(الصفحة 127)
2 ـ النجابة والعفّة والحياء وصون النفس عن الرذيلة والفحشاء .
3 ـ الترعرع على التقوى والورع والفضيلة في البيوتات الصالحة وعدم النشوء في أجواء الفساد والانحراف والجور والخيانة .
4 ـ امتلاكه للسابقة الحسنة في الإسلام بما يجعله يتقدّم على غيره ، أي يكون ممّن تعايش مع الإسلام قبل تنامي شوكته واتّساع نطاقه ، لا من أولئك الذين اعتنقوه عندما أصبح أمراً واقعاً إرضاءاً لنزواتهم وأطماعهم في الثروة والجاه .
5 ـ أن يكون من الشخصيات الذين جهدوا في صون نفوسهم وتهذيب أرواحهم وبعدوا عن الزلاّت والعثرات .
6 ـ أن يكون ممّن له القدرة على الإدارة وبُعد النظر ، ومن أهل التدبّر والتأمّل في مختلف الأُمور .
7 ـ أن يكون عالي الهمّة بعيداً عن مطامع الدنيا وحطامها وزخرفها .
وفي ذات الوقت وضمن الإشارة إلى خصائص الولاة والعمّال ، يبيّن (عليه السلام)مسؤوليات الحاكم في انتخاب مثل هؤلاء الأفراد ، التي منها:
1 ـ أن يعرض ولاته وعمّاله للاختبار والامتحان .
2 ـ ألاّ يعتمد آراءه الشخصية والأثرة بما يعتقد في انتخاب الولاة ، وعليه استشارة الآخرين واحترام آرائهم .
3 ـ أن يمنح ولاته الفرصة التي يعبّرون فيها عن كفاءتهم وأهليّتهم .
4 ـ ألاّ يسند المناصب للأفراد على ضوء رغبته وعلاقاته الشخصية أو إثر صفة توسّمها في فرد قد لا يكون جديراً بذلك المنصب .
وأخيراً يذكّر (عليه السلام) بأنّ عدم اعتماد مثل هذه المعايير والملاكات في الوظائف لاتكون له نتيجة سوى شيوع الظلم والاضطهاد والخيانة:
«ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً ، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً ،
(الصفحة 128)
فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ ، وَتَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ ، وَالْقَدَمِ فِي الإِسْلامِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاقاً ، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً ، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَاقاً ، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاُمُورِ نَظَراً» .
تلبية الحاجات المادّية لموظّفي الحكومة
لقد بحثنا هذه القضية سابقاً وقلنا: إنّ الإسلام بصفته مدرسة إنسانية عظمى وديناً إلهيّاً واقعياً قد أولى أهمّية قصوى لتغطية الحاجات المادّية للأفراد وضرورة تلبيتها وإشباعها ، حتّى وضع بعض المقرّرات والضوابط بهذا الخصوص .
ولذلك يؤكّد الإمام (عليه السلام) على ضرورة معالجة الأُمور المادّية وإشباع حاجات عمّال الدولة ، الأمر الذي يعدّ من الأركان المهمّة لإدارة شؤون البلاد ، كما يشكّل العامل الأساسي في الحيلولة دون خيانة العمّال وتطاولهم على بيت المال وتعاطي الرشوة وبالتالي هضم الحقوق وتصدّع النظام .
ثمّ يحذِّر (عليه السلام) بأنّ عدم تلبية هذه الحاجات سيدفع بالأفراد المغرضين لاتّخاذ ذلك ذريعة من أجل مقارفة السرقة والرشوة والتعدّي على أموال الآخرين ، وبالتالي تضيع العفّة والأمانة ، آنذاك تزول حجّة الوالي على الرعيّة والعمّال ، فهم يبرّرون السرقة والخيانة بوقوعهم تحت طائلة الحاجة ، فيلقوا بالمسؤولية على الوالي:
«ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأَرْزَاقَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاحِ أَنْفُسِهِمْ ، وَغِنَىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ ، أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ» .
(الصفحة 129)
دور الحاكم في الإشراف على أعمال الولاة
لا تقتصر وظيفة الحاكم على انتخاب العمّال والولاة ومعالجة مشاكلهم المادّية وتلبية حاجاتهم ، بل عليه أن يراقب عن كثب سير أعمالهم وقيامهم بمهامّهم . فيجب عليه التحرّي عن كيفيّة قيام الولاة والعمّال بوظائفهم واُسلوب معاملتهم للرعية ، والتأكّد من صحّة وعدم صحّة ما يصله من تقارير بشأن حسن سير الاُمور ، والوقوف على صدق الشكاوى التي تتقدّم بها الرعية ضدّ العمّال من كذبها وما إلى ذلك من أمور .
فلو لم يمارس الحاكم هذه الوظيفة ، لا يستبعد أن يستغلّ بعض الأفراد مناصبهم ومسؤولياتهم فيما رسوا ألوان الظلم والعدوان على الأُمّة فيشيعوا الفساد والاضطهاد بما يجعل الأُمّة تسيء الظنّ بالحكومة ، الأمر الذي يؤدّي إلى انهيارها وسقوطها ، إلى جانب تصدّع كيان المجتمع وتمزّق عراه .
وعليه وبغية الحيلولة دون هذا الأمر تتأتّى ضرورة الإشراف الدقيق والمستمرّ على فعّاليات وأنشطة عمّال الدولة ، ولا يتحقّق هذا الهدف إلاّ من خلال تشكيل جهاز إشراف وتحرّي يتّصف بالصدق والأمانة ، ليرفع التقارير الموثّقة بشأن الولاة والعمّال ، وهذه إحدى وظائف الحاكم الإسلامي .
ومن الطبيعي أن يكون كادر هذا الجهاز من الأفراد المعروفين بالورع والتقوى والصدق والأمانة ومن المعتمدين لدى الحاكم ، حيث لابدّ من وثوقه بصحّة أخبارهم وتقاريرهم التي لا يشوبها أدنى كذب أو افتراء ، ولا يقصدون في تحرّيهم ورفعهم لهذه التقارير سوى خدمة الإسلام والمسلمين والحكومة الإسلاميّة .
(الصفحة 130)
يصطلح الإسلام على مثل هؤلاء الأفراد الذين يمارسون مهمّة الإشراف والتحرّي بـ «العيون» والحقّ أنّه اسم على مسمّى ، فالحكومة عمياء إذا ما افتقرت لهذا الجهاز الدقيق والموثوق; ولذلك يأمر الإمام (عليه السلام) واليه ببعث هذه العيون سرّاً في مختلف مناطق البلاد; لأنّ المراقبة السرّية تدفع بالعمّال إلى الأمانة واجتناب الخيانة والاستغلال من جانب ، وتحثّهم على الرأفة والشفقة بالأُمّة والإسراع في إنجاز أعمالها من جانب آخر .
كما يؤكّد (عليه السلام) على وجوب ثقة الحاكم بعيونه ، فيرى أخبارهم حجّة ينبغي ترتيب الأثر عليها; إذ لو شعر العيون بريبة الحاكم في تقاريرهم التي تتضمن عيوب الولاة ومفاسدهم ، وعدم التعامل معها ، فسوف لن يعد هناك مَن يكترث لجهاز المراقبة والإشراف ، ويفتح الباب على مصراعيه أمام المغرضين ليرتكبوا ما شاءوا من المفاسد حتّى يقضوا على النظام السائد في المجتمع ، ولذلك يوصي (عليه السلام) بكفاية الوثوق بالتقارير السرّية التي يرفعها العيون والتي تؤيّد فساد وخيانة بعض العمّال وإن كانوا من أقرب مقرّبي الوالي .
ثمّ يوضّح (عليه السلام) كيفيّة مجابهة الخائن إذا ثبت جرمه ، فيقول: أبسط على الخائن العقوبة ، وأقم عليه الحدّ دون زيادة أو نقيصة ، ثمّ انصبه بمقام المذلّة ، وسِمْهُ بالخيانة ، وقلِّده عار التهمة; ليكون عبرة للآخرين ، ورادعاً لهم عن الخيانة والفساد .
الجدير بالذكر في كلام الإمام (عليه السلام)أنّه قدّم الأجوبة مسبقاً لكلّ سؤال يمكن طرحه بشأن الاعتماد على العيون . نعم ، إذا كانت هنالك بعض التقارير الكاذبة رغم الدقّة في انتخاب العيون فما معنى الثقة التامّة بهم؟
لابدّ من الالتفات إلى أنّ الإمام (عليه السلام)وضمن تأكيده على الدقّة في انتخاب العيون والوثوق بسلامتهم الروحية ومكارمهم الخلقية فإنّه يدعو الولاة أيضاً إلى
(الصفحة 131)
متابعة سير الأعمال من مختلف الطرق والقنوات ، بحيث يزول شكّه في صحّة ما يرده من تقارير إذا وردت من عدّة قنوات .
ومعنى هذا الكلام أنّه ورغم توفّر كافّة الشرائط المعتمدة في انتخاب العيون فإنّ التقرير بمفرده ليس بحجّة هذا أوّلاً ، وثانياً: إذا لم يكن هناك من اتّفاق ووحدة رأي في تقرير فلابدّ من القيام بمزيد من التحقيق والتحرّي .
وبغضّ النظر عن ذلك فإنّ التقرير الكاذب لأحد العيون بمثابة الخيانة واستغلال المنصب الحكومي ، والذي يجابه بأشدّ العقوبات والفضيحة أمام الملأ:
«ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأُمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأَمَانَةِ ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ . وَتَحَفَّظْ مِنَ الأَعْوَانِ ، فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً ، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ» .
أهمّية الزراعة والمفهوم الاصطلاحي للخراج
لم يكن للصناعة في صدر الإسلام من دور في الآلية الاقتصادية ، بسبب ضعفها ومحدوديّتها ، إلى جانب ضعف التجارة نتيجة انعدام المواصلات والطرق التجارية وعدم توفّر الغطاء الأمني ، الأمر الذي جعل الاقتصاد يعتمد بالمرّة على الأراضي الزراعية والمحاصيل المستخرجة منها; ولذلك كانت «الضرائب» مقتصرة على الأراضي والمحاصيل الزراعية .
ويصطلح فقهياً بالخراج والمقاسمة على هذه الضرائب ، فإذا عيّنت الحكومة
|