(الصفحة 413)
والظاهر أنّ المراد من سماعه منه هو العلم بصدور هذا الادّعاء ، أو ما يقوم مقامه لا خصوص السماع مباشرة .
وموثّقة أبي بصير يحيى بن أبي القاسم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في حديث : قال النبيّ(صلى الله عليه وآله) : أيّها الناس إنّه لا نبيّ بعدي ولا سنّة بعد سنّتي ، فمن ادّعى ذلك فدعواه وبدعته في النار فاقتلوه ، ومن تبعه فإنّه في النار ، الحديث(1) .
ورواية الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن الرضا (عليه السلام) في حديث قال : وشريعة محمّد(صلى الله عليه وآله) لا تنسخ إلى يوم القيامة ، ولا نبيّ بعده إلى يوم القيامة ، فمن ادّعى نبيّاً أو أتى بعده بكتاب فدمه مباح لكلّ من سمع منه(2) .
الثاني : فيمن كان على ظاهر الإسلام ، وأظهر الشك في نبوّة نبيّنا(صلى الله عليه وآله) ، ولا خلاف فيه ظاهراً أيضاً في وجوب قتله ، واستدلّ عليه في محكيّ المسالك أيضاً بالارتداد(3) ، وقد عرفت عدم انطباقه على المدّعى .
فالأولى الاستدلال عليه بصحيحة عبدالله بن سنان ، المرويّة في محاسن البرقي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من شكّ في الله وفي رسوله فهو كافر(4) .
وتقريب الاستدلال أنّه ليس المراد هو الشكّ في الله وفي رسوله معاً ، بل الشكّ في أحدهما ; لأنّه لا معنى للشكّ في النبوّة بعد الشك في الالوهيّة ، كما أنّ الظاهر أنّ المراد من الموضوع هو الذي عرض له الشك بعد أن لم يكن شاكّاً ، فالمراد بالشكّ هو الشك الحادث ، فينطبق على المسلم الذي شكّ في أحدهما بعد أن كان معتقداً
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 555، أبواب حدّ المرتدّ ب7 ح3.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 555، أبواب حدّ المرتدّ ب7 ح4.
- (3) مسالك الأفهام: 14 / 453.
- (4) المحاسن: 1 / 170 ح260، وسائل الشيعة: 18 / 561، أبواب حدّ المرتدّ ب10 ح22.
(الصفحة 414)الثالث : من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلماً ، ويؤدَّب إن كان كافراً ، ويثبت ذلك بالإقرار ، والأحوط الإقرار مرّتين ، وبالبيّنة . ولو تعلّم السحر لإبطال مدّعي النبوّة فلا بأس به ، بل ربما يجب 1.
بكليهما ، كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد هو الشكّ الباطني الذي لم يبلغ إلى مرتبة الإظهار والإعلام ، بل الشك الذي أظهره المسلم . نعم ، يبقى على الاستدلال بها أنّه لا دلالة لها على وجوب القتل ; لأنّ الحكم بالكفر لا يلازم الحكم بوجوب القتل إلاّ أن يتحقّق المشي من طريق الارتداد ، كما صنعه صاحب المسالك على ما عرفت .
وبرواية الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : لو أنّ رجلا أتى النبيَّ(صلى الله عليه وآله) فقال : والله ما أدري أنبيّ أنت أم لا ، كان يقبل منه؟ قال : لا ، ولكن كان يقتله ، أنّه لو قبل ذلك ما أسلم منافق أبداً(1) . بناءً على أن يكون المراد بالرجل هو الرجل الذي كان على ظاهر الإسلام ، ولكن ينافيه التعليل الواقع في الذيل ; لأنّ الظاهر أنّ المنافق كان كافراً قبل إسلامه ، إلاّ أن يحمل على المنافق الذي أظهر الإسلام ثمّ شكّ في النبوّة ، فتدبّر .
وكيف كان ، فالقصور في الروايات سنداً أو دلالة ينجبر بالفتوى على وجوب القتل في المقام استناداً إليها واتّكالا عليها .
1 ـ ويدلّ على وجوب قتل من عمل بالسحر إن كان مسلماً وتأديبه إن كان كافراً ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ـ رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفّار لا يقتل ، فقيل : يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم لا يقتل ساحر الكفّار؟ قال : لأنّ الكفر (الشرك خ ل) أعظم من
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 551، أبواب حدّ المرتدّ ب5 ح4.
(الصفحة 415)
السحر ، ولأنّ السحر والشرك مقرونان(1) .
وبهذه الرواية يقيّد إطلاق رواية زيد الشحّام ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الساحر يضرب بالسيف ضربة واحدة على رأسه(2) . بناءً على أن تكون الرواية بصدد بيان حكم وجوب القتل ، وأمّا لو كانت بصدد بيان الكيفيّة بحيث كان المراد بالساحر فيها هو الساحر الذي يجب قتله ، فلا إطلاق لها أصلا .
وكذا يقيّد إطلاق رواية زيد بن عليّ ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : سئل رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن الساحر،فقال:إذاجاءرجلان عدلان فشهدا بذلك فقدحلّ دمه(3).
ثمّ الظاهر أنّ المراد من عنوان الساحر في الروايات هو من تلبّس بالسحر ولو مرّةً ، فتنطبق الروايات على العنوان المأخوذ في الفتاوى ; وهو من عمل بالسحر ، وليس المراد منه ما ربّما يقال : وهو «من اتّخذ السحر صنعةً وعملا وحرفةً له» والدليل على ما ذكرنا ـ مضافاً إلى أنّه المتبادر من عنوان الساحر كعنوان الضارب ونحوه ـ قوله(صلى الله عليه وآله) في ذيل رواية السكوني : «ولأنّ السحر والشرك مقرونان» الظاهر في أنّ الحكم إنّما يكون مترتّباً على تحقّق السحر كالشرك .
ومقتضى إطلاق النصّ والفتوى أنّه لا فرق بين من كان مستحلاًّ ، ومن لم يكن كذلك ، ولا وجه لدعوى الاختصاص بالأوّل ، كما ربّما يحكى عن بعض(4) .
ثمّ إنّه لا إشكال في ثبوته بالإقرار ، وفي اعتبار التعدّد أو كفاية الوحدة ما عرفت في نظائر المقام مراراً ، كما أنّه لا إشكال بمقتضى رواية زيد بن علي وعموم دليل
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 576، أبواب بقيّة الحدود ب1 ح1.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 576، أبواب بقيّة الحدود ب1 ح3.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 577، أبواب بقيّة الحدود ب3 ح1.
- (4) راجع رياض المسائل: 10 / 131.
(الصفحة 416)الرابع : كلّ ما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه وتعالى يثبت بالإقرار والأحوط الأولى أن يكون مرّتين ، وبشاهدين عدلين1.
حجيّة البيّنة في ثبوت المقام بها أيضاً ، ودعوى عدم جريانها هنا نظراً إلى أنّ الشاهد لا يعرف قصده ولا يشاهد التأثير واضحة المنع .
ثمّ إنّه يظهر منهم أنّ تعلّم السحر في مورد حرمته ـ وهو غير ما إذا كان لإبطال دعوى النبوّة به ـ لا يترتّب عليه حكم القتل ; لتعليقهم الحكم بذلك على العامل ، إلاّ أنّه هنا رواية تدلّ على وجوب قتله أيضاً في الجملة ، وهي رواية إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) ، أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : من تعلّم شيئاً من السحر كان آخر عهده بربّه ، وحدّه القتل إلاّ أن يتوب ، الحديث(1) .
ويظهر من الجواهر الحكم بضعف سند الرواية ; لحكمه بأنّه لا جابر لها(2)ومنشؤه وجود غياث بن كلوب بن قيس في السند ، مع أنّ المحكيّ عن عدّة الشيخ(قدس سره)في شأنه أنّ العصابة عملت برواياته فيما لم ينكر ولم يكن عندهم خلافه(3) . فإن ثبت إعراض المشهور عن الرواية والفتوى على طبقها مع كونها بمرأى منهم فهو قادح فيها ، وإلاّ لا مجال للإعراض عنها كما لا يخفى .
1 ـ أمّا أصل الثبوت بالإقرار ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى إطلاق دليل نفوذ الإقرار وجوازه ـ فحوى ثبوت ما فيه الحدّ بالإقرار ، نظراً إلى أنّه لو كان موجب الحدّ ثابتاً بالإقرار مثل الزنا واللواط على ما عرفت ، فثبوت موجب التعزير به إنّما
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 577، أبواب بقيّة الحدود ب3 ح2.
- (2) جواهر الكلام: 41 / 443.
- (3) عدّة الاُصول: 1 / 149.
(الصفحة 417)الخامس : كلّ من ترك واجباً أو ارتكب حراماً فللإمام(عليه السلام) ونائبه تعزيره بشرط أن يكون من الكبائر ، والتعزير دون الحدّ ، وحدّه بنظر الحاكم ، والأحوط له فيما لم يدلّ دليل على التقدير عدم التجاوز عن أقلّ الحدود1.
يكون بطريق أولى ، مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه ظاهراً ، وأمّا لزوم التعدّد أو كفاية المرّة فقد مرّ البحث فيه(1) . وأنّه يمكن أن يستفاد من النصوص التي عبّر فيها عن الإقرار بالشّهادة أنّ اعتباره إنّما هو من باب أنّه شهادة على النفس ، فيلزم فيه التعدّد ; لعدم كفاية الشهادة الواحدة .
وأمّا الثبوت بالبيّنة ، فيدلّ عليه عموم أو إطلاق ما دلّ على اعتبارها في الموضوعات ، وظاهر المتن عدم اعتبار شهادة النساء ، لكن عرفت أنّ مقتضى الجمع بين الروايات المختلفة الواردة في هذه المسألة اعتبار شهادة النساء منضمّات في باب الحدود ، ولازمه كفاية شهادة رجل وامرأتين في المقام ; لأنّ مقتضى الاعتبار في باب الحدود الاعتبار في التعزيرات بطريق أولى .
1 ـ في هذا الفرع جهات من الكلام :
الاُولى : أنّه هل التعزير فيمن ترك واجباً أو ارتكب محرّماً في الجملة ثابت عليه مطلقاً ، أو مشروط بما إذا لم ينته بالنهي والتوبيخ ونحوهما؟ وجهان : ظاهر مثل المتن هو الأوّل ، والمحكيّ عن كشف اللثام الثاني ; نظراً إلى أنّه إذا انتهى بدون الضرب لا دليل على التعزير إلاّ في مواضع مخصوصة ورد النصّ فيها بالتأديب والتعزير(2) ، ولكنّ المستفاد من النصوص الكثيرة الواردة في موارد متشتّتة أنّ
- (1) في ص347 ـ 348.
- (2) كشف اللثام: 2 / 415.