموت لابدّ من أن يكون موجباً لانفساخها لدخوله تحت عنوان التلف قبل القبض ، بناءً على التعدّي من البيع إلى غيره ، وإلاّ فلا موجب لانفساخها كما لا موجب لبطلانها . نعم ، للمستأجر فسخ العقد من باب خيار تعذّر التسليم بعد عدم كونه من التلف قبل القبض(1) .
أقول : التحقيق أنّ المناط في بقاء الصحّة هنا وعدمه كون المطلوب واحداً أو متعدّداً ، فإذا فرض أنّه ليس في البين إلاّ مطلوب واحد وهو صدور العمل من هذا الأجير ، بحيث لا يكون العمل الصادر من غيره مطلوباً له أصلاً ، فاللاّزم الحكم بالبطلان مع اتّفاق الموت قبل العمل ، ولكن لا يخفى أنّ هذا لا يختص بالأجير ، بل لو استأجر داراً مثلاً مدّة معيّنة وتعلّق غرضه بمجموع تلك المدّة ، بحيث يكون تملّك منفعة مجموع تلك المدّة مطلوباً واحداً له ، فاللاّزم حينئذ الحكم بالبطلان من الأصل لو انهدمت الدار في أثناء المدّة .
وأمّا لو كان هنا مطلوبان تعلّق أحدهما بنفس العمل أو بمنفعة الدار ، والآخر بصدوره من العامل الخاصّ أو بثبوتها في جميع المدّة ، فلا يوجب الموت أو الانهدام بطلان الإجارة من الأصل ، بل له في الأوّل خيار تعذّر الشرط ، وفي الثاني يبطل
- (1) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 25 .
(الصفحة 211)
من حين الانهدام لعدم وجود المنفعة ، واللاّزم حينئذ تقسيط الاُجرة ، ولعلّ ما أفاده الجواهر(1) وتبعه المتأخّرون(2) من الفرق بين التقييد والاشتراط يرجع إلى ما ذكرنا ، نظراً إلى ظهور التقييد في وحدة المطلوب والاشتراط في تعدّده ، وعليه فلايبقى مجال للاعتراض عليه بما ذكر ، فتدبّر جيّداً .
وممّا ذكرنا يظهر الحال فيما إذا اشترط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه ، فإنّه لو كان الغرض المتعلّق باستيفاء المستأجر، المنفعة بنفسه على نحو الاشتراط الذي يرجع إلى تعدّد المطلوب لا مجال للحكم بالبطلان لو مات المستأجر قبل استيفاء منفعة تمام المدّة ، كما قد حكي عن الأردبيلي(3) وصاحبي الحدائق(4) ومفتاح الكرامة(5) ; لأنّ تخلّف الشرط والمطلوب غير الأوّلي لا يوجب إلاّ الخيار ، ولا يؤثّر في البطلان كما في سائر موارد التخلّف .
وممّا ذكرنا يظهر أنّه لو كان الغرض نفس تحقّق العمل في الخارج من دون خصوصية للعامل ـ كما إذا استأجره لتحصيل خياطة ثوبه ـ فلا مجال لدعوى البطلان بالموت ولا لثبوت الخيار ، بل يجب على الورثة التحصيل من تركته وعليه ، فالصور ثلاث وأحكامها مختلفة من جهة البطلان ، أو ثبوت الخيار ، أو الصحّة بدونه ، فلاوجه لما في المتن من التقسيم إلى صورتين ، فتدبّر .
- (1) جواهر الكلام : 27 / 212 .(2) كالسيّد اليزدي في العروة الوثقى : 5 / 30 مسألة 3 .(3) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 66 .(4) الحدائق الناضرة: 21 / 542.(5) مفتاح الكرامة : 7 / 81 .
(الصفحة 212)
[ايجار الوليِّ الصبيَّ]
مسألة : لو آجر الوليّ الصبيّ المولّى عليه أو ملّكه مدّة مع مراعاة المصلحة والغبطة ، فبلغ الرشد قبل انقضائها فله نقض الإجارة وفسخها بالنسبة إلى ما بقي من المدّة ، إلاّ أن تقتضي المصلحة اللاّزمة المراعاة فيما قبل الرشد الإجارة مدّة زائدة على زمان تحقّقه; بحيث تكون بأقلّ منها خلاف مصلحته ، فحينئذ ليس له فسخها بعد البلوغ والرشد1 .
1 ـ قال المحقّق في الشرائع : لو آجر الوصي صبيّاً مدّة يعلم بلوغه فيها بطلت في المتيقن ، وصحت في المحتمل ولو اتفق البلوغ فيه . وهل للصبي الفسخ بعد بلوغه ؟ قيل : نعم ، وفيه تردّد(1) .
أقول : الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات :
الأوّل : في بطلان الإجارة في المدّة التي يعلم بلوغه فيها ، كما لو كان عمره عشراً وآجره عشراً، فإنّ الإجارة باطلة في الخمس المتأخّرة ; بمعنى توقّفها على إجازة الصبي الذي يصير بالغاً عند شروع الخمس ، بناءً على عدم اشتراط وجود المجيز حال العقد في الفضولي .
وجه البطلان أنّ منافع بدن الحرّ لا تكون مملوكة له على حدّ أمواله ، ولا تقاس المنافع بها عيناً أو منفعة ; ضرورة أنّ الأموال مملوكة له فعلاً وإن كان حصولها بنحو التدريج كالمنافع الثابتة لأمواله ، ولذا يجوز للوصي تمليك هذه المنافع ، وإن كان ظرف وجودها بعد انقضاء الصغر وتحقّق البلوغ ، وإن كان يمكن أن يخدش فيه بمنافاته لمناسبة الحكم والموضوع ; نظراً إلى أنّ
- (1) شرائع الإسلام : 2 / 188 .