(الصفحة 444)
حكم بنجاسة العصير الذي غلى بنفسه وحرمته إلى أن يصير خلاًّ ، وبخصوص حرمة ما إذا غلى بالنار أو بالشمس دون النجاسة ، وقد فصّلنا الكلام في هذا التفصيل وما يتعلّق به في البحث عن النجاسات من كتاب الطهارة(1) ، فراجع ، هذا في العصير العنبي .
وأمّا العصير الزبيبي والتمري ـ والمراد منهما ماء نبذ فيه أحدهما وصار ذا حلاوة لأجل المجاورة والملاصقة ـ فإن قلنا بعدم حرمته فلا تصل النوبة إلى الحدّ أصلا ، وإن قلنا بالحرمة فاللاّزم إقامة الدليل على ثبوت الحدّ فيهما ; لأنّ الحرمة أعمّ من ثبوت الحدّ ، ونقول :
المشهور كما عن الحدائق(2) وطهارة الشيخ(قدس سره) الحليّة(3) ، وذهب بعض إلى الحرمة ، ونسب ذلك إلى جملة من متأخّري المتأخّرين(4) . وعمدة ما يمكن الاستدلال به عليها ما رواه زيد النرسي في أصله : قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ، ثمّ يصبّ عليه الماء ويوقد تحته ، فقال : لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ويبقى الثلث ، فإنّ النار قد أصابته ، قلت : فالزبيب كما هو في القدر ، ويصبّ عليه الماء ثمّ يطبخ ويصفّى عنه الماء ، فقال : كذلك هو سواء ، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلواً بمنزلة العصير ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة (النجاسات وأحكامها): 154 ـ 179، المقام الثالث في نجاسة المسكرات.
- (2) الحدائق الناضرة: 5 / 125.
- (3) كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري: 316.
- (4) الدرّة النجفية (منظومة في الفقه): 53. وحكى في جواهر الكلام: 6 / 20 ـ 21 عن المصابيح للسيّد بحر العلوم.
(الصفحة 445)
حرم ، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد(1) .
ورواها العلاّمة المجلسي(قدس سره) عن نسخة عتيقة وجدها بخطّ الشيخ منصور بن الحسن الآبي(2) ، والكلام في الرواية تارة من حيث السند ، وأُخرى من جهة المتن ، وثالثة من حيث المفاد والدلالة ، فهنا جهات ثلاث :
الجهة الاولى : فيما يتعلّق بالسند من جهة وثاقة زيد النرسي ، وأنّه هل يكون له أصل أم لا ، وأنّ النسخة التي وصلت بيد الناقلين عنها كالمجلسي(قدس سره) هل تكون مطابقة لنسخة الأصل أم لا؟
أمّا وثاقة زيد النرسي ، فالظاهر أنّه لم يرد في شيء من الكتب الرجاليّة والتراجم بالإضافة إليه مدح ولا قدح ، ومن أجله ربّما يقال بعدم وثاقته ; لأنّ الموثّق عبارة عمّن كان له توثيق في شيء من تلك الكتب ، مضافاً إلى أنّ الصدوق وشيخه ابن الوليد لم ينقلا عنه أصلا ، بل ضعّفا كتابه وقالا : إنّه موضوع وضعه محمّد بن موسى الهمداني(3) .
ولكنّه قد حاول العلاّمة الطباطبائي(قدس سره) تصحيح سندها استناداً إلى أنّ الشيخ قال في حقّه : له أصل ، وقال النجاشي : له كتاب(4) . قال : إنّ تسمية كتابه أصلا ممّا يشهد بحسن حاله واعتبار كتابه ، فإنّ الأصل في إصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر ، وليس بمعنى مطلق الكتاب ; ولهذا نقل عن المفيد(قدس سره) أنّه قال : صنّفت الإماميّة من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عهد
- (1) مستدرك الوسائل: 17 / 38، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة ب2 ح1.
- (2) بحار الأنوار: 79 / 177.
- (3) راجع الفهرست للشيخ الطوسي: 130 رقم 300.
- (4) رجال النجاشي: 174 رقم 460.
(الصفحة 446)
أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) أربعمائة كتاب تسمّى «الأصول»(1) ومعلوم أنّ مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد على ذلك بكثير ، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال ، فالأصل أخصّ من الكتاب ، ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر ، بل لابدّ أن يكون معتمداً .
وقال أيضاً : إنّ «الأصل» يؤخذ في كلمات الأصحاب مدحاً لصاحبه ووجهاً للاعتماد على ما تضمنّه ، وربّما يضعّفون بعض الروايات لعدم وجدان متنها في شيء من الأصول ـ إلى أن قال :ـ إنّ سكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه مع طعنه في جملة من المشايخ يدلّ على وثاقته ، حتّى قيل : «السالم من رجال الحديث من سلم من طعنه» ، ومع ذلك لم يطعن فيه ، بل قال : إنّ زيد النرسي وزيد الزّراد قد رويا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال أبو جعفر بن بابويه : إنّ كتابهما موضوع وضعه محمّد بن موسى السمان ، وغلط أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما عُتقاً مسموعة من محمّد بن أبي عمير(2) انتهى(3) .
ويؤيّده أنّ ابن أبي عمير قد روى عنه وعن كتابه(4) وهو لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة ، مع أنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(5) ، مضافاً إلى وقوعه في سند رواية كامل الزيارات(6) ، الذي ذكر في ديباجته
- (1) معالم العلماء لابن شهراشوب: 3.
- (2) حكى في مجمع الرجال: 3 / 84 عن ابن الغضائري.
- (3) رجال السيّد بحر العلوم: 2 / 362 ـ 370.
- (4) رجال النجاشي: 174 رقم 460.
- (5) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي: 556 رقم 1050.
- (6) كامل الزيارات: 510 ح795.
(الصفحة 447)
أنّه لا يروي فيه إلاّ عن ثقات الأصحاب(1) ، وإلى أنّ الصدوق مع تضعيفه كتابه وإنكاره كونه له كما عرفت قد روى في الفقيه رواية عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي(2) مع التزامه في ديباجته أن لا يورد فيه إلاّ ما كان حجّة بينه وبين الله تعالى(3) .
وهذا ممّا يوجب الترديد في نسبة التضعيف والإنكار إليه ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ من جملة الأفراد التي وقعت في سند رواية كامل الزيارات ، المنتهية إلى زيد النرسي هو عليّ بن بابويه والد الصدوق وشيخ القمييّن ، الذي خاطبه الإمام العسكري (عليه السلام) في توقيعه بقوله : «يا شيخي ومعتمدي»(4) فإنّه كيف يمكن الجمع بين رواية الوالد عنه وبين اعتقاد الولد كونه موضوعاً .
ويمكن المناقشة في جميع ما ذكر ، فإنّ ثبوت الأصل له لا يستفاد منه الوثاقة بوجه ; لعدم ظهور هذا العنوان في المعنى المذكور ، ويحتمل قويّاً ـ تبعاً للماتن دام ظلّه(5) ـ أن يكون الأصل قسماً من الكتاب وقسيماً للمصنّف ; نظراً إلى أنّ الأصل عبارة عن الكتاب الموضوع لنقل الحديث ، سواء كان مسموعاً عن الإمام (عليه السلام) بلا واسطة أو معها ، وسواء كان مأخوذاً من كتاب واصل آخر أم لا ، وسواء كان معتمداً أم لا . وأمّا المصنّف فهو عبارة عن كتاب موضوع لغير نقل الحديث كالتاريخ والتفسير والرجال والكلام وغيرها ، والشاهد عليه مقابلة المصنّف
- (1) كامل الزيارات: 37.
- (2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 207 ح5480.
- (3) من لا يحضره الفقيه: 1 / 3.
- (4) لؤلؤة البحرين: 384.
- (5) كتاب الطهارة للإمام الخميني: 3 / 266.
(الصفحة 448)
بالأصول في كثير من العبارات ، وجعل كليهما قسمين من الكتاب في بعضها ، وقول بعضهم في عدّة من الموارد : له أصل معتمد .
وبالجملة : لم يظهر كون المراد بالأصل ما ذكر .
وأمّا كون ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، فلابدّ من بيان المراد من معقد هذا الإجماع المعروف ، فنقول :
الأصل في دعوى الإجماع هو الكشي في رجاله ، حيث قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام)وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خرّبوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل ابن يسار ، ومحمّد بن مسلم الطائي . قالوا : وأفقه الستة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي : أبو بصير المرادي ; وهو ليث بن البختري(1) .
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه ، من دون أولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم ، ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان . قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه ـ يعني ثعلبة بن ميمون ـ أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج ، وهم أحداث أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام)(2) .
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام) : أجمع
- (1) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 238 رقم 431.
- (2) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 375 رقم 705.