(الصفحة 720)ولا يجري على البهيمة سائر الأحكام إلاّ أن يصدّقه المالك 1.
1 ـ أمّا الثبوت بشهادة عدلين فقد ذكر في الجواهر : أنّه بلا خلاف محقّق أجده فيه للعموم ، نعم في كشف اللثام : كلام المبسوط(1) يعطي اشتراط أربعة رجال أو ثلاثة مع امرأتين(2) ، ثمّ قال : وعلى تقديره لا دليل له سوى القياس على الزناء الذي ليس من مذهبنا ، لكن في الرياض جعله استقراءً ، ثمّ قال : لا بأس به إن أفاد ظنّاً معتمداً(3) ، ويحتمل مطلقاً ، لإيراثه الشّبهة الدارئة لا أقلّ منها ، فتأمّل ، ولا يخفى عليك ما فيه(4) .
والوجه في بطلان كلام الرياض أمّا في صورة إفادة الظنّ ، فلأنّه لا دليل على اعتبار هذا الظنّ بوجه ، ومقتضى الأصل المقرّر في الاُصول حرمة التعبّد بالظنّ مع عدم قيام الدليل على حجيّته ، وأمّا في صورة عدم الإفادة ، فلأنّه لا مجال للشبهة بعد كون مقتضى عموم دليل حجيّة البيّنة اعتبارها في المقام أيضاً ، وفي الحقيقة لا شبهة مع هذا العموم .
والظاهر أنّ الوجه في كلام الشيخ ما تقدّم منه من الجمع بين روايات التعزير ورواية حدّ الزاني ، بحمل الاُولى على عدم الإيلاج ، والثانية على الإيلاج ، وكان مراده في المقام هي الصورة الثانية التي يكون الحكم فيها هو حدّ الزنا ، فإنّه حينئذ يمكن أن يقال بالإشتراط الذي ذكره لثبوت مثله في الزنا .
ولكن يرد عليه ، مضافاً إلى ما ذكرنا من عدم تماميّة الجمع بهذا النحو ـ أنّ مجرّد
- (1) المبسوط: 8 / 7.
- (2) كشف اللثام: 2 / 411.
- (3) رياض المسائل: 10 / 226.
- (4) جواهر الكلام: 41 / 642 ـ 643.
(الصفحة 721)مسألة 3 : لو تكرّر منه الفعل ، فإن لم يتخلّله التعزير فليس عليه إلاّ التعزير ، ولو تخلّله فالأحوط قتله في الرابعة 1.
ثبوت حدّ الزنا في المقام لا يلازم اعتبار الأمور المذكورة فيه هنا أيضاً .
وأمّا عدم الثبوت بشهادة النساء فقد تقدّم الكلام فيه ، ومقتضى ما اخترناه الثبوت في مثل المقام مع الإنضمام(1) .
وأمّا الإقرار ، فإن كان بالنسبة إلى بهيمته ، فمقتضى عموم دليل نفوذ الإقرار الثبوت به ، ولا مجال لاحتياط التعدّد في المقام ، الذي لا يكون فيه إلاّ التعزير ، وأمّا بالنسبة إلى بهيمة الغير فالإقرار يؤثّر في ثبوت التعزير فقط ، لا في ترتّب سائر الأحكام ; لأنّه إقرار بالإضافة إلى الغير ، إلاّ أن يصدّقه المالك .
1 ـ الوجه في احتمال كون القتل في الثالثة بعد تخلّل تعزيرين ماتقدّم من الصحيحة الدالّة على أنّ أصحاب الكبائر كلّها إذا أقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة ; نظراً إلى أنّ المراد من الحدّ فيها أعمّ من التعزير ، والشاهد كون الموضوع هو أصحاب الكبائر مع تأكيدها بكلمة «كلّ» . ومن الواضح أنّه لا يكون الحدّ ثابتاً في كثير منها ، بل في أكثرها ، فيصير ذلك قرينة على أنّ المراد بالحدّ هو المعنى الأعمّ .
والوجه في كون القتل في الرابعة ما تقدّم من دعوى إجماع الأصحاب عليه في مطلق الكبائر ، كما عن الشيخ في الخلاف(2) والإسناد إلى الرواية عنهم(عليهم السلام) كما عن المبسوط(3) ، وهو وإن لم يكن بحجّة ، إلاّ أنّ إيجابه للاحتياط ممّا لا يكاد يخفى . ثمّ إنّ
- (1) تقدّم في ص116 ـ 120.
- (2) الخلاف: 5 / 505.
- (3) المبسوط: 7 / 284.
(الصفحة 722)مسألة 4 : الحدّ في وطء المرأة الميّتة كالحدّ في الحيّة رجماً مع الإحصان وحدّاً (جلداً ظ) مع عدمه بتفصيل مرّ في حدّ الزنا ، والإثم والجناية هنا أفحش وأعظم ، وعليه تعزير زائداً على الحدّ بحسب نظر الحاكم على تأمّل فيه ، ولو وطأ امرأته الميّتة فعليه التعزير دون الحدّ ، وفي اللواط بالميّت حدّ اللواط بالحيّ ، ويعزّر تغليظاً على تأمّل 1.
الحكم في بعض الروايات المتقدّمة بثبوت القتل في وطء البهيمة لا يؤيّد ثبوت القتل في المرتبة الثالثة بعد كون الرواية الدالّة عليه ساقطة عن الحجيّة ، لأجل المرجوحيّة كما عرفت(1) .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : وطء المرأة الميّتة الأجنبيّة ، والدليل على ثبوت حدّ الزنا ـ رجماً أو جلداً ـ في وطء المرأة الميّتة ـ مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه ، بل إمكان تحصيل الإجماع فضلا عن محكّيه كما في الجواهر(2) ، وإلى نفي الشُّبهة عن ثبوت الإجماع عليه كما عن الإنتصار(3) والسرائر(4) ـ الروايات الواردة في هذا الباب ، مثل :
صحيحة إبراهيم بن هاشم قال : لمّا مات الرضا (عليه السلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) ، وقد حضر خلق من الشيعة ـ إلى أن قال :ـ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ؟ فقال أبي : يقطع يمينه للنبش ، ويضرب حدّ الزنا ، فإنّ حرمة الميّتة كحرمة الحيّة ، فقالوا : يا سيّدنا تأذن لنا أن نسألك؟ قال :
- (1) في ص188 ـ 190.
- (2) جواهر الكلام: 41 / 544.
- (3، 4) الإنتصار: 514، السرائر: 3 / 468.
(الصفحة 723)
نعم ، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة ، فأجابهم فيها وله تسع سنين(1) .
ورواية عبدالله بن محمّد الجعفي قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) وجاءه كتاب هشام بن عبدالملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثمّ نكحها ، فإنّ الناس قد اختلفوا علينا : طائفة قالوا : اقتلوه ، وطائفة قالوا : أحرقوه ، فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ ، تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحدّ في الزنا ، إن اُحصن رجم ، وإن لم يكن اُحصن جلد مائة(2) .
وفي مقابلهما رواية أبي حنيفة (الذي اسمه سعيد بن بيان) قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل زنى بميّتة ، قال : لا حدّ عليه(3) .
وليس المراد بنفي الحدّ ما يعمّ نفي التعزير أيضاً بعد كون المراد من السؤال بملاحظة التعبير بالزنا هو خصوص الحدّ كما لا يخفى ، وحكي عن الشيخ أنّه قال في توجيه الرواية : هذا يحتمل وجهين : أحدهما أنّه لا حدّ عليه موظّف لا يجوز غيره ; لأنّه إن كان محصناً رجم وإلاّ جلد ، والآخر أن يكون مخصوصاً بمن أتى زوجة نفسه بعد موتها ، فإنّه يعزّر ولا حدّ عليه . وقال صاحب الوسائل بعد نقل كلام الشيخ : أقول : ويمكن الحمل على الإنكار ، وعلى ما دون الإيلاح كالتفخيذ ونحوه لما مرّ(4) .
والرواية مع ذلك ضعيفة من حيث السند ، وعلى تقدير الإغماض عنه تكون
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 511، أبواب حدّ السرقة ب19 ح6.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 510، أبواب حدّ السرقة ب19 ح2.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب2 ح3.
- (4) أي في باب 10 من أبواب حدّ الزنا وح2 و 6 من الباب 19 من أبواب حدّ السرقة، وفي ح1 و2 من أبواب نكاح البهائم.
(الصفحة 724)
مرجوحة ، لمخالفتها للشهرة الفتوائيّة المحقّقه كما لا يخفى .
هذا بالإضافة إلى ثبوت الحدّ . وأمّا التعزير الزائد على الحدّ فربّما يستدلّ عليه بمرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الذي يأتي المرأة وهي ميّتة ، فقال : وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها وهي حيّة(1) .
ولكنّها مضافاً إلى كونها مرسلة ، وقد مرّ أنّ مقتضى التحقيق عدم اعتبار مرسلات مثل ابن أبي عمير أيضاً ، لا دلالة لها إلاّ على كون وزره وإثمه أعظم ، ولا ملازمة بين ذلك وبين ثبوت التعزير الزائد ، وثبوته في مثل شرب المسكر في شهر رمضان إنّما هو لتحقّق عنوان آخر زائد على أصل الفعل ، وهو عنوان الهتك بالإضافة إلى شهر رمضان ، وليس في المقام عنوان آخر ، بل مفاد الرواية مجرّد كون حرمة الميّت كحرمة الحيّ ; ولأجل ذلك تأمّل في المتن في ثبوت التعزير الزائد .
الفرع الثاني : وطء زوجته الميّتة ، والمحكيّ عن الأكثر القطع بأنّه يقتصر في التأديب فيه على التعزير(2) ، بل نفى في الجواهر وجدان الخلاف فيه(3) ، والدليل على عدم ثبوت الحدّ في هذا الفرع ـ بعد كون روايات الحدّ في الفرع السابق واردة في مورد الزنا بالأجنبيّة ; لدلالتها على أنّ الميّتة تنزّل منزلة الحيّة ـ عدم شمول أدلّة الزنا للمقام ; لعدم كونه زناء لا بحسب اللغة ولا بنظر العرف ، لبقاء علقة الزوجيّة ; ولذا يجوز له النظر إليها ولمسها وأشباه ذلك .
وحرمة الوطء بعد الموت للإجماع عليها لا يلازم ثبوت الحدّ المتوقّف على تحقّق
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب2 ح2.
- (2) النهاية: 708، المقنعة: 790، السرائر: 3 / 468، شرائع الإسلام: 4 / 966، قواعد الأحكام: 2 / 258، اللمعة الدمشقية: 172، وقال في رياض المسائل: 10 / 227: «كما قطع به الأكثر، بل لم أجد خلافاً فيه».
- (3) جواهر الكلام: 41 / 645.