(الصفحة 566)
لأجل منعه عن وجوب الردّ وحكمه بأنّ الواجب بعد الانقضاء تمكينه منها والتخلية بينها وبينه ، كالرهن إذا أدّى الراهن الدين ، والوديعة وسائر الأمانات ، فإذا فعل ما وجب عليه أو عزم عليه فلا تقصير ولا تعدّياً ولا تفريطاً ، واعترض على المحقّق الثاني(1) حيث جمع بين عدم وجوب الردّ والتسليم للشيخ(2) في أنّها بعد انقضاء المدّة غير مأذون في قبضها، بأنّه كالمتناقض(3) .
وبالجملة : يرد عليه
أوّلاً : أنّه لم يعلم أنّ القول بوجوب الردّ هل يجري في جميع الفروع المتقدّمة أو في بعضها ،
وثانياً : أنّ ابتناء القول بالضمان عليه ممنوع ; لأنّ الملاك في الضمان هو الاستيلاء مع عدم الإذن ، ومجرّد التخلية لا يخرج العين عن كونها في يده وتحت استيلائه ، كما صرّح به سيّدنا العلاّمة الأستاذ في تعليقته على العروة(4) .
والتحقيق أن يقال :
أمّا في الصورة الاُولى : فلا إشكال في عدم الضمان مع عدم التعدّي أو التفريط ; لما عرفت من أنّ الملاك لعدم الضمان في المدّة هو كون الرجل مؤتمناً لا كونه مستأجراً ، ومن المعلوم في هذه الصورة بقاء الإئتمان بلا افتقار إلى الاستصحاب .
وأمّا في الصورة الثانية : التي يشكّ في بقاء الرضا فلا مانع فيها من إجراء الاستصحاب فيما هو الموضوع للحكم بعدم الضمان ، فيقال : إنّ الرجل كان مؤتمناً ، ومقتضى الاستصحاب بقاؤه على هذه الصفة فلا يكون ضامناً .
- (1) جامع المقاصد : 7 / 257 ـ 258 .(2) المبسوط : 3 / 249 .(3) مفتاح الكرامة : 7 / 251 ـ 252 .(4) العروة الوثقى : 5 / 62، التعليقة 3 .
(الصفحة 567)
وأمّا الصورة الثالثة : فتارةً يعلم المستأجر بأنّه على فرض الالتفات يكون رضاؤه باقياً ، واُخرى يشكّ ، وثالثة يعلم بارتفاع رضاه ، ففي الأوّل يجري حكم الصورة الاُولى ، وفي الثاني حكم الصورة الثانية من جريان الاستصحاب ، وفي الثالث حكم الصورة الرابعة التي تجيء .
وأمّا الصورة الرابعة : التي يعلم بعدم الرضا ، فإن كان منظور المالك عدم استيلاء المستأجر على العين بوجه ولو بنحو التخلية التي قد عرفت أنّها أيضاً استيلاء فالواجب على المستأجر رفع اليد عن العين مطلقاً ، ومع عدمه يثبت الضمان لعدم ثبوت التأمين المالكي ولا الشرعي . وإن كان المنظور عدم التصرّف وعدم الحيلولة فلا دليل على الضمان مع ثبوت التخلية ; لعدم ارتفاع الائتمان رأساً ، كما أنّه لا دليل على وجوب الردّ ، وعلى فرض الوجوب لا دليل على الملازمة بينه وبين الضمان بعدما عرفت من أنّ الملاك في الباب هو الإئتمان وعدمه .
ثمّ إنّ هذا كلّه إنّما هو مع التفات المستأجر إلى انقضاء مدّة الإجارة ، وأمّا مع الغفلة وعدم الالتفات فيتصوّر بعد زوال غفلته الصور المتقدّمة بالنسبة إلى حال الغفلة ويجري عليها حكمها ، وقد عرفت أنّ مقتضى الجميع عدم ثبوت الضمان إلاّ مع التعدّي أو التفريط ، كما هو المشهور(1) .
المسألة الثالثة : اشتراط ضمان العين المستأجرة مع عدم التعدّي والتفريط ، وقبل الخوض في الكلام في الصحّة وعدمها ينبغي تقديم أُمور :
الأوّل : إنّ محلّ الكلام إنّما هو اشتراط الضمان في نفس عقد الإجارة ، فما يغاير هذا العنوان خارج عن محلّ البحث هنا ، وعليه فالتضمين من المؤجر بالنسبة إلى
- (1) رياض المسائل : 6 / 19 ، الحدائق الناضرة : 21 / 543 ، بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 32 .
(الصفحة 568)
المستأجر ـ سواء كان في ضمن المقاولة قبل إيقاع العقد ، أو كان بعد وقوعه ـ خارج عن البحث في المقام ، كما أنّ اشتراط الضمان في ضمن عقد آخر كالبيع ونحوه أيضاً كذلك ، وهكذا اشتراط أداء مقدار معيّن من المال على تقدير التلف لا بعنوان ضمان العين ، فإنّه أيضاً لا يكون محلاًّ للكلام هنا ، فالبحث ممحّض في اشتراط الضمان الذي هو من قبيل شرط النتيجة في نفس عقد الإجارة .
الثاني : إنّ محلّ الكلام أيضاً إنّما هو ضمان المستأجر بالنسبة إلى العين المستأجرة التي هي مورد الإجارة ، فما استدلّ به السيّد صاحب الرياض من الخبر الوارد في رجل استأجر سفينة من ملاّح فحملها طعاماً واشترط عليه إن نقص الطعام فعليه ، قال : جائز ، قلت : إنّه ربما زاد الطعام ، قال : فقال : يدّعي الملاّح أنّه زاد فيه شيئاً ؟ قلت : لا ، قال : هو لصاحب الطعام الزيادة ، وعليه النقصان إذا كان قد اشترط عليه ذلك(1)(2) خارج عمّا هو محلّ البحث ، لأنّ مورده ضمان المستأجر الذي هو معطي الاُجرة ، ومورد الخبر ضمان من أخذ الاُجرة، كما هو ظاهر .
الثالث : لا ينبغي الارتياب في تحقّق الشهرة على بطلان اشتراط الضمان في المقام ، بل يظهر من المفتاح(3) اتّفاق من عدا السيّد ممّن تعرّض لهذا الفرع على بطلان هذا الشرط ، وأنّ ظاهر جامع المقاصد الإجماع عليه ، حيث قال : ولو شرط الضمان مع التلف ولو بغير تعدّ فالشرط باطل قطعاً(4) ، نظراً إلى أنّ الجزم بالبطلان في معنى الإجماع .
- (1) الكافي : 5 / 244 ح4 ، وسائل الشيعة : 19 / 150 ، كتاب الإجارة ب30 ح5 .(2) رياض المسائل : 6 / 19 ـ 20 .(3) مفتاح الكرامة : 7 / 253 .(4) جامع المقاصد : 7 / 258 .
(الصفحة 569)
ولكن حكي عن السيّد في الانتصار أنّه لمّا حكى قول الحسن بن حي : إنّ من أعطى الاُجرة لا ضمان عليه وإن شرط الضمان(1) ، ردّه بأنّه يخالف الإمامية ; لأنّ عندنا إن شرط كان الضمان عليه بالشرط(2) ، وظاهر ذلك الإجماع ، وحكم بأظهريّة هذا في الرياض(3) ، واحتمل صحّة الشرط المولى الأردبيلي(4) ، وتبعه تلميذه المحقّق السبزواري(5) ، وحكي أيضاً عن المحقّق الخونساري في حاشية الروضة(6) . ويمكن أن يكون مورد كلام السيّد خارجاً عمّا هو محلّ الكلام هنا من ضمان من أخذ الاُجرة لا من أعطاها ، فلابدّ من المراجعة إليه .
وكيف كان ، فالشهرة المحقّقة إنّما هي على بطلان الاشتراط في المقام .
الرابع : أنّه هل يعقل اشتراط الضمان بالنسبة إلى العين المستأجرة أم لا ؟ وقد صرّح بعدم المعقولية بعض الأجلّة على ما حكي عنه ، ويظهر أيضاً من المحكي من سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) . وغاية ما يمكن أن يوجّه به هذا القول تقريبات ثلاثة :
الأوّل : ما حكي عن البعض المتقدّم ، وحاصله : أنّ التسبّب إلى ثبوت الضمان بالاشتراط تارةً مع حفظ اتصاف يد المستأجر بالأمانية ، واُخرى مع التأثير فيها بنحو لم تحدث إلاّ فاقدة لتلك الصفة ، وبعبارة اُخرى الغرض من الاشتراط هل هو
- (1) راجع المغني لابن قدامة : 6 / 106 وبدائع الصنائع : 4 / 72 .(2) الانتصار : 467 .(3) رياض المسائل : 6 / 19 .(4) مجمع الفائدة والبرهان : 10 / 69 ـ 70 .(5) كفاية الاحكام : 124 .(6) الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية : 365 .
(الصفحة 570)
ثبوت الضمان على من كانت يده أمانيّة ، أو التصرّف في يده بحيث انقلبت عمّا هي عليه لو لا الاشتراط وصارت غير أمانية ؟ وكلا الأمرين غير معقول : أمّا الأوّل: فلوضوح معاندة ثبوت الضمان مع اتّصاف اليد بالأمانية ، فإنّ حقيقتها كونها بحيث لا يترتّب عليها الضمان ، وأمّا الثاني : فلأنّ الضمان حينئذ مستند إلى عدم كون اليد يداً أمانيّة لا إلى اشتراط عدمه ، فلا يمكن التوصّل إلى الضمان من جهة الاشتراط المحض .
الثاني : ما يمكن إدّعاؤه بناءً على مبنى البعض المتقدّم ; وهو كون الإجارة حقيقتها البيع . غاية الأمر أنّها بيع من جهة مخصوصة في زمان محدود ، فإنّه يقال حينئذ : بأنّه على هذا التقدير لا يعقل اشتراط الضمان ; لأنّ مرجعه إلى جعل الشخص ضامناً لمال نفسه وهو غير معقول .
الثالث : ما حكي عن تقريرات بحث الإجارة لسيّدنا الأستاذ (قدس سره) ممّا يرجع إلى أنّ اشتراط الضمان مناف لما هو الثابت عندهم من بطلان الإجارة بتلف العين المستأجرة ; لأنّ مرجع اشتراط الضمان إلى ثبوت العين مثلاً أو قيمة في عهدة المستأجر على تقدير التلف ، وفي هذا التقدير تكون الإجارة باطلة عندهم ، ومع فرض البطلان لا يبقى مجال للزوم الشرط لكونه تابعاً لها .
وبعبارة اُخرى قبل تلف العين لا معنى للضمان وبعده لا يبقى موضوع الإجارة ، فلا معنى للزوم الوفاء بالشرط في ضمنها كما في سائر العقود ، ألا ترى أنّه لو اشترطت الخياطة مثلاً في ضمن عقد البيع ثمّ انفسخ البيع بالتقايل أو بغيره ، فهل يجب على المشروط عليه الوفاء بالشرط بفعل الخياطة ، أم يكون وجوب الوفاء به تابعاً لوجوب الوفاء بالعقد الذي وقع الشرط في ضمنه ؟
ومنه يظهر اندفاع ما ربما يمكن أن يتوهّم من أنّه لا حاجة في لزوم الوفاء