(الصفحة 143)
الإحصان الذي يكون حكمه الرجم ، بل يعمّ صورة عدم الإحصان التي يكون حكمها الجلد ، مع أنّه لا شاهد على هذا الحمل أصلا .
والحقّ أنّ الرواية معرض عنها ; لعدم تحقّق الفتوى على طبقها ، وكون ملاحظة كلمات الأصحاب وفتاويهم موجبة للقطع بكون الزنا بذات المحرم حدّه أشدّ من الزنا العادي ، ولا يقتصر في الفرق على مجرّد كونه أعظم ذنباً ، كما تدلّ عليه الرواية .
وأمّا رواية محمّد بن عبدالله بن مهران ، فهي مضافاً إلى كونها مرسلة من جهتين تكون ضعيفة بمحمّد أيضاً ; لأنّه غال كذّاب ، كما أنّ رواية عامر بن السمط مخدوشة من جهة عدم توثيقه; لأنّ غاية ما قيل في حقّه: إنّه يروي عن عليّ بن الحسين (عليهما السلام) ، وأنّ صفوان بن مهران يروي عنه من دون إشعار بوثاقته أصلا .
فلم يبق إلاّ الطائفتان الاوّلتان ، ولا تعارض بينهما أصلا ; لأنّ ما تدلّ على اعتبار وقوع الضرب بالعنق أو الرقبة ناظرة إلى ما تدلّ على أنّ الحدّ هو الضرب بالسيف ، فيصير مفاد المجموع لزوم إيقاع الضربة بالسيف على العنق ، وبعد ذلك يقع الكلام في المراد من هذا المعنى ، وفيه وجوه بل أقوال ثلاثة :
أحدها: ما يظهر من الجواهر من كون المراد من ذلك مجرّد القتل ، سواء كان بضرب السيف أو غيره ، وبالضربة الواحدة أو غيرها ، نظراً إلى أنّ المنساق من ضرب العنق هو القتل(1) .
ويؤيّده ما رواه في المستدرك ، عن دعائم الإسلام ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أنّه
- (1) جواهر الكلام: 41/311 .
(الصفحة 144)
قال: من أتى ذات محرم يقتل(1) . وما رواه فيه عن العوالي ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) ، أنّه قال: من أتى ذات محرم فاقتلوه(2) . وما رواه ابن ماجة في سننه عن ابن عباس ، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه(3) .
ولكن يبعّده ثبوت الفرق بين التعبير بضرب العنق ، الذي يكون المتفاهم منه عند العرف هو القتل ، وبين التعبير بكون محلّ الضربة المعتبرة هو السيف ، كما في رواية جميل ، حيث وقع تعيين العنق جواباً عن سؤال محلّ الضربة ومكانها ، وقد عرفت أنّه لا تعدّد في رواياته ، بل كلّها رواية واحدة .
ثانيها: ما يظهر من بعض(4) من كون المراد القتل بالضرب بالسيف في رقبته ، نظراً إلى أنّ ترتّب القتل على ضرب السيف بالعنق أمر عاديّ لا يتخلّف عنه عادة ، وليس المراد من قوله (عليه السلام): «أخذت منه ما أخذت» في صحيحة أبي أيّوب هو وجوب ضربة واحدة بالسيف بلغت ما بلغت ، سواء ترتّب عليه القتل أم لم يترتّب ، بل المراد أنّه لا يعتبر مقدار خاصّ في بلوغ السيف ، وأمّا ترتّب القتل عليه فهو أمر عادي ، ولا موجب لرفع اليد عن الظهور في كون القتل بسبب الضربة بالسيف .
ويؤيّده رواية سليمان بن هلال ، عن أبي عبدالله (عليه السلام): في الرجل يفعل بالرجل ، قال: فقال: إن كان دون الثقب فالجلد ، وإن كان ثقب اُقيم قائماً ثمّ ضرب بالسيف
- (1) دعائم الإسلام: 2 / 456 ح1605 ، مستدرك الوسائل: 18 / 58 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح1 .
- (2) عوالي اللآلي: 1 / 190 ح275 ، مستدرك الوسائل: 18 / 59 ، أبواب حدّ الزنا ب17 ح7 .
- (3) سنن ابن ماجة: 2 / 856 ح2564 .
- (4) مباني تكملة المنهاج: 1/189 مسألة 151 .
(الصفحة 145)
ضربة أخذ السيف منه ما أخذ ، فقلت له: هو القتل؟ قال: هو ذاك(1) .
ثالثها: ما يظهر من بعض آخر ، من أنّ مقتضى ظواهر الأخبار لزوم إيقاع ضربة واحدة بالسيف على الرقبة ، وإن لم ينجرّ إلى القتل ; لأنّ قوله (عليه السلام): «أخذت ما أخذت أو بلغت ما بلغت» يدلّ على عدم تحتّم القتل ; لعدم كون إيقاع الضربة بالسيف على العنق ملازماً لتحقّق القتل ، بل ربّما يتخلّف عنه ، فمفاد الأخبار غير عنوان القتل ، وقد صرّح به صاحب الرياض ، حيث قال: ظاهر أكثر النصوص المزبورة الاكتفاء بالضربة الواحدة مطلقاً ، أو في الرقبة ، وهي لا تستلزم القتل(2) .
ويؤيّده أنّ مرسلة ابن مهران ، ورواية عامر المتقدّمتين ، وإن كانتا فاقدتين للاعتبار كما عرفت ، إلاّ أنّ فرض بقاء الحياة بعد وقوع الضربة المعتبرة فيهما شاهد على عدم كون المتفاهم من الضربة هو القتل ، وإلاّ فكيف يجمع بينه وبين فرض بقاء الحياة ، كما لا يخفى .
ولكن يبعّده أنّ الأصحاب قد فهموا من هذه الروايات القتل ; لأنّ جلّهم بين من عبّر بالقتل ، وبين من عبّر بضرب العنق الذي عرفت أنّه ظاهر فيه ، مضافاً إلى ما عرفت من تفسيره بالقتل في الرواية الواردة في اللواط ، وإلى استبعاد أن يكون الحدّ بحيث كان موجباً للقتل تارة ، وغير موجب له اُخرى ، فإنّ الجناية الصادرة من الزاني بذات محرم إن كانت موجبة لنفي الموضوع وإعدام الجاني فلا وجه للاقتصار بما دونه ، وإن لم تكن موجبة لذلك فلا مجال للقتل ، فجعل الحدّ أمراً كذلك بعيد جدّاً . فالقول الثالث لا سبيل إليه ، بل لابدّ من الالتزام بالقتل .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 416 ، أبواب حدّ اللواط ب1 ح2 .
- (2) رياض المسائل: 10/40 .
(الصفحة 146)
وأمّا القولان الأوّلان ، فالأقرب منهما هو القول الثاني ; لأنّه لو كان المراد مجرّد تحقّق القتل بأيّ نحو حصل وبأيّة كيفية تحقّقت ، لما كانت حاجة إلى التعبير الواقع في الروايات ، بل كان الأولى هو التعبير بالقتل ، كما قد وقع في بعضها ، ومع عدمه كما في أكثرها يظهر تعيّن كون القتل من طريق ضرب السيف في الرقبة ، ومن الممكن أن يكون له خصوصيّة ، ولا يجوز إلغاؤها بعد عدم الدليل عليه واحتمال ثبوتها .
نعم ، بعد ما اخترنا من كون المراد هو القتل تلغى خصوصيّة الضربة ، فإذا لم يتحقّق القتل بها لابدّ من التكرار حتّى يتحقّق ، فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا هو القول الثاني .
ثمّ إنّ القدر المتيقّن من النصوص والفتاوى هو المحرم النسبي ، وأمّا غيرها كالمحرم الرضاعي أو السببي ، فإلحاقه بالمحرم النسبي محلّ كلام وإشكال . قال في محكيّ كشف اللثام: لمّا كان التهجّم على الدماء مشكلا قصّر الحكم على ذات محرم نسباً لا سبباً أو رضاعاً ، إلاّ ما سيأتي من امرأة الأب ، وفاقاً للمحقّق(1) وبني إدريس وزهرة وحمزة(2) بناءً على أنّها المتبادر إلى الفهم ، ولا نصّ ولا إجماع على غيرها ، وفي المبسوط(3) والخلاف(4) والجامع(5) إلحاق الرضاع بالنسب دون
- (1) شرائع الإسلام: 4/936 .
- (2) السرائر: 3 / 437 ، غنية النزوع: 421 ، الوسيلة: 410 .
- (3) المبسوط: 8/8 .
- (4) الخلاف: 5/386 مسألة 29 .
- (5) الجامع للشرائع: 549 .
(الصفحة 147)
السبب إلاّ امرأة الأب(1) .
وفي الرياض ما ملخّصه: إنّ النصوص وإن كانت خالية من تخصيص النسبي ، إلاّ أنّ سند أكثرها ضعيفة ، والحسن منها قاصر عن الصحّة ، والصحيح منها رواية واحدة لا يجسر بمثلها على التهجّم على النفوس المحترمة ، سيّما مع عدم الصراحة في الدلالة لو لم نقل بكونها ضعيفة ; لأنّ المتبادر منها النسبيّات خاصّة(2) .
وقد وافقه صاحب الجواهر في دعوى كون المنساق والمتبادر من ذات المحرم هو النسبي ، قال: وإن قال في الصحاح وغيره: «يقال: هو ذو محرم منها إذا لم يحلّ له نكاحها»(3) لكن مراده من حيث النسب لا مطلق حرمة النكاح ، واشتمال الآية على الحرمة بالسبب والنسب لا ظهور فيه في تحقّق صدق ذات المحرم حقيقة على السببيّة ، فضلا عن الرضاعيّة التي نصّ على تحريمها في الكتاب(4) أيضاً ، والإطلاق في بعض الأحيان لبعض القرائن أعمّ من الحقيقة ومن الإنسياق ـ إلى أن قال: ـ وأمّا ما دلّ على أنّ الرضاع لحمة كلحمة النسب(5) ونحوه ، ممّا يقتضي ثبوت حكم النسب له إلاّ ما خرج ، فيضعّفه عدم عمل معظم الأصحاب به في أكثر المقامات ، كالمواريث والولايات وغيرها ممّا يفهم منه إرادة خصوص النكاح في ذلك(6) .
- (1) كشف اللثام: 2/398 .
- (2) رياض المسائل: 10/39 .
- (3) الصحاح: 2 / 1405 .
- (4) سورة النساء: 4 / 23 .
- (5) روضة المتّقين: 8 / 236 .
- (6) جواهر الكلام: 41/312 ـ 313 .