(الصفحة 722)مسألة 4 : الحدّ في وطء المرأة الميّتة كالحدّ في الحيّة رجماً مع الإحصان وحدّاً (جلداً ظ) مع عدمه بتفصيل مرّ في حدّ الزنا ، والإثم والجناية هنا أفحش وأعظم ، وعليه تعزير زائداً على الحدّ بحسب نظر الحاكم على تأمّل فيه ، ولو وطأ امرأته الميّتة فعليه التعزير دون الحدّ ، وفي اللواط بالميّت حدّ اللواط بالحيّ ، ويعزّر تغليظاً على تأمّل 1.
الحكم في بعض الروايات المتقدّمة بثبوت القتل في وطء البهيمة لا يؤيّد ثبوت القتل في المرتبة الثالثة بعد كون الرواية الدالّة عليه ساقطة عن الحجيّة ، لأجل المرجوحيّة كما عرفت(1) .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : وطء المرأة الميّتة الأجنبيّة ، والدليل على ثبوت حدّ الزنا ـ رجماً أو جلداً ـ في وطء المرأة الميّتة ـ مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه ، بل إمكان تحصيل الإجماع فضلا عن محكّيه كما في الجواهر(2) ، وإلى نفي الشُّبهة عن ثبوت الإجماع عليه كما عن الإنتصار(3) والسرائر(4) ـ الروايات الواردة في هذا الباب ، مثل :
صحيحة إبراهيم بن هاشم قال : لمّا مات الرضا (عليه السلام) حججنا فدخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) ، وقد حضر خلق من الشيعة ـ إلى أن قال :ـ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ؟ فقال أبي : يقطع يمينه للنبش ، ويضرب حدّ الزنا ، فإنّ حرمة الميّتة كحرمة الحيّة ، فقالوا : يا سيّدنا تأذن لنا أن نسألك؟ قال :
- (1) في ص188 ـ 190.
- (2) جواهر الكلام: 41 / 544.
- (3، 4) الإنتصار: 514، السرائر: 3 / 468.
(الصفحة 723)
نعم ، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة ، فأجابهم فيها وله تسع سنين(1) .
ورواية عبدالله بن محمّد الجعفي قال : كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) وجاءه كتاب هشام بن عبدالملك في رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها ثمّ نكحها ، فإنّ الناس قد اختلفوا علينا : طائفة قالوا : اقتلوه ، وطائفة قالوا : أحرقوه ، فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ ، تقطع يده لنبشه وسلبه الثياب ، ويقام عليه الحدّ في الزنا ، إن اُحصن رجم ، وإن لم يكن اُحصن جلد مائة(2) .
وفي مقابلهما رواية أبي حنيفة (الذي اسمه سعيد بن بيان) قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل زنى بميّتة ، قال : لا حدّ عليه(3) .
وليس المراد بنفي الحدّ ما يعمّ نفي التعزير أيضاً بعد كون المراد من السؤال بملاحظة التعبير بالزنا هو خصوص الحدّ كما لا يخفى ، وحكي عن الشيخ أنّه قال في توجيه الرواية : هذا يحتمل وجهين : أحدهما أنّه لا حدّ عليه موظّف لا يجوز غيره ; لأنّه إن كان محصناً رجم وإلاّ جلد ، والآخر أن يكون مخصوصاً بمن أتى زوجة نفسه بعد موتها ، فإنّه يعزّر ولا حدّ عليه . وقال صاحب الوسائل بعد نقل كلام الشيخ : أقول : ويمكن الحمل على الإنكار ، وعلى ما دون الإيلاح كالتفخيذ ونحوه لما مرّ(4) .
والرواية مع ذلك ضعيفة من حيث السند ، وعلى تقدير الإغماض عنه تكون
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 511، أبواب حدّ السرقة ب19 ح6.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 510، أبواب حدّ السرقة ب19 ح2.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب2 ح3.
- (4) أي في باب 10 من أبواب حدّ الزنا وح2 و 6 من الباب 19 من أبواب حدّ السرقة، وفي ح1 و2 من أبواب نكاح البهائم.
(الصفحة 724)
مرجوحة ، لمخالفتها للشهرة الفتوائيّة المحقّقه كما لا يخفى .
هذا بالإضافة إلى ثبوت الحدّ . وأمّا التعزير الزائد على الحدّ فربّما يستدلّ عليه بمرسلة ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الذي يأتي المرأة وهي ميّتة ، فقال : وزره أعظم من ذلك الذي يأتيها وهي حيّة(1) .
ولكنّها مضافاً إلى كونها مرسلة ، وقد مرّ أنّ مقتضى التحقيق عدم اعتبار مرسلات مثل ابن أبي عمير أيضاً ، لا دلالة لها إلاّ على كون وزره وإثمه أعظم ، ولا ملازمة بين ذلك وبين ثبوت التعزير الزائد ، وثبوته في مثل شرب المسكر في شهر رمضان إنّما هو لتحقّق عنوان آخر زائد على أصل الفعل ، وهو عنوان الهتك بالإضافة إلى شهر رمضان ، وليس في المقام عنوان آخر ، بل مفاد الرواية مجرّد كون حرمة الميّت كحرمة الحيّ ; ولأجل ذلك تأمّل في المتن في ثبوت التعزير الزائد .
الفرع الثاني : وطء زوجته الميّتة ، والمحكيّ عن الأكثر القطع بأنّه يقتصر في التأديب فيه على التعزير(2) ، بل نفى في الجواهر وجدان الخلاف فيه(3) ، والدليل على عدم ثبوت الحدّ في هذا الفرع ـ بعد كون روايات الحدّ في الفرع السابق واردة في مورد الزنا بالأجنبيّة ; لدلالتها على أنّ الميّتة تنزّل منزلة الحيّة ـ عدم شمول أدلّة الزنا للمقام ; لعدم كونه زناء لا بحسب اللغة ولا بنظر العرف ، لبقاء علقة الزوجيّة ; ولذا يجوز له النظر إليها ولمسها وأشباه ذلك .
وحرمة الوطء بعد الموت للإجماع عليها لا يلازم ثبوت الحدّ المتوقّف على تحقّق
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 574، كتاب الحدود، أبواب نكاح البهائم ب2 ح2.
- (2) النهاية: 708، المقنعة: 790، السرائر: 3 / 468، شرائع الإسلام: 4 / 966، قواعد الأحكام: 2 / 258، اللمعة الدمشقية: 172، وقال في رياض المسائل: 10 / 227: «كما قطع به الأكثر، بل لم أجد خلافاً فيه».
- (3) جواهر الكلام: 41 / 645.
(الصفحة 725)مسألة 5 : يعتبر في ثبوت الحدّ في الوطء بالميّت ما يعتبر في الحيّ من البلوغ والعقل والإختيار وعدم الشبهة 1 .
مسألة 6 : يثبت الزنا بالميّتة واللواط بالميّت بشهادة أربعة رجال ، وقيل :
عنوان الزنا ، وقد عرفت احتمال الشيخ(قدس سره) حمل رواية أبي حنيفة المتقدّمة على زوجته الميّتة ، وإن كان يبعّده التعبير بالزنا في السؤال ، مع أنّه لا زناء في المقام .
وبالجملة : لا دليل على أزيد من التعزير الثابت في خصوص المعاصي الكبيرة أو مطلقاً ، على خلاف مرّ فيما سبق(1) .
الفرع الثالث : اللواط بالميّت ، ويدلّ على ثبوت الحدّ فيه ـ مضافاً إلى عموم دليل ثبوت الحدّ في اللواط للوطء بالميّت ; لعدم الفرق في صدقه بين الحي والميّت ـ ما تقدّم في الروايات الواردة في الفرع الأوّل من أنّ «حرمة الميّت كحرمة الحيّ» ، فإنّ ظاهرها ثبوت هذا الحكم بالنحو الكلّي وبعنوان الضابطة ; لوروده مورد التعليل ، أو وقوعه مقدّمة للحكم بثبوت حدّ الزنا في وطء الميّتة ، فلا اختصاص له بالحكم المذكور فيها ، والكلام في ثبوت التعزير الزائد ما تقدّم في الفرع الأوّل .
1 ـ أمّا اعتبار الأمور الأربعة فقد مرّ الكلام فيه مراراً(2) ، وأمّا ما يعطيه الجمود على ظاهر المتن من كون هذه الأمور معتبرة في الحدّ الثابت في الفرعين من الفروع الثلاثة المتقدّمة فهو مخدوش ; لاعتبار هذه الأمور في التعزير أيضاً ، إلاّ أن يراد بالحدّ في المتن أعمّ من التعزير ، فيشمل جميع الفروع الثلاثة ، وهو وإن كان متداولا
- (1) في ص417 ـ 424.
- (2) في ص81 ـ 83.
(الصفحة 726)يثبت بشهادة عدلين ، والأوّل أشبه ، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولامنضمّات حتى ثلاثة رجال مع امرأتين على الأحوط في وطء الميّتة ، وعلى الأقوى في الميّت ، وبالإقرار أربع مرّات 1.
في ألسنة الروايات إلاّ أنّ هذا النحو من الاستعمال في المتون الفقهيّة بعيد ، فتدبّر .
1 ـ أمّا الزنا بالميّتة الأجنبية فقد وقع الخلاف في عدد الحجّة على ثبوته ، فالمحكيّ عن الشيخين(1) وابني حمزة وسعيد(2) والعلاّمة في المختلف(3) الثبوت بشاهدين .
والأشهر بل قيل : إنّه المشهور ، بل لعلّه لا خلاف فيه بين المتأخّرين عدم الثبوت إلاّ بأربعة(4) كالزنا بالحيّة ، وفي المتن جعله أشبه أي بالقواعد .
واستدلّ للأوّل ـ مضافاً إلى عموم دليل حجيّة البيّنة ـ بما رواه إسماعيل بن أبي حنيفة ، عن أبي حنيفة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : كيف صار القتل يجوز فيه شاهدان ، والزنا لا يجوز فيه إلاّ أربعة شهود ، والقتل أشدّ من الزنا؟ فقال : لأنّ القتل فعل واحد ، والزنا فعلان ، فمن ثمّ لا يجوز إلاّ أربعة شهود : على الرجل شاهدان ، وعلى المرأة شاهدان(5) .
نظراً إلى أنّ المستفاد من التعليل الواقع فيها كفاية شاهدين في مثل القتل ممّا يكون فعلا واحداً كالمقام ، فإنّ الزنا بالميّتة لا يكون خارجاً عن هذا العنوان ،
- (1) المقنعة: 790، النهاية: 708.
- (2) الوسيلة: 415، الجامع للشرائع: 556.
- (3) مختلف الشيعة: 9 / 200 مسألة 58.
- (4) رياض المسائل: 10 / 227.
- (5) وسائل الشيعة: 19 / 103، كتاب القصاص، أبواب دعوى القتل ب1 ح1.