(الصفحة 294)
ولايجديه التلف بعد الانقضاء بوجه أصلاً .
وأمّا الفرض الثالث : فالحكم فيه إنّما هو كالفرض الأوّل ; لأنّ التأخير لا يستند فعلاً إلاّ إلى المؤجر كما هناك ، ومجرّد امتناع المستأجر على تقدير غير محقّق الوقوع لايغيّر الحكم كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه لو كان التلف في هذه الفروض الثلاثة في أثناء مدّة الإجارة لا بعد انقضائها ، ففي الفرض الأوّل تنفسخ الإجارة بالإضافة إلى المدّة الباقية بعد التلف من الأصل ، أو من حين التلف على الخلاف المتقدّم ، وأمّا بالنسبة إلى المدّة الماضية فالحكم فيه ثبوت الخيار للمستأجر ، بناءً على عدم كون الخيار على الفور ، وفي الفرض الثاني يكون الحكم من حيث الانفساخ كالفرض الأوّل ، وأمّا من جهة الخيار فالظاهر عدم ثبوته ; لعدم امتناع المؤجر على ماهو المفروض ، وأمّا الفرض الثالث فالحكم فيه كالفرض الأوّل من كلتا الجهتين .
هذا تمام الكلام في الفروض الثلاثة .
وأمّا الفرض الرابع، الذي يكون التأخير مسبّباً عن أجنبيّ ظالم فصوره كثيرة ; لأنّ التلف فيه قد يتّفق في أثناء مدّة الإجارة ، وقد يتّفق بعد انتهائها ، وعلى التقديرين فتارةً يكون عدم تحقّق القبض لأجل تعلّق الغصب بنفس العين ، واُخرى لأجل منع الظالم المؤجر من الإقباض ، وثالثة لأجل منعه المستأجر من القبض .
أمّا إذا كان التلف في الأثناء وكان السبب لعدم تحقّق القبض غصب الظالم للعين ، فالحكم فيه من جهة ما بعد التلف من المنافع الباقية الفائتة يظهر ممّا تقدّم ; وهو الانفساخ أو البطلان من رأس ، وأمّا بالإضافة إلى المنافع الفائتة تحت يد الغاصب ، سواء استوفاها الغاصب أم لم يستوفها ، فمقتضى ما ذكروه ـ في منع الظالم في غير
(الصفحة 295)
صورة التلف ـ أنّ المستأجر مخيّر بين الفسخ والرجوع بالاُجرة ، وبين الرجوع إلى الظالم بعوض ما فات .
والوجه في ثبوت خيار الفسخ له هو تعذّر التسليم بسبب الغصب وهو يوجب الخيار ، إلاّ أنّ ثبوت الخيار في المقام بعد تحقّق التلف مبنيّ على عدم كونه على الفور ، أو فرض جهل المستأجر بذلك ، فتدبّر .
وأمّا الوجه في الرجوع إلى الظالم مع عدم الفسخ فواضح بعد ضمان الغاصب للمنافع أيضاً، وربما يحتمل جواز الرجوع إلى المؤجر أيضاً ; لأنّه يجب عليه ردّ المنافع وتسبيلها بالإضافة إلى المستأجر ، ومع عدم الإمكان يكون ضامناً ، ولكنّه بعيد ، وأبعد منه دعوى جواز الرجوع إلى الغاصب والمؤجر معاً . ثمّ على تقدير جواز رجوعه إلى المؤجر هل يجوز له الرجوع إلى الغاصب ؟ فيه إشكال ; لعدم كون المنفعة الفائتة مملوكة للمؤجر ، والضمان ضمان للمالك ، هذا كلّه إذا كانت العين مغصوبة .
وأمّا إذا كان التأخير ناشئاً عن منع الظالم المؤجر من الإقباض فالحكم فيه من جهة ما بعد التلف ، كما في الفرض السابق ، وأمّا من جهة المنافع الفائتة قبل التلف في أثناء مدّة الإجارة ، فالظاهر ثبوت الخيار له أيضاً بين الفسخ والرجوع بالاُجرة المسمّـاة ، وبين الرجوع إلى الظالم ; لاستناد فوات المنفعة إليه ، فتشمله قاعدة من أتلف ، بناءً على شمولها للمنافع ، ويحتمل جواز الرجوع إلى المؤجر أيضاً لما ذكرناه في الفرض المتقدّم .
وأمّا إذا كان التأخير لأجل منع الظالم المستأجر من الإقباض ، فربما يقال : بأنّه لا وجه للحكم بتحقّق الانفساخ حينئذ ; لعدم شمول دليل التلف قبل القبض لهذا الفرض بعد ثبوت التمكين التامّ من قبل المؤجر ، وكون النقص من طرف المستأجر
(الصفحة 296)
وناحيته ، ولكنّ الظاهر الشمول ، بل مورد خبر عقبة بن خالد(1) الدالّ على هذه القاعدة من هذا القبيل ، فليراجع . فالحكم فيه من جهة الانفساخ كالفرضين الأوّلين ، وأمّا من جهة المنافع الفائتة قبل التلف فالظاهر أنّه ليس له الخيار بين الفسخ والإمضاء ، بل يتّعين عليه الإمضاء والرجوع إلى الظالم بعوض ما فات ، بناءً على ما تقدّم ، هذا كلّه في التلف في الأثناء .
وأمّا التلف بعد انتهاء مدّة الإجارة في الفروض الثلاثة فيظهر حكمه ممّا قدّمناه في التلف بعد الانتهاء سابقاً ، منضمّاً إلى ما ذكرناه هنا من حكم الفروض ، فتأمّل جيّداً .
بقي الكلام في فروع :
الأوّل : إتلاف الحيوانات ، فقد قال في العروة بعد الحكم بأنّ التلف السماوي موجب للبطلان : ومنه إتلاف الحيوانات(2) ، ولكن الظاهر أنّ إتلاف الحيوانات إنّما يماثل التلف من جهة الحكم بالانفساخ أو البطلان ، وأمّا من الجهات الاُخر التي منها جواز الرجوع إلى مالك الحيوان في بعض الموارد فالمماثلة غير متحقّقة كما هو ظاهر .
الثاني : إتلاف العين المستأجرة بسبب الإنسان ، فقد قال في العروة أيضاً :
إنّ إتلاف المستأجر بمنزلة القبض ، وإتلاف المؤجر موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ ، وإتلاف الأجنبي موجب لضمانه(3) .
وربما يورد على الفرق بين صورتي التلف والإتلاف بالحكم بالبطلان في الاُولى
- (1) الكافي : 5 / 171 ح12 ، التهذيب : 7 / 21 ح89 وص230 ح1003 ، وسائل الشيعة : 18/23 ، كتاب التجارة ، أبواب الخيار ب10 ح1 .(2 ، 3) العروة الوثقى : 5 / 51 مسألة 13 .
(الصفحة 297)
وبعدمه في الثانية بأنّه لا وجه لهذا الفرق ، لثبوت الملاك للحكم بالبطلان في صورة الإتلاف أيضاً ; لأنّه كما عرفت(1) سابقاً ليس الوجه فيه إلاّ انكشاف عدم ثبوت المنفعة حال العقد ، وعدم ثبوتها في علم الله إلاّ بمقدار بقاء العين واقعاً ، وهذا الوجه يجري في صورة الإتلاف أيضاً ، لعدم الفرق من جهة عدم ثبوت المنفعة بتبع عدم العين بين المقامين ومجرّد كون السبب في الاُولى آفة سماوية غير اختيارية ، وفي الثانية إتلافاً صادراً عن الإنسان مع كونه اختيارياً غالباً لا يصلح فارقاً فيما هو الملاك للحكم بالبطلان من عدم وجود المنفعة في الواقع ونفس الأمر ، ولذا حكي عن سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره)احتمال الحكم بالبطلان في إتلاف المستأجر وإن قوّى خلافه ، نظراً إلى أنّ المستأجر بسبب إتلافه العين إنّما أتلف ماله الذي هي المنفعة بيده واختياره ، ومرجعه إلى أنّ العرف يرى الفرق بين التلف السماوي ، وبين الإتلاف من جهة أنّ التلف يكشف عن عدم وجود المنفعة في الواقع ، والإتلاف كأنّه إعدام للمنفعة الثابتة في محلّها ، ولكنّه ربما يستشكل في ذلك أيضاً بأنّ التلف السماوي إن كان مثل الموت وشبهه فالفرق بينه وبين الإتلاف مسلّم عند العرف ، وإن كان مثل الصاعقة وشبهها فلا فرق بينه وبين الإتلاف ، خصوصاً لو عمّ التلف لإتلاف الحيوانات للعين المستأجرة أيضاً ، ولكنّ الإشكال كما ترى .
وكيف كان ، فمع قطع النظر عن ثبوت الفرق عند العقلاء بين المقامين يكون مقتضى حكمهم بالبطلان في صورة التلف مستنداً إلى الوجه المذكور ثبوت البطلان في صورة الإتلاف أيضاً . نعم ، لو قلنا بالانفساخ في التلف نظراً إلى دليل التلف قبل
(الصفحة 298)
القبض لا يبقى موقع لإيراد عدم الفرق ; لأنّه يمكن أن يقال : إنّ دليل التلف منصرف عن صورة الإتلاف ، فلا يشملها دليله .
وكيف كان ، فلابدّ من التكلّم في كلّ واحد من الفروض الثلاثة للإتلاف المذكورة في العروة(1) ، فنقول :
أمّا إتلاف المستأجر للعين المستأجرة فقد تقدّم أنّ المذكور فيها أنّه بمنزلة القبض ، فإن أراد من ذلك أنّه بمنزلة القبض في انتقال الضمان من المؤجر إلى المستأجر بحيث كان مرجعه إلى عدم شمول دليل التلف قبل القبض ، الدالّ على الانفساخ على ماهو المشهور لصورة إتلاف المستأجر ، نظراً إلى أنّ إتلافه بمنزلة القبض فلايتصوّر فيه الإتلاف قبل القبض حتّى يشمله دليل التلف ، ففيه : أنّه لم يدلّ على إثبات هذه المنزلة دليل ، خصوصاً مع كون المراد من الإتلاف أعمّ ممّا كان بعمد واختيار ، وما كان صادراً عن خطأ واشتباه ، فإنّه يمكن دعوى ثبوت المنزلة عند العرف في الصورة الاُولى ، مع التوجّه إلى كون المتلف هي العين المستأجرة ، بخلاف غيرها من الصور ، وبالجملة دعوى أنّ إتلاف المستأجر بمنزلة القبض بهذا التقريب لايساعدها دليل ولا برهان .
وإن أراد من ذلك انصراف دليل التلف قبل القبض عن صورة الإتلاف خصوصاً إذا كان من المشتري في باب البيع ومن المستأجر هنا فلابدّ من الرجوع إلى القاعدة المقتضية لثبوت الضمان على من أتلف ، وإلى القاعدة الموجبة لصحّة الإجارة وعدم انفساخها ، المستلزم لثبوت الاُجرة المسمّـاة على المستأجر ، فيرد عليهـ مضافاً إلى إمكان منع الانصراف ; لأنّ دليل التلف قد علّق فيه الحكم على
- (1) العروة الوثقى : 5 / 51 مسألة 13 .