(الصفحة 258)مسألة 3: إذا شهد أربعة أحدهم الزوج بالزنا ، فهل تقبل وترجم المرأة أو يلاعن الزوج ويجلد الآخرون للفرية؟ قولان وروايتان ، لا يبعد ترجيح الثاني على إشكال1.
وأمّا وجوب الحضور على الشهود عقلا في موضع الرجم ، فلما عرفت في المسائل السابقة أنّه يجب تكليفاً عليهم البدأة بالرمي ، وقد تقرّر في محلّه أنّ مقدّمة الواجب لا تتّصف بالوجوب الشرعي وإن كان غيريّاً ، بل الوجوب المتعلّق بها إنّما هو من ناحية العقل ، ضرورة حكمه بلزوم الإتيان بها لأجل التمكّن من إتيان ذيها .
ومنه يظهر وجوب حضور الإمام مطلقاً ولو في صورة الثبوت بالإقرار ، للزوم البدأة في هذه الصورة ، والإتيان بالرمي بعد الشهود فيما إذا ثبت بالبيّنة ، غاية الأمر أنّ الوجوب أيضاً عقلي من باب المقدميّة .
1 ـ
أقول: القول الأوّل منسوب إلى الأكثر كما عن المسالك(1) ، وقد قوّاه صاحب الجواهر(قدس سره)(2) . والثاني محكيّ عن جماعة ، والمسألة منصوصة وردت فيها روايات متعارضة ، والبحث فيها تارة مع قطع النظر عن الروايات ، واُخرى مع ملاحظتها .
أمّا الفرض الأوّل: فالظّاهر أنّ مقتضى إطلاق ما دلّ على اعتبار الشهود الأربعة في إثبات الزنا ، ممّا عرفت أنّه لا فرق بين الزوج وبين الشاهد الأجنبي ، بعد تحقّق شرائط الشهادة فيه; من العدالة وغيرها ، بل يمكن أن يقال: بأنّ الزوج أولى بالقبول لهتك عرضه .
- (1) مسالك الأفهام: 14/394 .
- (2) جواهر الكلام: 41/365 .
(الصفحة 259)
مع أنّه يشمله ما دلّ على جواز شهادة كلّ من الرجل والمرأة للآخر وعلى الآخر ، هذا ، مضافاً إلى ظاهر قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَات بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}(1) لظهور الاستثناء في الاتّصال ، فيدلّ على أنّ الأزواج أيضاً من الشهود ، مضافاً إلى أنّ الشهادات الأربعة بمنزلة الشّهادات من الأربعة ، وإن كان يبعّده أوّلا لزوم تعقّبها باللعن ، وثانياً لزوم تأخّرها عن الرمي ، بمعنى كونها زائدة على أصل الرمي ، وكيف كان ، فلا خفاء في ظهور الآية في كون الزوج من جملة الشهود .
هذا ، مضافاً إلى قوله تعالى:
{وَالَّـتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}(2) فإنّه يشمل الزوج وغيره ، بناءً على أنّ الخطاب للحكّام .
نعم ، قوله تعالى:
{لَوْلاَ جَاءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ }(3) ظاهر في لزوم الإتيان بشهود غير نفسه ; لأنّه لا يقال: جاء الإنسان بنفسه ، ولكنّ الظّاهر أظهرية الآية المتقدّمة ، فلا مانع من كون الزوج أيضاً أحد الشهداء بقرينتها .
وأمّا الفرض الثاني: فقد وردت في المسألة رواية إبراهيم بن نعيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها؟ قال: تجوز شهادتهم(4) . وفي سندها عباد بن كثير وهو غير موثّق .
- (1) سورة النور24: 6 .
- (2) سورة النساء4: 15 .
- (3) سورة النور24: 13 .
- (4) وسائل الشيعة: 15 / 606 ، كتاب اللعان ب12 ح1 .
(الصفحة 260)
وفي مقابلها رواية زرارة ، عن أحدهما (عليهما السلام) في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها ، قال: يلاعن الزوج ويجلد الآخرون(1) .
ورواية أبي سيّار مسمع ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في أربعة شهدوا على امرأة بفجور أحدهم زوجها ، قال: يجلدون الثلاثة ويلاعنها زوجها ، ويفرّق بينهما ولا تحلّ له أبداً(2) .
وفي سندها إبراهيم بن نعيم ، والظّاهر كما عن التهذيب والفقيه(3) . هو نعيم بن إبراهيم الذي هو مجهول ، كما أنّ في سند رواية زرارة إسماعيل بن خراش ، وهو أيضاً مجهول .
وقد جمع بينهما بوجوه:
الأوّل: ما عن الشيخ(قدس سره) من حمل الطائفة الثانية على اختلال بعض الشرائط(4) .
الثاني: ما عن السرائر(5) والوسيلة(6) والجامع(7) من الجمع بينهما بسبق الزوج بالقذف وعدمه ، فيعتبر الأربعة غير الزوج في الأوّل دون الثاني ; لأنّ قوله تعالى:
{لَوْلاَ جَاءُو} فيمن ابتدأ بالقذف ، بل عن السرائر الاستشهاد بقوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلى آخرها ، نظراً إلى أنّه قد رمى زوجته ولم يكن له شهداء إلاّ نفسه ; لأنّ شهادة الثلاثة غير معتدّ بها إلاّ بانضمام شهادة الرابع ، فكأنّها
- (1) وسائل الشيعة: 15 / 606 ، كتاب اللعان ب12 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة: 15 / 606 ، كتاب اللعان ب12 ح3 .
- (3) التهذيب: 10/79 ح306 ، الفقيه: 4/52 ح5078 .
- (4) النهاية: 690 .
- (5) السرائر: 3/430 .
- (6) الوسيلة: 410 .
- (7) الجامع للشرائع: 548 .
(الصفحة 261)مسألة 4: للحاكم أن يحكم بعلمه في حقوق الله وحقوق النّاس ، فيجب عليه إقامة حدود الله تعالى لو علم بالسبب ، فيحدَّ الزاني كما يجب عليه مع قيام البيّنة والإقرار ، ولا يتوقّف على مطالبة أحد ، وأمّا حقوق الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدّاً كان أو تعزيراً ، فمع المطالبة له العمل بعلمه1.
لم تكن في الحكم(1) . وقد مرّ الجواب عن الاستشهاد بالآية .
الثالث: ما عن ابن الجنيد من حمل رواية اللعان على ما إذا كانت الزوجة مدخولا بها ليتحقّق شرط اللعان(2) .
الرابع: ما عن الصدوق من الجمع بين الخبرين(3) ـ بناءً على ما اختاره من أنّه لا لعان إلاّ في نفي الولد ـ بأنّه إذا لم ينف الولد كان أحد الأربعة ، وإلاّ حدّ الثلاثة ولاعنها .
هذا ، والظّاهر أنّ الجمع بأحد الوجوه المذكورة لا يخرج عن الجمع التبرّعي ، وهو لا يوجب خروج الروايتين عن عنوان التعارض ، فاللازم معاملة المتعارضين معهما ، والترجيح مع رواية القبول ; لموافقتها للشُّهرة أوّلا ، وللكتاب ثانياً على ما عرفت .
وإن شئت فقل بعدم حجيّة شيء من الروايات ; لضعفها من حيث السند ، واللازم الرجوع إلى غيرها ، وقد مرّ أنّ مقتضاه القبول .
1 ـ وقع الخلاف ـ بعد أنّه لا خلاف بيننا معتدّ به في أنّ الإمام المعصوم يقضي
- (1) السرائر: 3/431 .
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/138 مسألة 2 .
- (3) من لا يحضره الفقيه: 4/52 ، المقنع: 440 .
(الصفحة 262)
بعلمه مطلقاً في حقّ الله وحقّ الناس ـ في أنّ الحاكم غيره هل يجوز له القضاء بعلمه مطلقاً ، أو لا يجوز له كذلك ، أو يكون هناك تفصيل ؟ فالأكثر على الأوّل ، وحكى السيد في الانتصار عن أبي عليّ بن الجنيد الثاني(1) ، ولكن في محكيّ المسالك عن ابن الجنيد في كتابه الأحمدي جواز الحكم في حدود الله دون حقّ الناس(2) ، والمحكيّ عن ابن إدريس(3) وابن حمزة(4) عكس ذلك ، وهو الجواز في حقوق الناس دون حقوق الله تعالى ، وعن حدود النهاية: إذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر كان عليه أن يقيم الحدّ عليه ، ولا ينتظر مع مشاهدته قيام البيّنة ولا الإقرار . وليس ذلك لغيره ، بل هو مخصوص به . وغيره ، وإن شاهد يحتاج أن يقوم له بيّنة أو إقرار من الفاعل(5) .
وكيف كان فقد استدلّ على القول الأوّل ، وهو الجواز مطلقاً بوجوه:
الأوّل: الإجماع المدّعى في كلمات جماعة من الفقهاء وكتبهم ، كالإنتصار(6)والغنية(7) والخلاف(8) ونهج الحق(9) وبعض الكتب الاُخر ، وقد اعتمد عليه غاية
- (1) الإنتصار: 488 .
- (2) مسالك الأفهام: 13/384 .
- (3) السرائر: 2/179 ، ولكن ظاهر صدر كلامه التعميم . وكذا قال في ج3/432: للقاضي أن يحكم بعلمه مطلقاً .
- (4) الوسيلة: 218 .
- (5) النهاية: 691 .
- (6) الإنتصار: 486 ، 487 ـ 488.
- (7) غنية النزوع: 436 .
- (8) الخلاف: 6/242 ـ 244 مسألة 41 .
- (9) نهج الحقّ: 563 .