(الصفحة 162)
استقلاليه لنفسه وأنّ النعمة صادرة منه ، والحال أنّنا نقرّ بأنّ مالك الكون كلّه هو الله: «لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه» وهو منه:
{إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(1) .
* الثاني: خُلف الوعد
يرى الإسلام أنّ خلف الوعد بحكم التنصّل من الدين والإيمان . وقد قال القرآن بهذا الشأن:
{كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} وبالمقابل فإنّ الوفاء بالعهد من علامات الإيمان والالتزام بالتعاليم الإسلاميّة . فإذا وعد المسؤول الأُمّة وعداً ونقضه ، فإنّ ضرر ذلك سيصيب الدولة إلى جانب مؤاخذته من الله .
وعليه فالأفضل أن يعد المسؤولون الاُمّة بما يستطيعوا الوفاء به والتحفّظ عن سائر الوعود والعهود .
* الثالث: المبالغة
تتمتّع الحقيقة وكلّ ما يمتّ لها بصلة بنور خاصّ ، ولذلك فإنّ الفرد الذي يكذب ـ على سبيل المثال ـ يعيش العذاب في أعماقه وضميره ويغطّ في ظلمات قاتمة ، بينما يفيض الصادق نوراً وإشراقاً .
وعلى هذا الأساس فإنّ قول ما يمكن تحقّقه لا ينفّر الناس ، بل يشدّهم ما يشاهدونه من نور إلى الحقيقة ، وعليه فلا يليق بالدولة الإسلاميّة أن تبالغ لدى الأُمّة بشأن الأعمال التي قامت بها; لأنّ الأُمّة تعشق الحقيقة حين تلمس الأشياء حسب واقعها ، بينما تعتبر المسؤولين حفنة من الخونة وعديمي الإيمان بالمبادئ الإسلاميّة إذا شعروا بالمبالغة وتضخيم الاُمور .
- 1 . سورة البقرة ، الآية 156 .
(الصفحة 163)
القرار الناجح
يكمن سرّ الانتصار في اتّخاذ المسؤولين للقرارات الحاسمة ، فإذا اتّخذ المسؤول قراره الحاكم بوقته كان ناجحاً ، وإلاّ كان فاشلاً متخبّطاً .
وبناءاً على ذلك فإنّ المسؤول ينبغي أن يتحرّك بادئ ذي بدء استناداً إلى هدف معيّن واضح ، فإذا توفّرت الظروف اللازمة اتّخذ قراره دون تردّد أو إبطاء ، وبالطبع فإنّ القرار إنّما يكون قاطعاً صائباً إذا اتّخذ في الوقت المناسب إلى جانب توفّر الشروط المذكورة:
«وَإِيَّاكَ وَالْعَجَلَةَ بِالأُمُورِ قَبْلَ أَوَانِهَا ، أَوِ التَّسَقُّطَ فِيهَا عِنْدَ إِمْكَانِهَا ، أَوِ اللَّجَاجَةَ فِيهَا إِذَا تَنَكَّرَتْ ، أَوِ الْوَهْنَ عَنْهَا إِذَا اسْتَوْضَحَتْ ، فَضَعْ كُلَّ أَمْر مَوْضِعَهُ ، وَأَوْقِعْ كُلَّ أَمْر مَوْقِعَهُ» .
ويمكننا أن نقف على عمق أهمّية الوقت فيما لو تأمّلنا الصلوات الخمس اليومية ، بحيث يُضحّى بأغلب الشرائط من أجل الوقت ، فعلى سبيل المثال لو تعذر الماء أمكن التيمّم للصلاة ولكن في وقت الصلاة لا خارجه ، وهكذا ضرورة الالتفات لمسألة الوقت في سائر العبادات ، كالحجّ الذي يجب أن تُؤدّى مناسكه في أوقات معيّنة ، والصوم في شهر رمضان . وكلّ هذه المقرّرات الشرعية إنّما تفيد أهمّية الوقت وعمق الأضرار التي يخلّفها عدم الالتفات إليه ، وقد قال الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام): . . . . فلا تعجل على ثمرة لم تدرك ، وإنّما تنالها في أوانها ، واعلم أنّ المدبّر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع اُمورك يصلح حالك ، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويخشاك القنوط ، واعلم . . .(1) .
- 1 . أعلام الدين: 313 ، بحار الأنوار: 78 / 378 ح4 .
(الصفحة 164)
ذكر الآخرة يقمع هوى النفس
لا شكّ أنّ الآخرة ثمرة مزرعة الدنيا وحصيلة جهودها ، وفيها تتجلّى الخصال والسلوكية الإنسانية ، وعلى الحاكم ـ وكلّ إنسان ـ أن يقمع أهواءه وطغيان غرائزه من خلال التفكير بالآخرة والحركة باتّجاه الإسلام والقرآن:
«وَإِيَّاكَ وَالاسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ ، وَعَمَّا قَلِيل تَنْكَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الأُمُورِ ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ ، امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ ، وَسَطْوَةَ يَدِكَ ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ ، وَاحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ ، وَتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الاخْتِيَارَ ، وَلَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ» .
والذي نستفيده من كلامه (عليه السلام) ما يلي
1 ـ أنّ الاستبداد يتسلّل إلى الحاكم أسرع من سائر الأفراد العاديين ، وبالاستناد لما يمتلكه من إمكانات فليست هنالك من قوّة يمكنها الوقوف بوجه ذلك الاستبداد سوى قوّة الورع والتقوى ، وعليه فالحاكم مطالَب أكثر من غيره من الأفراد بالتحلّي بالتقوى .
2 ـ ما كان للناس يجب توزيعه بالسوية عليهم ، وليس للحاكم أن ينفرد بالأموال العامّة ، أو يخصّ بها ثلّة معيّنة من الناس; فإن فعل الحاكم مثل ذلك كان عمله ظلماً وسيدفع ثمنه باهضاً في محكمة العدل الإلهي .
3 ـ يُعدّ احترام الرأي العام من الوظائف الخاصّة للحاكم الشعبي .
(الصفحة 165)
فلو كانت هناك بعض المخالفات والمفاسد الأخلاقية والإدارية التي ترتكب بمرأى من الأُمّة ثمّ تجاهلها الحاكم ولم يُقدم على علاجها فإنّ هناك عواقب وخيمة وأليمة تتربّص بالنظام والبلاد .
4 ـ لمّا كانت الأُمّة تتطلّع إلى الحاكم وترى فيه تحقّق آمالها وطموحاتها فإنّها لا تطيق غضب الحاكم وتذمّره ، وعليه يجب على المسؤولين أن يعاملوا الأُمّة على ضوء السلوكية الإسلاميّة الإنسانية ، بغية عدم جرح مشاعر الأُمّة وتعكير صفوحياتها .
الاعتبار والحركة على ضوء القرآن والسنّة
ذكرنا سابقاً أنّ القرآن والسنّة يشكِّلان مصدري كافّة القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها ، ولابدّ أن يستند الحاكم إلى القرآن والسنّة في كافّة خطواته ، ولا يقبل منه تجاوزهما وإلاّ فهو معزول تلقائيا إن لم يلتزم بهما .
ولذلك يوصي الإمام (عليه السلام) مالكاً بالاعتبار بالماضين بعد اعتماد القرآن وسنّة النبي (صلى الله عليه وآله)والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) في حركته ومسيرته:
«وَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَذَكَّرَ مَا مَضَى لِمَنْ تَقَدَّمَكَ مِنْ حُكُومَة عَادِلَة أَوْ سُنَّة فَاضِلَة أَوْ أَثَر عَنْ نَبِيِّنَا (صلى الله عليه وآله) أَوْ فَرِيضَة فِي كِتَابِ اللَّهِ فَتَقْتَدِيَ بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِيهَا ، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِي اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ فِي عَهْدِي هَذَا ، وَاسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِي عَلَيْكَ لِكَيْلا تَكُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَى هَوَاهَا» .
ونفهم ممّا قاله (عليه السلام)
أولاً: أنّ معرفة القضايا الإسلاميّة وفسح المجال أمام إجراء الأحكام الشرعية يُعدّ أعظم حجّة إلهيّة ، ولا يمكن التذرّع ببعض الذرائع الواهية بالنظر إلى تلك الحجّة عن إجراء أحكام الله; ولذلك قال زعيم الثورة الإسلاميّة
(الصفحة 166)
المباركة الإمام الخميني (رضي الله عنه) في لقائه لعدد من علماء الدين: «لقد تمّت الحجّة اليوم ، ولم تعد هناك من ذريعة لعلماء الإسلام للتقاعس عن العمل وبذل الجهود من أجل إجراء الأحكام الشرعية» .
وثانياً: أنّ الجهود التي يبذلها المسؤولون بغية إجراء الأحكام الشرعية ، لاينبغي أن تصدّهم عن كبح أهوائهم النفسية وأداء عباداتهم الفردية ، بل هم موظفون بالسعي إلى تحكيم اُسس النظام إلى جانب التحلّي بالورع والتقوى وعدم الغفلة عن الإتيان بالفرائض الدينية .
الشهادة ، العاقبة
إنّ الشهادة في سبيل الله وإقامة الحكومة الإسلاميّة لإجراء الأحكام الشرعية تُعدّ نعمة إلهية عظمى للإنسان المؤمن; فالشهادة هي خاتمة مطاف الإنسان وقمّة سموّه . ولذلك يختتم الإمام (عليه السلام) عهده بالدعاء له ولواليه بالشهادة:
«وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَة ، أَنْ يُوَفِّقَنِي وَإِيَّاكَ لِمَا فِيهِ رِضَاهُ مِنَ الإِقَامَةِ عَلَى الْعُذْرِ الْوَاضِحِ إِلَيْهِ وَ إِلَى خَلْقِهِ ، مَعَ حُسْنِ الثَّنَاءِ فِي الْعِبَادِ ، وَجَمِيلِ الأَثَرِ فِي الْبِلادِ ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ ، وَتَضْعِيفِ الْكَرَامَةِ ، وَ أَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ ، إِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً ، وَالسَّلامُ» .
مصادر الكتاب