(الصفحة 59)
الحكم بالبطلان مع الإطلاق وعدم التقدير بالزمان كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه لو قدَّر العمل والمدّة في الإجارة على الأعمال ، فتارة يكون على نحو الظرفية ; بأن كان الغرض متعلّقاً بوقوع ذاك العمل في ذاك الزمان ، من دون ملاحظة التطبيق بينهما أوّلاً أو آخراً أو كليهما ، وأُخرى يكون على نعت التطبيق بنحو من أنحائه الثلاثة . وعلى كلا التقديرين ، تارة يكون الزمان مأخوذ بنحو التقييد واُخرى يؤخذ بنحو الاشتراط ، الذي هو التزام في التزام آخر . وعلى كلّ من التقادير إمّا أن يعلم بسعة الزمان للعمل ، أو إمكان التطبيق بينهما ، وإمّا أن يعلم الخلاف ، وإمّا أن يكون مجهولاً .
وقد أفاد صاحب الجواهر (قدس سره) أنّه لاريب في الصحّة مع العلم بسعة المدّة أو إمكان التطبيق ، كما لاريب في الفساد مع العلم بالقصور ، أو عدم الإمكان للعجز عن العمل المفروض ، قال : والأقوى الصحّة في صورة الشكّ ; لأنّ المسلّم خروجه من عموم الأدلّة معلوم العجز ، خصوصاً فيما كان من قبيل الشرط(1) .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ تعليل الفساد في صورة العلم بالقصور بالعجز عن العمل ليس على ماينبغي ; لأنّه مع العلم بالقصور لايكاد يتحقّق القصد من المتعاقدين ، ضرورة أنّه كيف يتمشّى قصد إنشاء الإجارة ممّن يعلم بعجزه عن الإتيان بمتعلّقها ، وهذا نظير بعث العاجز في باب التكاليف ، فإنّه كيف يمكن صدور البعث الحقيقي ممّن يعلم بأنّ المبعوث غير قادر على المبعوث إليه ، مع أنّ مجرّد العجز الواقعي حال الإجارة لم يقم دليل على اعتبار عدمه فيها ، فإنّه إذا تحقّق منه الإنشاء في حال الغفلة عن عجزه ، ثمّ زال العجز وتمكّن في ظرف العمل لم يدلّ دليل على بطلان هذه الإجارة ـ : أنّ التمسّك بعموم الأدلّة في صورة الشكّ من قبيل
- (1) جواهر الكلام : 27 / 261 ـ 262 .
(الصفحة 60)
التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة للمخصّص ، وهو غير جائز على ماهو التحقيق ، إلاّ أن يقال : إنّ عنوان العلم مأخوذ في المخصّص ، ولكنّه ليس كذلك ; لأنّ العنوان المأخوذ فيه هو العجز لامعلومه .
والتحقيق في هذا المقام ما أفاده المحقّق الإصفهاني (قدس سره) وإن كان مورد كلامه خصوص صورة التطبيق على المدّة ابتداءً وانتهاءً ، إلاّ أنّ الحكم لا يختصّ بهذه الصورة بل يجري في جميع الصور ، وملخّص ما أفاده أنّه مع تعلّق غرض عقلائيّ بالتطبيق لا إشكال في صحّته مع العلم بإمكانه ، وفي بطلانه مع العلم بعدمه ، وأمّا صورة الشكّ ، فإن كان التطبيق ملحوظاً قيداً للخياطة فالعمل الخاصّ لم يحرز إمكان حصوله فهو غرريّ ، وان كان بنحو الاشتراط فالشرط غرريّ ، وتبتني الصحّة والفساد على سراية الغرر من الشرط إلى المشروط وعدمها ، والمستفاد من نهي النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن بيع الغرر(1) إن كان خصوص ما إذا كان البيع أو الإجارة غررياً فلا خفاء في أنّ غررية البيع والإجارة بما هما بيع وإجارة لاتكون إلاّ بملاحظة الخطر في أحد العوضين ، ومع عدم التقييد كما هو المفروض لا خطر فيهما ، فلا معنى للسراية وإن كان حرمة الإقدام المعاملي البيعي الغرري فلا تبعد دعوى السراية ، لأنّ الإقدام المعاملي مشتمل على الخطر(2) .
أقول : والظاهر أنّ المستفاد منه عرفاً هو الاحتمال الثاني ، وعليه فلا فرق بين صورتي التقييد والاشتراط من حيث الحكم بالبطلان .
***
[قال المؤلّف دام ظلّه في كتاب الإجارة الثاني]:
اعتبار مملوكية المنفعة; وهو الشرط الثاني من شروط العوضين
- (1) تقدّم في ص22.(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 128 ـ 129 .
(الصفحة 61)
والثالث من شرائط الإجارة بحسب عبارة الشرائع(1) ، والظاهر أنّ مراده بهذا الشرط هو اعتبار كون المنفعة لها إضافة ملكيّة إلى مالك ، كاعتبار ملكيّة العين في باب البيع ، من دون فرق بين أن يكون المالك هو المؤجر أو غيره ، وعليه فيخرج بهذا الشرط إجارة المباحات الأصليّة ، التي يتساوى نسبتها بأعيانها ومنافعها إلى الجميع ، من دون ترجيح لأحد على آخر ، وليس المراد بملكية المنفعة هي ملك التصرّف فيها حتّى يكون المخرج بهذا الشرط تصرّف الفضولي والغاصب ، وإن كان يؤيّده تفريع بطلان الفضولي عليه في آخر كلام الشرائع(2) لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ لازم هذا المعنى التخصيص بالمؤجر ، مع أنّه ليس في العبارة إشعار بالاختصاص به ـ يرد عليه أنّ تصرّف الفضولي والغاصب قد خرج باعتبار كون المتعاقدين جائزي التصرّف ، فلا حاجة إلى إخراجه ثانياً بهذا القيد ، كما أنّه ليس المراد بمملوكية المنفعة كونها متموّلة قابلة لأن يبذل المال بإزائها ; لأنّه ـ مضافاً إلى بعد هذا المعنى في نفسه ; إذ لا وجه للتعبير عن المتموّلة بالمملوكة ; ولذا جعل العلاّمة في القواعد(3) ومحكي التذكرة(4) كلاًّ من المتموّل والملكيّة شرطاً مستقلاًّ ، واحترز بالثاني عن إجارة الغاصب والفضولي ، وبالأوّل عن إجارة التفّاح للشمّ ونحو ذلك ـ ينافيه تفريع الفضولي بعد ذلك كما عرفت .
وكيف كان ، فالظاهر أنّ المراد بهذا الشرط ما في الجواهر بعد ذكر عبارة الشرائع من قوله : للمؤجر أو لمن هو فضول عنه كما ستعرف ، أو
- (1 ، 2) شرائع الإسلام : 2 / 182 .(3) قواعد الأحكام : 2 / 286 و287 .(4) تذكرة الفقهاء : 2 / 290 و294 .
(الصفحة 62)
نائب عنه لوكالة أو ولاية(1) ، والظاهر عدم مساعدة الدليل عليه ; لأنّ اللاّزم مجرّد خروجها عن حدّ التساوي لا اعتبار الملكيّة ، ضرورة صحّة إجارة الحرّ نفسه كما سيأتي .
ثمّ إنّه استدلّ في الجواهر على اعتبار هذا الشرط بعد نفي وجدان الخلاف فيه بقوله : بل هو من الواضحات ، ضرورة عدم تحقّق المعاوضة في غير المملوكة التي يكون المؤجر والمستأجر فيها على حدٍّ سواء ، كمنافع الأعيان المباحة(2) .
وأورد عليه المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) بأنّ معنى كون البيع معاوضة والإجارة معاوضة ليس لزوم قيام كلّ من العوضين مقام الآخر فيما له من إضافة الملكيّة حتّى يلزم كون كلّ منهما مملوكاً قبلاً ، ضرورة صحّة بيع الكلّي الذمّي مع أنّه غير مملوك قبلاً للبائع ، وصحّة تمليك الحرّ لعمله بالإجارة ، مع أنّ عمله غير مملوك له قبلاً ، بل لمكان سلطنة الإنسان على نفسه له أن يتعهّد بكلّي في ذمّته أو بعمل على نفسه ، بل معنى كون البيع والإجارة معاوضة، صيرورة كلّ من العوضين ملكاً للآخر بإزاء صيرورته ملكاً له ، فلا يلزم سبق إضافة الملكيّة للمملّك(3) .
أقول : لم يظهر لي دلالة عبارة الجواهر على اعتبار سبق إضافة الملكيّة في تحقّق المعاوضة ، حتّى يورد عليه بما ذكر ، بل غاية مفادها عدم تحقّق المعاوضة في مثل منافع الأعيان المباحة ممّا يكون الطرفان فيه على حدٍّ سواء ، وأمّا كون الوجه فيه اعتبار السبق فلا ، فيمكن أن يكون الوجه فيه مجرّد تساوي النسبة وعدم وجود مرجّح في البين ، بل الظاهر
- (1 ، 2) جواهر الكلام : 27 / 257 .(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 106 ـ 107 .
(الصفحة 63)
أنّ مراد صاحب الجواهر هو هذا الوجه ، كما لايخفى .
ثمّ إنّ المنفعة تارةً تكون مملوكة بتبع ملك العين ، واُخرى بالاستقلال والانفراد ، وفي هذه الصورة قد يكون المالك لها مالكاً للعين أيضاً ، كما إذا استأجر داراً في مدّة معيّنة ثمّ اشتراها من المؤجر قبل انقضاء مدّة الإجارة ، فإنّه يكون في المدّة الباقية مالكاً للعين والمنفعة معاً ، من دون أن تكون المنفعة مملوكة بتبع ملك العين ; لما عرفت سابقاً من عدم التنافي بين البيع والإجارة ، وقد يكون المالك لها غير مالك للعين ، كما إذا أوصى له بمنفعتها أو كانت العين موقوفة بالوقف العام ، بناءً على كون العين فيه ملكاً لله تعالى ، أو يقال بعدم ثبوت مالك للعين فيه أصلاً ، ومن هذا القبيل ملك المستأجر ، فإنّه لا يكون مالكاً إلاّ للمنفعة غالباً .
[انتهى الكلام من كتاب الإجارة الثاني].
***
المقام الثالث : في الاُمور المعتبرة في الأُجرة ، والبحث فيها من جهة اعتبار المعلومية ، وكذا التعيين فيما إذا كانت الأُجرة جزئية شخصية ، الذي كان ينبغي للماتن بيان اعتباره هنا أيضاً ; لعدم اختصاص اعتباره بالعين المستأجرة فإنّ الملاك في الاعتبار على تقديره واحد هو البحث في العين المستأجرة من جهة الكبرى . غاية الأمر أنّه حيث تكون الأُجرة مكيلة أو موزونة أو معدودة أحياناً فطريق رفع الخطر وانتفاء الغرر إنّما هو الكيل والوزن والعد ، ولا يكفي مجرّد المشاهدة أو الوصف . نعم ، لا يبعد الاعتماد على إخبار المستأجر بأحد المذكورات ، كما يعتمد على إخبار البائع به في باب البيع ، وإن وقع الخلاف بينهم في ذلك ، حيث إنّهم بين من صرّح بعدم كفاية المشاهدة في المذكورات ، كالمحكي عن السرائر(1) وكشف