(الصفحة 241)
لا تستعمل الطائفة إلاّ في مقام يكون هناك جماعة أشمل وأوسع منها ، وبهذا الاعتبار تكون الطّائفة قطعة من ذلك المجموع وبعضاً منه ، وعليه فاستعمالها بهذا الاعتبار في مثل القطعة من الثوب لا ينافي اعتبار الإحاطة والاحتفاف فيها أيضاً ، مضافاً إلى أنّه لم يعلم استعمالها ولو مجازاً في مثل غير القطعة من الثوب التي يكون لها احتفاف وإحاطة أيضاً ، وعلى ما ذكرنا فالظّاهر أنّه بملاحظة العرف لا مجال للمناقشة في أنّ أقلّها ثلاثة ، إلاّ أنّه لا مساغ للإغماض عن الرواية المعتبرة المفسّرة لها بالواحد ، فيصير هذا هو الأقوى .
الرابع: أنّه ينبغي أن يكون الأحجار صغاراً ، بل هو الأحوط ، ويدلّ عليه ما ورد في رواية أبي بصير المتقدّمة من قوله (عليه السلام): ويرمي الإمام ثمّ يرمي الناس بعدُ بأحجار صغار(1) . وفي رواية سماعة المتقدّمة أيضاً من قوله (عليه السلام): ثمّ يرمي الإمام ويرمي الناس بأحجار صغار(2) .
وظاهر الروايتين لزوم كون الأحجار صغاراً ، لوقوعهما في مقام بيان كيفيّة الرجم وأحكامه ، وعليه فالفتوى بالاستحباب لعلّها بملاحظة أنّه لا يظهر من الأصحاب الفتوى بالوجوب ولو بلحاظ عدم تعرّض كثير منهم لهذه الجهة ، ولكنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى هو الوجوب .
وهل المراد من الصغار في الروايتين ما يقابل الكبير والمتوسّط ، أو ما يقابل الكبير فقط؟ قال في الجواهر: يمكن إرادة الأحجار المعتدلة من الصغار في النصوص(3) ، ولعلّه لذا قال في القواعد وكشف اللثام: ولا يرجم بحصى صغار جدّاً
- (1، 2) تقدّمتا في ص225 .
- (3) جواهر الكلام: 41/355 .
(الصفحة 242)
يعذّب بطول الضرب مع بقاء الحياة(1) ، ولكنّ المستفاد من المتن أنّ عدم جواز الرجم بالحصى إنّما هو لعدم صدق الحجر عليه ، والظّاهر مدخلية عنوان الحجر في صدق الرجم أيضاً ; لأنّ معناه لغة هو الرمي بالحجارة ، مضافاً إلى دلالة الروايتين على اعتبار الحجريّة .
وكيف كان ، فبملاحظة الروايتين ، ومعنى الرجم الذي يعتبر فيه الرمي أنّه لا يجوز بصخرة كبيرة تقتله بواحدة أو اثنتين ; لعدم تحقّق الرمي بالإضافة إليها ، مضافاً إلى أنّه خلاف المأثور كما لا يخفى .
الخامس: أنّ الأحوط أن لا يقيم عليه الحدّ من كان على عنقه حدّ ، وفي المسألة قولان: أحدهما: القول بالتحريم ، وقد نسبه إلى القيل في الشرائع(2) . ثانيهما: الكراهة ، ونسبه في الرياض إلى ظاهر الأكثر بل المشهور ، بل في أثناء كلامه دعوى الاتّفاق على الكراهة ظاهراً(3) ، وفي محكيّ كشف اللثام نسبتها إلى ظاهر الأصحاب(4) .
وكيف كان ، فقد وردت في المسألة روايات لابدّ من ملاحظتها:
منها: صحيحة زرارة ـ على ما في الوسائل ـ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل قد أقرّ على نفسه بالفجور ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصحابه: أغدوا غداً عليَّ متلثّمين ، فقال لهم: من فعل مثل فعله فلا يرجمه ولينصرف ، قال:
- (1) قواعد الأحكام: 2/255 ، كشف اللّثام: 2 / 404 .
- (2) شرائع الإسلام: 4/939 .
- (3) رياض المسائل: 10/76 .
- (4) كشف اللثام: 2/404 .
(الصفحة 243)
فانصرف بعضهم وبقي بعضهم ، فرجمه من بقي منهم(1) .
ولكنّ الحديث على ما في محكيّ الكافي والتهذيب بدل «زرارة» «عمّن رواه» وإضافة كلمة: «أو أبي عبدالله (عليه السلام)»(2) . وعليه فلا تخرج الرواية أيضاً عن الحجّيّة بعد اعتبار مراسيل ابن أبي عمير ، ولا خفاء في ظهورها في النهي والتحريم .
ومنها: مرفوعة أحمد بن محمّد بن خالد ، التي رواها بطريق صحيح عليّ بن إبراهيم ، عن أبي بصير ـ يعني المرادي ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، المشتملة على قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في قصّة رجل أتاه بالكوفة وأقرّ بالزنا أربع مرّات: معاشر المسلمين إنّ هذه حقوق الله ، فمن كان لله في عنقه حدّ فلينصرف ، ولا يقيم حدود الله من في عنقه حدّ ، فانصرف الناس وبقي هو والحسن والحسين ، فرماه كلّ واحد ثلاثة أحجار فمات الرجل(3) .
ولا خفاء أيضاً في ظهورها في الحرمة ، خصوصاً مع أنّ الحكم التنزيهي لا يناسب الإنصراف الذي يترتّب عليه الإقرار الضمني ، الموجب للسقوط عن أعين الناس وهتك الحيثيّات ، وإن كان يدفعه التلثّم بحيث لا يعرف أحد أحداً ، ولكنّه مع ذلك لا يناسب مع الحكم التنزيهي غير التحريمي ، كما لا يخفى .
ومنها: ما رواه الأصبغ بن نباتة في الحديث الوارد في رجل أتى أمير المؤمنين (عليه السلام)فأقرّ عنده بالزنا ، المشتمل على قوله (عليه السلام) مخاطباً لمن حضر لشهود العذاب: نشدت الله رجلا منكم لله عليه مثل هذا الحقّ أن يأخذ لله به ، فإنّه لا يأخذ لله بحقّ
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 342 ، أبواب مقدّمات الحدود ب31 ح2 .
- (2) الكافي: 7/188 ح2 ، التهذيب: 10/11 ح25 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 342 ، أبواب مقدّمات الحدود ب31 ح3 .
(الصفحة 244)
من يطلبه الله بمثله . . . (1) .
ومنها: رواية ميثم ، المشتملة على قول أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً للناس الحاضرين في رجم امرأة أقرّت عنده بالزنا أربع مرّات: أيّها الناس إنّ الله عهد إلى نبيّه(صلى الله عليه وآله) عهداً عهده محمّد(صلى الله عليه وآله) إليَّ بأنّه لا يقيم الحدَّ من لله عليه حدّ ، فمن كان لله عليه مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحدّ (2) .
وفي محكيّ المسالك الحكم بقصور سند هذه الرواية(3) ، ولكنّ الظّاهر أنّها على بعض طرق نقلها صحيحة ، وإن كان على البعض الآخر ليست كذلك .
والظّاهر من الروايات كما ذكرنا هو التحريم ، وعن السرائر: وروي أنّه لا يرجمه إلاّ من ليس لله سبحانه في جنبه حدّ ، وهذا غير متعذّر; لأنّه يتوب فيما بينه وبين الله تعالى ثمّ يرميه(4) .
ولكنّه ربّما يقال بحمل النهي فيها على الكراهة ، مضافاً إلى ما قيل من وجوب القيام بأمر الله تعالى ، وعموم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والرجم من هذا القبيل .
ويرد عليه أنّ منشأ حمل النهي على الكراهة إن كان هو قصور سند الروايات ، فقد عرفت أنّ سند أكثرها صحيح أو كالصحيح ، وإن كان هو استفادة المشهور منه الكراهة ، فمن الواضح عدم حجّية فهم المشهور فيما يتعلّق بمقام دلالة الروايات ، بل اللازم اتّباع ما هو ظاهرها بحسب العرف واللّغة ، وأمّا الوجوب المذكور فهو
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 342 ، أبواب مقدّمات الحدود ب31 ح4 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 341 ، أبواب مقدّمات الحدود ب31 ح1 .
- (3) مسالك الأفهام: 14/388 ـ 389 .
- (4) السرائر: 3/454 .
(الصفحة 245)
لا يجتمع مع الكراهة أيضاً ، فالأحوط بملاحظة ما ذكرنا ـ لو لم يكن أقوى ـ هو عدم إقامة الحدّ ممّن كان عليه حدّ مطلقاً ، أو خصوص الحدّ المماثل على ماسيجيء.
بقي في هذا المقام اُمور:
الأوّل: أنّ الحكم ـ تحريماً أو تنزيهاً ـ شامل لمطلق الحدّ ، أو يختصّ بالحدّ المماثل للحدّ الذي أريد إجرائه ؟ وجهان: ظاهر الجملة الاُولى من رواية ميثم والمرفوعة هو الأوّل ، وظاهر ذيل رواية ميثم ورواية زرارة ورواية الأصبغ ، الثاني . ويمكن أن يقال ـ كما في الجواهر ـ بعدم المنافاة بينهما(1) ، ولعلّه لكونهما مثبتين ، ولا وجه لحمل المطلق على المقيّد في هذه الصورة ، ويؤيّده الجمع بين الأمرين في رواية ميثم على ما عرفت .
نعم ، ذكر القيد لابدّ وأن يكون له نكتة حتّى لا يكون لغواً ، ومن الممكن أن يكون الوجه فيه تحقّق الشدّة في مورد القيد ، خصوصاً على الكراهة التي يكون فيها المراتب في كثير من الموارد ، ويؤيّد ما ذكرنا من التعميم مساعدته للاعتبار ، فإنّ الملاك فيه أنّ من كان مديوناً لله تعالى ولم يف دينه لا يناسبه استيفاء الدين الإلهي من غيره ، كما لا يخفى .
الثاني: أنّه لو تاب عنه بينه وبين الله جاز إقامته ، لما مرّ سابقاً في بعض المسائل المتقدّمة من أنّ التوبة قبل البيّنة أو الإقرار يوجب سقوط الحدّ ، وعليه فالتائب لا يكون لله عليه حقّ بملاحظة توبته ، وقد عرفت فيما [تقدّم] عن ابن إدريس من الحكم بعدم التعذّر بعد انفتاح باب التوبة والرمي بعدها ، ولكن عرفت في بعض روايات الباب أنّه بعد قول أمير المؤمنين (عليه السلام) انصرف الناس كلّهم ولم يبق غيره
- (1) جواهر الكلام: 41/356 ـ 357 .