(الصفحة 5)
مالك الأشتر وولاية مصر
(الصفحة 6)
(الصفحة 7)نهج البلاغة
إنّ أبسط وأقصر تعريف للقرآن الكريم هو أنّه كلام الله الذي أوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) . وما يمكن قوله بشأن نهج البلاغة ـ كتعريف شامل و بسيط ـ هو أنه كلام أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) الذي ضمّ بين طيّاته خطبه ورسائله ووصاياه وكلماته القصار و نصائحه ومواعظه وأحكامه ، وقد دوّن قبل ألف عام على هيئة كتاب يدور حول ثلاثة محاور : الخطب والرسائل وقصار الحكم .
لكن لا التعريف الأوّل للقرآن ولا البيان الثاني لنهج البلاغة يعدل قطرة من البحار ولا ذرّة من العوالم التي ينبغي قولها وسماعها وتدوينها و قراءتها بشأنهما .
والواقع أنّ سوق مثل هذا التعريف للقرآن بصفته كتاب الوحي ولنهج البلاغة ـ الذي يمثل الامتداد الحقيقي المتقن للقرآن ـ لا يجرّ على القائل والمستمع سوى الحسرة والعجز والقصور . فكيف يمكن الحديث عن نهج البلاغة وقد اخترقت أنوار عظمته ظلمات العالم البشري منذ مئات السنين ، واختزل التأريخ برمّته وأصاب البشرية بالذهول لرفعته وسموّ مكانته حتّى عيت وخرست مقابل عظمته ، فلم تر بُدّاً من الانحناء والركوع حياله؟ . . . أم كيف يمكن الكلام عن كتاب
(الصفحة 8)
تناقلته الألسن منذ آلاف السنين إلى جانب القرآن الكريم ، وقد أثنى عليه الأعداء فضلا عن الأصدقاء ولم يملكوا سوى التواضع لعظمته؟ وليت شعري كيف ببيان عمق مضامينه وسعة معانيه وقد عيت العقول وذهلت الفحول على مدى العصور والدهور ودوّنت المجلّدات وألّفت الدراسات وخُطّت ملايين الصفحات ورُتّبت العبارات وهُذّبت الصياغات ، في حين ما زالت البشرية تسبح على شواطىء محيطاته ولم ولن تتمكّن من الغوص في أعماقه وسبر أغواره؟ وعليه فلا يسعنا والحالة هذه سوى الاكتفاء بتعريف بسيط مقتضب لهذا الكنز النفيس; أملا بأن تلهمنا العونَ أنفاسه القدسية ليتمكّن الأتباع من التعرّف أكثر على هذا الكتاب العظيم ، ويغترفوا ما أسعدهم الحظّ من بحر علومه و منهله العذب ومفاهيمه السامية النبيلة .
لقد قام العلاّمة الجليل السيّد الرضي (قدس سره) ـ قبل ألف عام ـ بجمع نهج البلاغة ودوّنها بهذا الشكل ، حيث كانت هذه الكلمات متناثرة هنا و هناك قبله ، وقد دوّنت في مختلف الكتب والرسائل .
لقد تضمّن هذا الكتاب الفريد قمّة المعارف والعلوم التي اختزنتها خطبه وأحاديثه ، ووصاياه ورسائله ومواعظه وكلماته القصار إلى جانب تعاليمه السياسية وتفسيره للآيات القرآنية والقوانين والنظم التي تنظّم شؤون الحياة و تنهض بها قدماً للأمام بعبارات جزلة فصيحة و بليغة ، لم ير لها جامعها من اسم أقرب معنى من نهج البلاغة . لقد صنّف هذا النهج منذ عشرة قرون إلى يومنا الحاضر إلى محاور ثلاثة هي: الخطب والرسائل والكلمات القصار ، وقد تميّزت بخصائصها الفريدة التي تروم التعرّف على غيض من فيضها في هذا الكتاب الذي بين أيدينا .
إلى جانب ذلك هناك التصاوير الفنّية الرائعة التي عرضت لحياة الإمام (عليه السلام)
(الصفحة 9)
والأحداث والوقائع التي اعترضت مسيرته والتي ينبغي التوقّف عندها ، بغية الظفر بالدروس والعبر .
ومن هنا فإنّ هذا المنهج يشكّل أعظم مثال وأحسن نموذج لسيرة خليفة النبي (صلى الله عليه وآله)والتي من شأنها إضاءة معالم الطريق لسالكيه ، بعد أن يقتدوا بهذه السيرة الربانية ويقتفوا آثارها في حياتهم العلمية على مستوى القول والعمل .
عهد مالك الأشتر (رضوان الله عليه) (1)
يعتبر العهد الذي عهده الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر ـ حين ولاّه مصر ـ من الوثائق الخالدة التي ميّزت سائر مباحث هذا الكتاب . فقد ظلّت هذه الوثيقة صفحة مشرقة في تأريخ الإسلام و مدرسته الثقافية ، بعد أن دوّنها الإمام (عليه السلام) قبل أربعة عشر قرناً ليحتذي بها تلميذه الوفي في ولايته لمصر ـ تلك الأرض النائية آنذاك ـ من أجل تطبيق أحكام و تعاليم مولاه أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) والتي تمثّل حقيقة الأحكام الإلهية والتعاليم القرآنية .
والإمام (عليه السلام) وإن خاطب واليه الأشتر بهذا العهد وبيّن له الإطار الإسلامي الذي يتكفّل بإرساء حكومة العدل الإلهي في ظلّ القوانين والنظم الإسلاميّة ، إلاّ أنّ الواقع يفيد شمول هذا العهد لكافّة الأفراد وفي كلّ عصر ومصر .
وبعبارة اُخرى: أنّ الوصايا والأحكام التي انطوت عليها هذه الوثيقة هي
- 1 . نحن في هذا الكتاب استفدنا من نهج البلاغة بتصحيح الدكتور صبحي صالح، وقد ذكر عهد الإمام إلى مالك الأشتر برقم: الكتاب 53.
- وقد روي هذا العهد المبارك في تحف العقول: 126 ـ 149 بزيادة بعض الفقرات واختلاف في بعض الألفاظ، وعنه بحار الأنوار: 77 / 238 ـ 267 ح1; وفي دعائم الإسلام 1 / 350 ـ 368 نحوه، وفي نهاية الإرب في فنون الأدب: 6 / 19 ـ 32 باختلاف.