(الصفحة 571)
بالشرط إلى ما يدلّ على وجوب الوفاء بالعقد حتّى يتوقّف ذلك على بقاء العقد وعدم انفساخه ، بل يكفي قوله (صلى الله عليه وآله) : «المؤمنون عند شروطهم»(1) في إفادة اللزوم ولو بعد انفساخ العقد . وبعبارة اُخرى إفادة الشرط للّزوم إنّما تتوقّف على العقد في الحدوث ، وأمّا في البقاء فلا; لكفاية ما يدلّ على لزومه مع قطع النظر عن العقد .
وجه الاندفاع ما عرفت من أنّ لازم هذا التوهّم وجوب العمل بالشرط في المثال المذكور ، مع أنّه بعيد عن مذاق العرف والشرع ، والسرّ أنّ الشرط الذي يجب الوفاء به هو الشرط الذي كان متدلّياً في العقد ومتعلّقاً به حدوثاً وبقاءً ، ولا معنى للزوم الوفاء به مع فرض انفساخ العقد وبطلانه ، وإلاّ لكان اللاّزم وجوب الوفاء بالشروط الابتدائية أيضاً .
فانقدح أنّه لا يمكن اجتماع تأثير اشتراط الضمان في ثبوته مع ماهو الثابت عندهم ، المتسالم عليه بينهم من عروض البطلان والانفساخ للإجارة بسبب التلف ، سواء قيل بكون الانفساخ من حين التلف ، أو قيل بكون التلف كاشفاً عن بطلان الإجارة من رأس بالنسبة إلى ما بعد التلف من المدّة الباقية ; بمعنى عدم انعقادها من الأصل بالنسبة إلى تلك المدّة كما هو المختار .
إن قلت : إنّ ما ذكر إنّما يتم فيما إذا تلفت العين المستأجرة بتمامها ، وأمّا لو تلف بعض أجزائهافلا منافاة حينئذ ، لعدم انفساخ الإجارة بتلف البعض ،فيجوز أن يؤثّر الشرط في ضمنها في الضمان بالنسبة إلى البعض التالف ، ولا يلزم حينئذ ما ذكر .
قلت : كما أنّ تلف الجميع يوجب انفساخ الإجارة بالنسبة إليه ، كذلك تلف البعض يوجب انفساخ الإجارة أيضاً . غاية الأمر بالإضافة إليه ، و حينئذ فإن
(الصفحة 572)
اُريد بتأثير الشرط تأثير الحصّة التي تكون في ضمن الحصة المنفسخة من العقد ، فهذا عين ما ذكر من بقاء الشرط مع عدم بقاء العقد ووجوب الوفاء به مع عدم وجوب الوفاء بالعقد . وإن اُريد به تأثير ما وقع في ضمن الحصّة الباقية غير المنفسخة من العقد ، فمضافاً إلى أنّ ما وقع في ضمن هذه الحصّة ليس اشتراط الضمان بالنسبة إلى البعض التالف كما هو غير خفيّ، نقول : على تقديره هو خارج عن الفرض ; لأنّ محلّ الكلام هو اشتراط الضمان في ضمن عقد الإجارة بنفسها لافي ضمن عقد آخر ، وهذه الحصّة الباقية بالإضافة إلى الحصّة المنفسخة بمنزلة العقد الآخر ، فاشتراط الضمان في ضمنها إنّما هو كاشتراط ضمان العين المستأجرة في ضمن عقد آخر كالبيع ونحوه ، وقد عرفت خروجه عن محلّ الكلام .
ودعوى عدم مساعدة العقلاء والشرع على تبعّض العقد وصيرورته ذا حصص حتّى يبقى بعض حصصه وينفسخ البعض الآخر ، مدفوعة بالمنع لعدم الدليل على خلافه .
هذه هي التقريبات الثلاثة لدعوى الامتناع وعدم المعقولية .
ويرد على الأوّل : أنّ الغرض من تأثير الاشتراط في ثبوت الضمان هو التوصّل إليه من طريق الشرط ، ولو بأن يكون مؤثِّراً في أن تحدث اليد غير أمانية حتّى يترتّب عليها الضمان لأجل ذلك ، فهذا التقريب يشبه النزاع اللفظي كما لا يخفى .
وعلى الثاني : أنّ منافاة اشتراط الضمان لهذا النوع من البيع أوّل الكلام ، كيف ولو كانت الإجارة بيعاً حقيقيّاً غير قابلة لجعل الضمان فيها لكان اللاّزم عدم معقولية جعل الضمان مع التعدّي والتفريط أيضاً ; لأنّ الإنسان لا يضمن مال نفسه ولو مع التعدّي والتفريط . هذا ، مضافاً إلى أنّ هذا المبنى فاسد جدّاً ; لأن الإجارة كما عرفت من الاعتبارات المغايرة للبيع ، ولا تكون من أنواعه لدى العقلاء الذين
(الصفحة 573)
هم الملاك في باب المعاملات واعتباراتها على ما مرّ(1) .
وأمّا التقريب الثالث الذي حكي عن تقريرات سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) ، ومفاده الامتناع ـ وإن كان نظره (قدس سره) منه إلى عدم الصحّة للمنافاة المذكورة ; لأنّ لازم تلك المنافاة عدم المعقولية ، لكون البطلان بالتلف متسالماً عليه بينهم ، وهو لا يجتمع مع الاشتراط ، فلا يعقل تأثيره مع حفظ ذلك ـ فقد اُجيب عنه بوجهين :
الأوّل : أنّ ما أفاده من كون ثبوت الضمان لا يعقل إلاّ بعد التلف ممنوع ; لاحتمال كونه من قبيل الواجب المعلّق ، بأن يكون ضامناً فعلاً للعين بعد التلف ، وعليه فالشرط إنّما أثّر حين بقاء العقد وعدم انفساخه . غاية الأمر أنّ نتيجة الضمان إنّما تظهر بعد التلف .
ويرد على هذا الوجه أنّ مدخلية التلف في الضمان ممّا لا تنبغي الخدشة فيها ، فإنّ التلف لدى العرف والعقلاء إمّا أن يكون سبباً لثبوت الضمان في موارده ، وإمّا أن يكون موضوعاً لاعتباره بناءً على القول بأنّه لا معنى للسببيّة والمسبّبية في الاُمور الاعتبارية ، فاعتبار الضمان قبل حصول التلف ممّا لا يساعد عليه الاعتبار ، وتحقيق الكلام على هذا المرام في محلّه .
الثاني : أنّ الشروط على قسمين :
أحدهما : ما يكون منجّزاً غير معلّق على شيء ، كاشتراط الخياطة مطلقاً من دون تعليق على أمر .
ثانيهما : ما يكون معلقاً على شيء ، كاشتراط إكرام زيد على تقدير مجيئه ، والمعلّق عليه في هذا القسم قد يكون أمراً خارجيّاً لا ارتباط له بالعقد ، كمجيء
(الصفحة 574)
زيد في المثال ، وقد يكون أمراً مرتبطاً بالعقد ، كانفساخه أو التلف الموجب للانفساخ في الإجارة .
لا إشكال في إمكان الاشتراط وصحّته إذا كان المعلّق عليه على النحو الأوّل ، وأمّا إذا كان على النحو الثاني ، كما إذا اشترط الضمان في الإجارة على تقدير انفساخها ، فالدليل على عدم الإمكان إن كان هو عدم وجوب الوفاء بالعقد في ظرف الانفساخ الذي هو المعلّق عليه فلا معنى لوجوب الوفاء بالشرط الذي هو تبع له ومتدلّ فيه ، فنقول : لازم ذلك تحقّق الانفكاك بين وجوب الوفاء بالعقد ، وبين قوله (صلى الله عليه وآله) : المؤمنون عند شروطهم
(1) في البقاء مع اقترانهما في الحدوث ، وحينئذ يمكن أن يقال : إنّ القدر المتيقّن من الشروط التي لا يجب الوفاء بها هي الشروط الابتدائية، غير المقترنة بالعقد ، وأمّا ما كان منها مقروناً بالعقد حادثاً معه فلا يحتاج في البقاء إليه ، بل يكفي العموم في لزوم الوفاء به وإن لم يجب الوفاء بالعقد ، خصوصاً لو كان المشروط هي النتيجة دون الفعل كما في المقام .
وبعبارة اُخرى الاشتراط في حين وقوعه لا يكون مجرّداً غير مرتبط بالعقد ، بل الالتزام بالشرط وقع في ضمن الالتزام العقدي ، وقبل حصول المعلّق عليه لا معنى لتأثيره لكونه تعليقياً على ماهو المفروض ، وبعد حصوله يترتّب عليه الملتزم به قهراً من دون حاجة إلى بقاء العقد حينئذ ; لأنّه مقتضى الالتزام الواقع في ضمن العقد .
ثمّ إنّه لو سلّم عدم إمكان اشتراط شيء معلّقاً على انفساخ العقد فيمكن أن يقال بأنّ ذلك لا يلازم عدم الإمكان في المقام ; وهو اشتراطه معلّقاً على التلف وإن كان
(الصفحة 575)
موجباً للانفساخ ، والوجه أنّ التعليق على الانفساخ مرجعه إلى تأثير الاشتراط في الرتبة المتأخّرة عن الانفساخ ، وهذا لا يجتمع مع كونه متدلّياً في العقد معدوداً من توابعه ، وأمّا التعليق على التلف فلا يرجع إلى ذلك ; لأنّ تأثير الاشتراط لا يكون متأخّراً عن زوال العقد ، بل مرجعه إلى تقارن زوال العقد وحصول المعلّق على التلف بمجرّده ، فتأثير الاشتراط في رتبة الانفساخ لا متأخّر عنه ولا دليل على امتناع ذلك .
هذا ، مضافاً إلى أنّ ما أفاده من تبعّض العقد فيما إذا تلفت العين ببعض اجزائه محلّ نظر ; لأنّ لازم ذلك بطلان البعض وبقاء البعض الآخر على اللزوم ، مع أنّ اللاّزم من تلف بعض العين هو الخيار بالنسبة إلى المجموع لا التبعّض بالنحو المذكور ، كما هو ظاهر .
وإلى أنّ دعوى التبعّض إنّما تتمّ على تقديره فيما إذا تلف بعض الأجزاء ، وأمّا لو تبدّل بعض أوصاف العين فلا وجه لهذه الدعوى ، وفي هذه الصورة يمكن اشتراط ضمان الوصف المتبدّل ، ولا يقتضي الوجه المتقدّم عدم جوازه ; لعدم عروض التبعّض وبقاء العقد على النحو الحادث ، فالاشتراط الواقع في ضمنه لا مانع من تأثيره ، أضف إلى ذلك أنّ دعوى التبعّض في نفسها مخدوشة بل ممنوعة ; لعدم مساعدة العرف عليها .
ويمكن الإيراد على هذا الجواب أيضاً بأنّه كما أنّ الشرط يحتاج في لزوم الوفاء به إلى كونه في ضمن العقد متّكئاً عليه حدوثاً ، كذلك يحتاج في البقاء إلى بقاء العقد . وبعبارة اُخرى ; إمّا أن يقال : بأنّ العموم في قوله : المؤمنون عند شروطهم يشمل الشروط الابتدائية فلا يحتاج في الحدوث إلى العقد أيضاً ، وإمّا أن يقال لعدم الشمول فيفتقر في البقاء إليه أيضاً ; لأنّ مرجع ذلك إلى أنّ الشرط لا يؤثّر مستقلاًّ ،