(الصفحة 278)
ونحوهما ما رواه في المستدرك عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) والظّاهر أنّه ليس المراد بالحدّ في هذا الحكم ، وكذا في الحكمين الآخرين الحدّ المقابل للتعزير ، بل أعمّ منه ومن التعزير ، فلا كفالة ولا تأخير ولا شفاعة فيه أيضاً .
وأمّا أنّه لا تأخير فيه مع عدم العذر فيدلّ عليه أيضاً مثل:
رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) في حديث قال: ليس في الحدود نظر ساعة(2) . وما رواه الصدوق بإسناده إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إذا كان في الحدّ لعلّ أو عسى فالحدّ معطّل(3) .
ورواية ميثم الطويلة المتقدّمة ، الواردة في امرأة أتت أمير المؤمنين (عليه السلام) فأقرّت عنده بالزنا أربع مرّات ، قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهمّ إنّه قد ثبت عليها أربع شهادات ، وإنّك قد قلت لنبيّك(صلى الله عليه وآله) فيما أخبرته من دينك: يا محمّد من عطّل حدّاً من حدودي فقد عاندني وطلب بذلك مضادّتي(4) .
ويستفاد منها ومن قبلها أنّ التأخير بعنوانه لا يكون منهيّاً عنه ، بل ما تعلّق به النهي إنّما هو عنوان التعطيل ، وعليه فلابدّ في الحكم بعدم جواز التأخير من ملاحظة صدق عنوان التعطيل عليه ، وعليه فالتأخير بمقدار يسير لا يتحقّق به التعطيل ، كما إذا كان التأخير مستنداً إلى عذر كالمرض ، والحبل ، وشبههما .
وأمّا أنّه لا شفاعة في إسقاط الحدّ ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّه يستفاد ذلك من قوله تعالى عقيب الحكم بثبوت الجلد في الزنا:
{وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى
- (1) مستدرك الوسائل: 18 / 25 ، أبواب مقدّمات الحدود ب25 ح1 .
- (2 ، 3) وسائل الشيعة: 18 / 336 ، أبواب مقدّمات الحدود ب25 ح1 و 2 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 309 ، أبواب مقدّمات الحدود ب1 ح6 .
(الصفحة 279)
دِينِ اللهِ}(1) ـ الروايات الكثيرة ، مثل:
صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان لاُمّ سلمة زوج النبي(صلى الله عليه وآله)أمة فسرقت من قوم ، فأُتي بها النبي(صلى الله عليه وآله) فكلّمته اُمّ سلمة فيها ، فقال النبي(صلى الله عليه وآله): يا اُمّ سلمة هذا حدّ من حدود الله لا يضيع ، فقطعها رسول الله(صلى الله عليه وآله)(2) .
ورواية مثنى الحنّاط ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لاُسامة بن زيد: لا تشفع في حدّ(3) .
ورواية سلمة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان اُسامة بن زيد يشفع في الشيء الذي لا حدّ فيه ، فاُتي رسول الله(صلى الله عليه وآله) بإنسان قد وجب عليه حدّ ، فشفع له أسامة ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا تشفع في حدّ(4) .
وهل المراد بالشيء الذي لا حدّ فيه هو الشيء الذي كان فيه التعزير حتّى يكون مفاد الرواية جريان الشّفاعة في موارد التعزير ، أو أنّ المراد عدم ثبوت الحدّ ولا التعزير فيه ، فلا دلالة لها حينئذ على ثبوت الشفاعة في التعزير؟ وجهان ، ويبعّد الثاني أنّه مع عدم ثبوت التعزير أيضاً لا حاجة إلى الشفاعة بوجه ، فتدبّر .
وحسنة السكوني أو صحيحته ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يشفعنّ أحد في حدٍّ إذا بلغ الإمام ، فإنّه لا يملكه ، واشفع فيما لم يبلغ الإمام إذا رأيت الندم ، واشفع عند الإمام في غير الحدّ مع الرجوع من المشفوع له ، ولا يشفع
- (1) سورة النور24: 2 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 332 ، أبواب مقدّمات الحدود ب20 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 333 ، أبواب مقدّمات الحدود ب20 ح2 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 333 ، أبواب مقدّمات الحدود ب20 ح3 .
(الصفحة 280)
في حقّ امرء مسلم ولا غيره إلاّ بإذنه(1) . وقد وصفها في الجواهر بما عرفت من كونها حسنة أو صحيحة(2) ، مع أنّ في طريقها حسين بن يزيد النوفلي ، وفيه كلام .
والتعليل بقوله (عليه السلام): «فإنّه لا يملكه» ظاهر في أنّ الوجه لعدم جريان الشفاعة في إسقاط الحدّ عدم كون زمام الحدّ بيد الإمام وباختياره ; لأنّه حكم الهيّ صادر من الله تبارك وتعالى ، وإجراؤه إنّما هو بيد الإمام ، وعليه فيختصّ الحكم بما إذا لم يكن للإمام اختيار ، كالحدّ الثابت بالبيّنة ، وأمّا إذا كان له اختيار كما في الحدّ الثابت بالإقرار ، حيث يكون مخيّراً بين العفو والإجراء ، وكما في التعزير الذي بيد الحاكم ، فالحكم لا يشمله ; لعدم جريان التعليل فيه ، مع أنّ إطلاق الأصحاب ينافي ذلك ، إلاّ أن يقال بأقوائيّة ظهور ما دلّ على عدم جريان الشفاعة في الحدّ من ظهور التعليل ، فتدبّر . مع أنّ في التعزير يكون اختيار الكميّة بيد الإمام ، وأمّا أصله فهو مجبور في ذلك ، كما لا يخفى .
تمّ البحث في باب حدّ الزنا ، وقد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق في ليلة الأربعاء المصادفة ليوم الواحد والعشرين من شهر شعبان المعظّم ، من شهور سنة 1404 في بلدة قم المحميّة ، ونسأل منه التوفيق لإتمام بقيّة مباحث الكتاب .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 333 ، أبواب مقدّمات الحدود ب20 ح4 .
- (2) جواهر الكلام: 41/395 .
(الصفحة 281)
الفصل الثاني
في
اللواط والسحق والقيادة
مسألة 1 : اللواط وطء الذكران من الآدمي بإيقاب وغيره ، وهو لا يثبت إلاّ بإقرار الفاعل أو المفعول أربع مرّات ، أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة مع جامعيّتهم لشرائط القبول1.
1 ـ يقع الكلام في هذه المسألة في مقامين:
المقام الأوّل: في تعريف اللواط ، وقبل الورود فيه نقدّم أمرين:
الأوّل: قال صاحب الجواهر: واشتقاقه من فعل قوم لوط(1) . أقول: إن كان مراده أنّ اللواط بالمعنى المصطلح في الفقه ليس له سابقة قبل قوم لوط ، وعليه فلا يكون في لغة العرب بهذا المعنى أصلا ، فهو حقّ ، ويؤيّده قوله تعالى فيما حكاه عن لوط:
{أَتأتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِن أَحَد مِنَ العَالَمِينَ}(2) حيث إنّه يدلّ
- (1) جواهر الكلام: 41/374 .
- (2) سورة الأعراف7: 80 .
(الصفحة 282)
على أنّه لا سابقة لهذا العمل قبل قوم لوط ولو من أحد .
وإن كان مراده أنّ لفظ اللواط ولو بغير هذا المعنى لا يوجد في لغة العرب أصلا ، فيدفعه ملاحظة اللغة ، فإنّ المستفاد منها أنّ اللواط يجيء بمعنى الإلصاق ، كما في: لاط الشيء بالشيء ، أو بمعنى اللصوق كما في: لاط الشيء بقلبي ، أو بمعنى الطرد ، أو بمعنى الربا .
الثاني: إنّ حرمة اللواط وثبوت هذا الحكم له من ضروريّات الفقه بل الدين ، ويدلّ عليه من الكتاب آيات كثيرة وروايات مستفيضة ، أمّا الآيات ، فمثل الآية المتقدّمة ، وقوله تعالى حكاية عنه أيضاً:
{أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}(1)فإنّ التعبير عنه بالفاحشة ظاهر في الحرمة ، ويؤيّده تعليل حرمة الزنا بها في قوله تعالى:
{وَلاَ تَقرَبُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}(2) .
أمّا الروايات ، فكرواية أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): من جامع غلاماً جاء يوم القيامة جنباً لا ينقيه ماء الدنيا ، وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءَت مصيراً ، ثمّ قال: إنّ الذكر يركب الذكر فيهتزّ العرش لذلك ، وإنّ الرجل ليؤتى في حقبه فيحبسه الله على جسر جهنّم حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق ، ثمّ يؤمر به إلى جهنّم ، فيعذّب بطبقاتها طبقة طبقة حتّى يرد إلى أسفلها ولا يخرج منها(3) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لو كان ينبغي
- (1) سورة النمل27: 54 .
- (2) سورة الإسراء17: 32 .
- (3) وسائل الشيعة: 14 / 248 ، أبواب النكاح المحرّم ب17 ح1 وص252 ب18 ح1 .