(الصفحة 84)
الجهالة في العقد أو الشرط ، وعليه يحمل ما في صحيح أبي حمزة(1)(2) .
ويرد عليه : أنّ ما أفاده من عدم الصحّة لأجل عدم المعقولية مناف لما أفاده من الفروض المتصوّرة في أصل الفرع ، فإنّ عدم المعقولية إنّما هو فيما إذا لم يؤخذ مازاد متعيناً بوجه أصلاً على ما أفاده فيما تقدّم ، وأما إذا اُخذ متعيّناً ولو بعنوان ما يختاره المستأجر فلايتصف حينئذبعدم المعقولية،بل غايته لزوم الجهالة، فتعليل عدم الصحّة في المقام بعدم المعقولية ـ الظاهر في أنّه غير معقول مطلقاً ـ مناف لما مرّ منه سابقاً(3) .
ويرد عليه أيضاً عدم تماميّة ما أفاده في الوجه الثاني :
أمّا أوّلاً : فلأنّ تعلّق الشرط بالمبهم لايوجب اتصافه بعدم المعقولية ، ضرورة أنّه لايوجب استحقاق المشروط حال العقد حتّى لايعقل تعلّق الاستحقاق بالمبهم ، كيف وهو معلّق على أمر لم يعلم حصوله ، فإنّ مرجع الشرط إلى قوله : «وإن زدت فبحسابه» ومع عدم معلومية حصول المعلّق عليه في ظرفه كيف يتحقّق الاستحقاق غير المعقول حال العقد ، بل نتيجة الاشتراط استحقاق إلحاق الزيادة بالحساب ، ولا مانع من تحقّق هذا الاستحقاق حال العقد كما هو ظاهر .
وأمّا ثانياً : فلأنّ مقتضى ظاهر كلامه أنّه لو كان الشرط متصفاً بالمجهولية لكان اللاّزم سراية الجهالة إلى العقد ، مع أنّ السراية مطلقاً ممنوعة، فإنّ جهالة مازاد وما يقع بإزائه لا تسري إلى العقد ، ولا توجب جهالة متعلّق العقد ، الذي هو الشهر والدرهم مثلاً .
ويرد على ما أفاده في الوجه الثالث : أنّ الأمر المبهم كما أنّه لا يعقل تعلّق صفة
- (1) وسائل الشيعة : 19 / 111 ، كتاب الإجارة ب8 ح1 ، وسيأتي متنه وتخريجه مفصّلاً .(2) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 80 .(3) أي من المحقّق الاصفهاني في «بحوث في الفقه، كتاب الإجارة»: 78 ـ 79 .
(الصفحة 85)
الملكيّة أو الاستحقاق به كذلك لايعقل تعلّق صفة التراضي به ; لأنّه كما أفاده فيما سبق غير قابل للاتصاف بصفة أصلاً ، حقيقية كانت أو اعتبارية .
والتحقيق في هذا المقام أنّه لامانع من الصحة بطريق الاشتراط ; لأنّ المانع المتوهم إمّا التعليق وإمّا الجهالة، والظاهر أنّه لايقدح شيءمنهما ، أمّا الأوّل: فلحكم المشهور بذلك ، وأنّ التعليق في الشروط ممّا لامانع منه ، وأمّا الثاني: فلعدم الدليل على قدح هذا المقدار من الجهالة في الشروط ، خصوصاً على ماعرفت منّا من عدم قادحيته في عقد الإجارة أيضاً ، فضلاً عن الشروط بل الدليل على خلافه ; وهو صحيحة أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يكتري الدابّة فيقول : إكتريتها منك إلى مكان كذا وكذا فإن جاوزته فلك كذا وكذا زيادة ، ويسمّي ذلك ، قال : لابأس به كلّه(1) . فإنّ ظاهره أنّ ثبوت الزيادة على تقدير التجاوز قد اُخذ بنحوالاشتراط،فالرواية بظاهرهاتدلّ على عدم قدح التعليق في الشرطوكذا الجهالة.
وأمّا ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) من احتمال إرادة اشتراط مقدار الغرامة لو تعدّى وتجاوز لما هو المتعارف في التأكيد على عدم التجاوز عن المكان المعيّن(2) ، فهو خلاف ظاهر الرواية كما لايخفى .
نعم ، يمكن أن يقال بالفرق بين مورد الرواية والمقام ، نظراً إلى أنّ المعلّق عليه الزيادة المسمّـاة في مورد الرواية إنّما هو التجاوز بعنوانه ، وعليه فلا جهالة فيه أصلاً ـ لا في عنوان التجاوز وطبيعيّه ، ولا في الزيادة الواقعة بإزائه ـ وهذا بخلاف المقام ، فإنّ مقدار الزيادة وكذا مايقع بإزائه كليهما مجهولان ، ولكن الأمر سهل
- (1) الكافي : 5 / 289 ح2 ، التهذيب : 7 / 214 ح938 ، وسائل الشيعة : 19 / 111 ، كتاب الإجارة ب8 ح1 .(2) جواهر الكلام : 27 / 235 .
(الصفحة 86)
بعدما عرفت من عدم الدليل على قدح هذا المقدار من الجهالة في العقد فضلاً عن الشرط ، هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل .
***
[قال المؤلّف دام ظلّه في كتاب الإجارة الثاني]:
قال المحقّق في الشرائع : إذا قال : «آجرتك كلّ شهر بكذا» صحّ في شهر ، وله في الزائد اُجرة المثل إن سكن ، وقيل : تبطل لجهل الاُجرة ، والأوّل أشبه ، وذكر بعد ذلك فرعين آخرين ، قال : الأوّل : لو قال : «إن خطته فارسياً فلك درهم، وإن خطته روميّاً فلك درهمان» صحّ. الثاني : لو قال : «إن عملت هذا العمل في اليوم فلك درهمان وفي غد درهم» فيه تردّد ، أظهره الجواز(1) .
فهنا فروع ثلاثة ، وينبغي قبل التكلّم فيها والبحث عنها التنبيه على أمر ; وهو أنّ المحقّق الإصفهاني (رحمه الله) استنبط من هذه الفروع المذكورة في الشرائع أنّ المحقّق قائل بأنّ من أحكام الاُجرة التعيين ، ومرجع ذلك إلى أنّ اشتراط المعلومية لا يغني عن اشتراط التعيين ، بل لابدّ من اشتراط كليهما ـ كما فعله بعض المتأخّرين في رسالته(2)ـ وأورد على من استند للبطلان بتجهّل الاُجرة بما حاصله يرجع إلى أنّ الجهل هو عدم العلم بنحو العدم المقابل للملكة ، فما لم يكن له واقع لا معنى للعلم به تارةً وللجهل به اُخرى ، وعدم العلم بعدم المعلوم لا يكون من الجهل المقابل للعلم ، والمقام من هذا القبيل ; لعدم ثبوت الواقعية للماهية غير المتعيّنة بشيء من التعيّنات ، فيستحيل أن تكون مقوّمة لصفة الملكيّة(3) .
- (1) شرائع الإسلام : 2 / 181 .(2) السيّد أبو الحسن الإصفهاني في وسيلة النجاة : 2 / 50 .(3) بحوث في الفقه ، كتاب الإجارة : 76 ـ 77 .
(الصفحة 87)
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ مراد من اشترط مجرّد المعلوميّة هو المعلوميّة العرفيّة ، التي تشمل التعيين أيضاً كما لا يخفى ـ : أنّه لا وجه لما أفاده من عدم ثبوت الواقعيّة مع عدم التعيّن بحسب الخارج ، وذلك لأنّ واقعية كلّ شيء إنّما هي بحسبه ، فإذا كان الشيء من الموجودات الخارجية والاُمور الجزئية الشخصية فواقعيّته مساوقة للتعيّن الخارجي ، ولا يعقل أن يكون غير متعيّن ومقوّماً لصفة الملكيّة أو غيرها من الصفات الاُخر مع وصف عدم التعيّن ، فلا معنى لتعلّق العلم أو الجهل به مع هذه الصفة ، وأمّا إذا لم يكن الشيء من الموجودات الخارجية ، بل كان ظرف وجوده الذهن فواقعيته إنّما تلاحظ بالإضافة إلى الذهن ، ولا يكون التردّد بحسب الخارج قادحاً في تعلّق العلم به بالنظر إلى واقعيّته ، فإنّه لو كانت الاُجرة في المقام مثلاً أحد العبدين المعلومين من جميع الجهات المتماثلين في الصفات الموجبة لاختلاف الرّغبات لكان اللاّزم هو تعلّق العلم بهذا العنوان المجعول اُجرة ، وهو عنوان أحدهما الذي لا يكون ظرف وجوده ووعاء تحقّقه إلاّ الذهن ، ومن الواضح إمكان تعلّق العلم بهذا العنوان وكذا الجهل .
وبالجملة : فما هو المجعول اُجرة هو عنوان أحدهما ، الذي يكون متحقّقاً في الذهن ومتّصفاً بوصف المعلومية ; لثبوت الواقعية له بالإضافة إلى ظرف وجوده ، وما لايمكن تعلّق العلم به لأجل عدم الثبوت والواقعية له هو المردّد الخارجي ; وهو لايكون مجعولاً اُجرة ، فما أفاده (قدس سره) من قبيل الخلط بين المفهوم والمصداق الذي ربّما يتّفق كثيراً .
ويدلّ على ما ذكرناه أنّه لا خلاف بينهم في أنّه يجوز أن تكون الاُجرة في الإجارة كلّية ، كما أنّه يجوز أن تكون جزئية شخصية مع جريان ما ذكره من الإشكال في الاُجرة الكلّية ; ضرورة أنّ ما هو المجعول اُجرة هو
(الصفحة 88)
الأمر الكلّي الذي لا يكون متعيّناً في الخارج ولا يكون ظرف وجوده إلاّ الذهن ، وما هو الموجود في الخارج الذي يكون متعيّناً لم يجعل اُجرة ، فكما أنّ معلومية ذلك الأمر الكلّي الذي واقعيته إنّما تلاحظ بالإضافة إلى ظرف وجوده تكفي في جعله اُجرة ، ولا معنى لدعوى عدم إمكان تعلّق العلم به ، كذلك عنوان أحدهما في المقام . غاية الأمر أنّ هذا العنوان لا تتجاوز مصاديقه عن اثنين ، وهذا لا يكون فارقاً بل هو مؤيّد لتحقّق وصف المعلومية ، كما لا يخفى .
فانقدح أنّ ما أفاده من فقدان هذا الوصف في أمثال المقام ممّا لا يستقيم ، ولا يقبله العقل والذوق السليم ، فتأمّل جيّداً .
نعم ، يقع الكلام بعد ذلك في الاكتفاء بتحقّق اشتراط المعلومية المتحقّقة في المثال المذكور ، أو أنّه لا يكفي ذلك ، بل لابدّ من التعيّن أيضاً ، والظاهر أنّه لا دليل على اشتراط أزيد من المعلومية ، فلا مانع من جعل الاُجرة أحد العبدين الموصوفين بالوصف المذكور ; لما عرفت من أنّ عنوان أحدهما كسائر العناوين الكلّية له واقعية ويمكن تعلّق العلم به ، ولا دليل على اعتبار أزيد من ذلك ، ومنه يظهر أنّه لو جعل الاُجرة : العبد من العبدين الكذائيين لكان جائزاً بطريق أولى ، كما لا يخفى .
وأمّا لو جعل الاُجرة هذا أو ذاك مشيراً إليهما ، فربما يقال بعدم الجواز ، نظراً إلى أنّه ليست الاُجرة حينئذ أمراً ذهنيّاً يكون ظرف وجوده ووعاء تحقّقه النفس ، كما لو جعل الاُجرة عنوان أحدهما ، بل هي أمر خارجي مردّد بين الأمرين ، فلا تكون لها واقعية حتّى يتعلّق بها العلم تارةً والجهل اُخرى ; ضرورة أنّ الموجود في الخارج متعيّن ، فالمردّد بما هو مردّد لا يكون موجوداً في الخارج حتّى يكون متعيّناً ، فجعل الاُجرة هذا النحو ممنوع موجب لبطلان الإجارة .