(الصفحة 115)
أهمّ خصال كبار الاُمراء المصطفين
كما يتحلّى بعض أفراد الجيش ببعض الصفات والخصال التي تؤهّلهم للقيادة ، فإنّ هناك البعض من بين القادة الذين يتمتّعون بخصال أعمق وميّزات أعظم ، ومن شأن هذه الخصال والميزات أن تجعل هذا البعض من الاُمراء أكثر قرباً من الوالي بحيث يعيشون معه حالة من التواصل والقرب ، ويعدّ هؤلاء الأفراد الذين يحظون بهذه الميزات والخصال من صفوة وخيرة قوّاد جيوش الإسلام .
بعبارة اُخرى أنّ هؤلاء هم الأفراد الذين يستشيرهم الحاكم الإسلامي في اُمور الحرب ، كما يطلعهم على أدقّ الأسرار العسكرية ، وأخيراً يعرض عليهم الخطط والمشاريع العملية للحرب ثمّ يفوّض إليهم بكلّ ثقة العدّة والعدد والقوّات لاتّخاذ قرار القتال والجهاد .
أمّا أهمّ المميّزات والخصال التي يرى الإمام (عليه السلام)ضرورة توفّرها في مثل هؤلاء الاُمراء فيمكن إيجازها فيما يلي:
1 ـ أن يواسون سائر أفراد القوّات المسلّحة في طريقة معاشهم من حيث الإمكانات المادّية والوسائل الترفيهية والأدوات المنزلية ، ليتسنّى لمن دونهم الاقتداء بهم ، كما يستطيع القائد من خلال مواساته وتضامنه الواقعي مع جنوده أن يشعر بمشاكلهم ومعاناتهم .
2 ـ أن يعيش الشفقة تجاه أفراد جيشه ، بحيث يسعى جاهداً لتلبية حاجاتهم والعمل على شدّ ظهورهم ، بحيث لا يعيش الجندي هاجس القلق على زوجته وأولاده إذا ما خاض غمار الجهاد ، فيطمئنّ إلى أنّ هناك من يرعى أُسرته ويقضي حوائجها المادّية والمعنوية . وفي ظلّ هذه الحالة يمكنه أن يقتحم ميدان القتال وهو
(الصفحة 116)
لا يفكّر سوى في تحقيق الهدف الإلهي من مواجهة العدوّ .
3 ـ أن يعيش التضامن مع جنوده إلى الحدّ الذي يجعله يغطّي نفقاتهم من الميزانية تحت تصرّفه . ومن الطبيعي أنّ المقاتل حين لا يقلق على ضمان مصالح ومتطلّبات معيشة أُسرته فإنّه سيرد المعركة برباطة جأش وعزم راسخ ، من أجل إعلاء كلمة الله ودحر الأعداء .
ونلاحظ ممّا تقدّم ـ ومن خلال الأبعاد الشاملة التي يستند إليها الإسلام في نظرته الواقعية الفريدة للأشياء ـ أنّه في الوقت الذي يولي أهمّية قصوى لقضية الإيمان والتقوى والورع والاتّكال على الله ، غير أنّه لا يغفل عن الوقائع والقضايا الملموسة للحياة بما فيها صغرى المتطلّبات والاحتياجات المادّية للإنسان ، إلى الحدّ الذي جعل الإمام عليّاً (عليه السلام) يتعرّض لهذه المسألة ، وهي أنّ المقاتل ما لم يشعر بتلبية حاجاته المادّية والمعيشية فإنّه لن يستطيع الصمود في الميدان; وذلك لأنّه لم يرده بقوّة وثبات تمكّنانه من الوقوف بوجه العدوّ ومن ثمّ هزيمته والانتصار عليه:
«وَلْيَكُنْ آثَرُ رُءُوسِ جُنْدِكَ عِنْدَكَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ بِمَا يَسَعُهُمْ وَ يَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَكُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ ، فَإِنَّ عَطْفَكَ عَلَيْهِمْ يَعْطِفُ قُلُوبَهُمْ عَلَيْكَ» .
دوام السلطة
إنّ هدف الأنبياء ـ ولا سيّما رسالة خاتمهم (صلى الله عليه وآله)ـ إنّما يكمن في بسط العدل والقسط في ربوع المجتمع الإنساني; ولذلك فإنّ الإسلام وعلى ضوء المنطق القرآني قد دعا الحكومة لبسط العدل ، كما أوصى أفراد الأُمّة بالتعامل فيما بينهم على أساسه ، كما في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِِ
(الصفحة 117)
وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالاَْقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} (1) .
واستناداً لهذه الرؤية القرآنية فإنّ الإمام علياً (عليه السلام) يرى أنّ دوام السلطة واستقرارها مرهون بإقامة العدل والقسط ، أي أنّ الدولة والنظام إنّما يكتسب ميزة البقاء والاستمرار إذا ما تبنّى شعار العدل والقسط ، وحرص على إقامتهما وبسطهما في البلاد ، وإلاّ فهي دولة تحمل معها وفي طيّاتها أسباب الاضمحلال والانهيار إذا ما كان شعارها يستند إلى الظلم والاضطهاد .
ومن الطبيعي أن يتمنّى الأفراد الذين يعيشون في ظلّ الدولة العادلة بقاءها واستمرارها ، بينما يتطلّع أولئك الأفراد الذين يعيشون تحت نير الدولة الظالمة إلى زوالها وزوال ظلمها وجورها:
«وَإِنَّ أَفْضَلَ قُرَّةِ عَيْنِ الْوُلاةِ اسْتِقَامَةُ الْعَدْلِ فِي الْبِلادِ ، وَظُهُورُ مَوَدَّةِ الرَّعِيَّةِ . وإِنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مَوَدَّتُهُمْ إِلاّ بِسَلامَةِ صُدُورِهِمْ ، وَلاَ تَصِحُّ نَصِيحَتُهُمْ إِلاّ بِحِيطَتِهِمْ عَلَى وُلاةِ الأُمُورِ ، وَقِلَّةِ اسْتِثْقَالِ دُوَلِهِمْ ، وَتَرْكِ اسْتِبْطَاءِ انْقِطَاعِ مُدَّتِهِمْ ، فَافْسَحْ فِي آمَالِهِمْ» .
التشجيع دافع لمضاعفة الجهود
رأينا على ضوء النظرة العلوية أنّ اتّحاد وتضامن أفراد المجتمع وانصهار أفراد القوّات المسلّحة في سائر أفراد الأُمّة وشخص القائد ـ والذي يؤدّي في خاتمة المطاف إلى تنامي قوّة المجتمع الإسلاميّة ـ ليست بالقضية الهيّنة التي يمكن نيلها دون مشاريع وبرامج دقيقة ، ولذلك فإنّ من الضروري أن تكون هناك شرائط
- 1 . سورة النساء ، الآية 135 .
(الصفحة 118)
وخصائص ، لكي يهبّ أفراد المجتمع بكلّ حماس وإيمان لتقوية الجيش الإسلامي ، كما يعي الجيش مسؤوليته بطاعة آمريه وقادته وينطلق نحو تحقيق الأهداف الإلهية المقدّسة .
وهنا تطالعنا بعض الخصائص التي أخذتها الثقافة الإسلاميّة بنظر الاعتبار بالنسبة لكلّ فرد من أفراد المجتمع ، فعلى سبيل المثال لو طالب القائد أحد جنود الإسلام بالفداء والتضحية ، فإنّه ينبغي له قبل ذلك أن يكون التعامل معه بمنتهى الشفقة والرأفة الأبوية ، وإن أراد أن يكون محبوباً في أوساطهم وجب عليه ضمان حاجاتهم المادّية ، وإن توقّع منهم الشفقة عليه وإرادة الخير له لزم أن يعاملهم بالعدل والإنصاف .
أمّا الوصيّة الاُخرى لعليّ (عليه السلام); والتي تتناول الوظائف المتبادلة بين القائد والأُمّة والقائد والجندي ، إنّما تتمثّل بضرورة وقوف القادة والاُمراء على كافّة أبعاد الأفراد ممّن تحت إمرتهم وقيادتهم ، إلى جانب الالتفات إلى كافّة حاجاتهم المادّية والمعنوية ، فالقائد ليس بناجح إذا اقتصر همّه على الأُمور المعنوية بينما أهمل النواحي المادّية لأفراد المجتمع ، والعكس صحيح أيضاً .
إنّ إحدى الحاجات الروحية والمعنوية لجند الإسلام ـ والتي لا ينبغي إغفالها أبداً من قبل القائد ـ إنّما تتمثّل بالتشجيع والثناء والتقدير ليتسنّى له القيام بوظيفته في خوض غمار الجهاد والاستعداد للشهادة .
ومن حقّ هؤلاء الأفراد الذين ينهضون بهذه المسؤولية الخطيرة ويضحّون بأنفسهم من أجل نشر الدين وضمان أمن وسلامة المجتمع أن يحظوا بكلّ ثناء وإكبار من قبل الولاة والحكّام ، وأن يشعروا دائماً بأنّ جهودهم وتضحياتهم محفوظة تحظى بالاهتمام والشكر والتقدير وتشجيع الولاة واُمراء الجيش ، ممّا يسبّب مضاعفة جهود المقاتلين من ناحية ، ومن ناحية اُخرى يدفع بالجنود
(الصفحة 119)
المتكاسلين الخاملين والمتساهلين أن يبادروا ـ كبقيّة المجاهدين ـ نحو سوح الوغى وميادين القتال بشوق وحماس ، ويُرَغَّبوا في التضحية في سبيل الأهداف العليا . فقد قال (عليه السلام):
«وَوَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ ، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلاءِ مِنْهُمْ ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الذِّكْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَتُحَرِّضُ النَّاكِلَ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ» .
آفة التمييز وعدم المساواة
كما يرى الإمام (عليه السلام) ضرورة تشجيع وتقدير الأفراد من أجل تقوية معنوياتهم وبلورة شخصياتهم ، فإنّ هنالك أمراً آخر أعظم ضرورة يتمثّل برعاية العدالة في ممارسة هذا التشجيع والثناء والتقدير .
وعلى الوالي أن يدرك بأن ليس هناك من آفة من شأنها زعزعة اُسس وقواعد المجتمع وانهيار روحيات أبنائه وتصدّع كيانهم أعظم من عدم رعاية العدالة والتعامل العنصري مع سائر أفراد المجتمع .
وبعبارة اُخرى: لا ينبغي أن يرى في المجتمع الإسلامي مَن يتفانى في خدمة الأُمّة ثم يُكافأ بأقلّ من جهده ، بينما يولى الوالي مزيداً من الاهتمام والثناء لمن لم يجهد نفسه في مثل ذلك في العمل . فإنّ مثل هذا الأمر ـ وناهيك عن كونه مناهضا لروح العدل ومبادىء الإسلام ـ يشكّل ضربة قاصمة للمجتمع الإسلامي ، ويثبّط عزيمة الناشطين من أفراد المجتمع ، ويقتل فيهم لهيب الحركة والعمل .
وعليه فكما ينبغي للوالي عدم الغفلة عن تفقّد أفراده وتشجيع المستحقّ منهم ، عليه أيضاً أن يراعي العدل في هذا التشجيع ويتحفّظ عن كلّ تمييز وتفرقة .
وعلى هذا الضوء فإنّ الحاكم مكلَّف بالثناء على أفراده ـ ولاسيّما أبناء القوّات