(الصفحة 31)
فلم ير معاوية من جواب منطقي لهذا السؤال سوى أن لجأ إلى الهروب من الحقيقة وتبرير قتاله لعلي (عليه السلام)باتّهامه بدم عثمان و المطالبة به ، ثمّ قال: طبعاً سوف لن أخبر الناس بأنّ هذه رسالة علي (عليه السلام) ، بل سأقول لهم بأنّ أبابكر قد كتب هذا الكتاب لولده محمّد وضمّنه هذه التعاليم العظيمة(1)!!
أمّا كيفيّة شهادة محمّد بن أبي بكر ، فهي أنّه قد حذّر عقب ولايته لمصر طائفة من أولئك الذين لم يبايعوا عليا (عليه السلام)بالبيعة أو الجلاء من مصر . فلم يستجيبوا للبيعة وأخذوا يستعدّون للقتال حتّى نشب بينهم وبين محمّد بن أبي بكر . فلمّا سمع معاوية بذلك اقتحم الميدان ، سيّما أنّه كان يطمع بمصر ويهمّ بالسيطرة عليها ، بغية مواجهة علي (عليه السلام) والقضاء على حكومته العادلة; وقد ترسّخ عزمه على اجتياح مصر إثر اختتام معركة صفّين بالتحكيم الذي تمّ لصالح معاوية . أمّا صحبه فقد أشاروا عليه بالقتال ، فجهّزوا جيشاً بإمرة عمرو بن العاص ، فالتحق ابن العاص بمعسكر المتمرّدين واشتبك مع محمّد بن أبي بكر في معركة طاحنة أسفرت عن شهادة محمّد .
وفي ظلّ هذه الظروف الصعبة والأوضاع المتوتّرة اختار عليّ (عليه السلام) مالك الأشتر لولاية مصر; ومن هنا نقف على مدى حسّاسيّة مصر وخطورة موقعها; فهي تمتاز بكبر مساحتها وازدحام سكّانها ، حيث يقطنها مختلف الأقوام والقبائل ذات الثقافات المختلفة والأساليب الفكرية المتعدّدة ، إلى جانب كونها منطقة بعيدة عن مركز الخلافة ، الأمر الذي يعني صعوبة الإشراف على شؤونها وتسيير الاُمور فيها ، كما أنّها المنطقة التي عرفت بتمرّدها بُعيد ثلاث سنوات من استسلامها أمام المسلمين ، حيث ولّت ظهرها من جديد للإسلام وأسلست قيادها للبيزنطيين
- 1 . شرح نهج البلاغة : 6/72 .
(الصفحة 32)
أعدى أعداء الإسلام آنذاك . وهي التي ثارت على الخليفة الثالث وقتلته بعد أن نقمت من عمّاله وولاته ، وأخيراً هي التي وقفت بوجه مبعوث الإمام (عليه السلام) وخليفته عليهم واشتبكت معه في معركة أدّت إلى قتله ، إلى غير ذلك .
نعم ، إنّ حسّاسية هذه المنطقة اقتضت أن يكون واليها فرداً كمالك الأشتر ، ولابدّ له من اعتماد مثل ذلك العهد التأريخي بغية إدارة شؤون الحكومة; وهذا ما قام به الإمام علي (عليه السلام) .
(الصفحة 33)
الدولة الإسلامية
شرح لعهد الإمام علي (عليه السلام)
إلى مالك الأشتر النخعي
(الصفحة 34)
(الصفحة 35)
التعامل مع نهج البلاغة
يعدّ القرآن ونهج البلاغة وسائر آثار أئمّة العصمة (عليهم السلام) في الثقافة الشيعية المثل الأعلى بالنسبة للاتّجاهات الفكرية الإنسانية ، والسبيل الوحيد الذي من شأنه تمييز الحقّ من الباطل . وعلى ضوء هذه النظرة فإنّ العلماء والمفكّرين على الصعيد الفكري على حقّ في أقوالهم وكتاباتهم في المعارف الإسلامية إذا ما عزّزوا ذلك بما ورد في القرآن ونهج البلاغة وكلمات المعصومين (عليهم السلام) ، وإلاّ فهم على الباطل .
ولذلك ورد عنهم (عليهم السلام) حديث العرض الذي يميّز صحيح الحديث من سقيمه وغثّه من سمينه ، فصرّحوا بأنّه : «إذا جاءكم عنّا حديث فأعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فخذوه ، وإن خالفه فردّوه أو فاضربوا به عرض الحائط»(1) . أمّا هذا العرض والاستنتاج بشأن القرآن ونهج البلاغة فإنّما يتمّ من خلال أمرين:
الأوّل : أن يتعامل مع هذه الكلمات القدسية بذهنية صافية دون إصدار الأحكام المسبقة .
- 1 . اُنظر عدّة الاُصول: 1 / 146 ، الوسائل: 27 / 118 ، أبواب صفات القاضي ب9 .