(الصفحة 640)
مضافاً إلى أنّ البحث في عنوان المحارب إنّما هو في الحقيقة بحث عن عنوان الإفساد ; لما عرفت من كون إرادة الإفساد مأخوذاً في معنى المحارب ، وفي الحقيقة يكون البحث في أحكام المحارب بحثاً عن أحكام المفسد ، فتدبّر .
إذا عرفت ما ذكرنا فلنتكلّم في معنى المحارب ، فنقول :
إنّ السلاح المأخوذ في التعريف هل هو مختصّ بالحديد كالسيف ونحوه من الآلات الحديديّة المعدّة للقتل المتنوّعة في زماننا هذا ؟ بل الظاهر على هذا التقدير الشمول لمثل الرمح والسكّين كما في بعض الروايات(1) . أو أنّ المراد به كلّ ما يقاتل به وإن لم يكن من حديد كالعصا والحجر وغيرهما ؟ بل في محكيّ الروضة الاكتفاء في المحاربة بالأخذ بالقوّة وإن لم يكن عصاً أو حجراً(2) ، حكى في كشف اللثام عن الأكثر الوجه الثاني ، وعن أبي حنيفة اشتراط شهر السلاح من الحديد(3) ، وقال يظهر احتماله من التحرير (4) ،(5).
ويدلّ على العموم رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) في رجل أقبل بنار ، فأشعلها في دار قوم فاحترقت واحترق متاعهم ، أنّه يغرم قيمة الدار وما فيها ثمّ يقتل(6) . بناءً على كون القتل إنّما هو لأجل كونه محارباً لا لعنوان آخر .
نعم ، في رواية جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) ما يمكن استفادة الخلاف منه ، حيث قال (عليه السلام):من أشاربحديدة في مصر قطعت يده،ومن ضرب بها قتل(7). ولكن لا يستفاد
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 534، أبواب حدّ المحارب ب2 ح4.
- (2) الروضة البهيّة: 9 / 292.
- (3) المغني لابن قدامة: 10 / 304.
- (4، 5) تحرير الأحكام: 2 / 234، كشف اللثام: 2 / 431.
- (6 ، 7) وسائل الشيعة: 18 / 538، أبواب حدّ المحارب ب3 ح1 و3.
(الصفحة 641)
منها الإنحصار، والظاهر هوالوجه الثاني وإن كان التعميم للأخذ بالقوّة محلّ إشكال.
ثمّ إنّ المراد من الناس الذي أضيفت إليه الإخافة [في المتن] هل هو جماعة منهم ، أو يشمل الواحد أيضاً ، فلو جرّد سلاحه وأخاف واحداً بقصد الإفساد في الأرض يكون محارباً؟ فيه وجهان ، والظاهر هو الوجه الثاني تبعاً لصاحب الجواهر(قدس سره)(1) ; لعدم الفرق بينه وبين الجماعة .
كما أنّ المراد من الناس ، هل هو خصوص المسلمين كما في محكيّ كشف اللثام(2) ، أو كلّ من تحرم إخافته في الشريعة ولو كان من أهل الذمّة؟ الظاهر هو الوجه الثاني أيضاً ; لعدم الدليل على الاختصاص بالمسلمين ، خصوصاً بعد عدم التعرّض له في كلام غيره .
وأمّا الإخافة ، فيعتبر فيها أمران :
أحدهما : كون الإخافة بمنظور الإفساد في الأرض ، وإلاّ فلو كانت الإخافة بسبب تجريد السلاح وتجهيزه لا لإرادة الإفساد في الأرض ، بل لعداوة أو لغرض من الأغراض ، كما إذا كانت بمنظور دفعهم عن الإيذاء والإهانة ، أو بمنظور آخر ولو لم يكن شرعيّاً ، فالظاهر عدم تحقّق عنوان المحارب ، وإن قال في الجواهر : لم أجد تنقيحاً لذلك في كلام الأصحاب(3) .
ثانيهما : تحقّق الخوف عقيب الإخافة ، فهي إذا كانت مجرّدة عن الخوف ـ وإن جرّد سلاحه بالقصد المزبور ـ لا يتحقّق معه عنوان المحارب . نعم ، لو كانت إخافته بحدٍّ يوجب في بعض الأحيان والأشخاص ، فالظاهر كونه داخلا فيه كما في المتن ،
- (1) جواهر الكلام: 41 / 564.
- (2) كشف اللثام: 2 / 430.
- (3) جواهر الكلام: 41 / 569.
(الصفحة 642)
وأمّا ما في الجواهر من تحقّق عنوان المحارب وإن لم يحصل معه خوف أو أخذ مال(1)فالظاهر عدم تماميّته ; لأنّ الإخافة غير المؤثّرة ولو بنحو الموجبة الجزئيّة لا تكون محرّمة ظاهراً ; لأنّ حرمة الإخافة إنّما هي لأجل الخوف الحاصل عقيبها لا لنفسها ، وإن لم يترتّب عليها أثر خارجاً أصلا .
وأمّا التعميم للمصر ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى عموم الآية المتقدّمة ، وكون شأن نزولها قطَّاع الطريق كما عليه أكثر المفسّرين(2) لا يوجب اختصاص الحكم المذكور في الآية به كما هو ظاهر ـ روايات متعدّدة :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم المفصّلة ، التي يأتي البحث فيها من جهة اُخرى في المسائل الآتية ، حيث إنّها تشتمل على قوله (عليه السلام) : ومن شهر السلاح في مصر من الأمصار، وضرب وعقر وأخذ المال ولم يقتل فهومحارب، فجزاؤه جزاء المحارب(3).
ومنها : رواية سورة بن كليب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل يخرج من منزله يريد المسجد أو يريد الحاجة ، فيلقاه رجل ويستعقبه فيضربه ويأخذ ثوبه؟ قال : أي شيء يقول فيه من قِبَلكم؟ قلت : يقولون : هذه دغارة معلنة ، وإنّما المحارب في قرىً مشركة ، فقال : أيّهما أعظم حرمةً؟ دار الإسلام ، أو دار الشرك؟ قال : فقلت : دار الإسلام ، فقال : هؤلاء من أهل هذه الآية :
{إنَّما جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ}(4) إلى آخر الآية(5) . ولكن ليس في مورد الرواية تجريد
- (1) جواهر الكلام: 41 / 567.
- (2) تفسير القمّي: 1 / 167، مجمع البيان: 3 / 312، الكشّاف: 1 / 628، المنتخب من تفسير القرآن: 1/223.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 532، أبواب حدّ المحارب ب1 ح1.
- (4) سورة المائدة 5: 33.
- (5) وسائل الشيعة: 18 / 537، أبواب حدّ المحارب ب2 ح2.
(الصفحة 643)
السلاح ولا وجود وسيلة اُخرى .
ومنها : غير ذلك من الروايات الظاهرة في التعميم .
وأمّا عدم اشتراط كونه من أهل الريبة ففيه خلاف ، والأكثر على عدم الاشتراط كما في المتن ، والمحكيّ عن ظاهر النهاية(1) والقاضي(2) والراوندي(3) بل عن صريح الدروس(4) هو الاشتراط ، ومقتضى عموم الكتاب وجملة من الروايات العدم ، ولكن صحيحة ضريس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من حمل السلاح بالليل فهو محارب ، إلاّ أن يكون رجلا ليس من أهل الريبة(5) . ربّما يستظهر منها الاشتراط .
والظاهر أنّ الصحيحه إنّما هي في مقام الإثبات ، ومعناها أنّ مجرّد حمل السلاح إذا كان في الليل يوجب الحكم عليه بأنّه محارب ، إلاّ إذا لم يكن الرجل من أهل الريبة ، والبحث إنّما هو في مقام الثبوت ، وأنّه يعتبر فيه أن يكون من أهل الريبة واقعاً أم لا ، فلا ترتبط الرواية بالمقام .
وهل يستوي فيه الذكر والانثى كما عند الأكثر(6) بل المشهور ، بل في بعض الكتب الإشعار بالإجماع عليه(7) أم لا؟ كما هو المحكيّ عن الإسكافي ، حيث اعتبر
- (1) النهاية: 720.
- (2) المهذّب: 2 / 553.
- (3) فقه القرآن: 2 / 387.
- (4) الدروس الشرعيّة: 2 / 59.
- (5) وسائل الشيعة: 18 / 537، أبواب حدّ المحارب ب2 ح1.
- (6) المبسوط: 8 / 56، الخلاف: 5 / 470 مسألة 15، شرائع الإسلام: 4 / 959، الجامع للشرائع: 241، قواعد الأحكام: 2 / 271، رياض المسائل: 10 / 205.
- (7) كنز العرفان: 2 / 351، مختلف الشيعة: 9 / 260 مسألة 111.
(الصفحة 644)
الذكورة(1) .
وقد استدلّ له في محكيّ السرائر جواباً عن الشيخ(قدس سره) بأنّ الذي يقتضيه أُصول المذهب أن لا يقتلنّ إلاّ بدليل قاطع ، والتمسّك بالآية ضعيف ; لأنّها خطاب للذكور دون الاناث ، قال : ومن قال تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق التبع فذلك مجاز ، والكلام في الحقائق والمواضع التي دخلن في خطاب الرجال فبالإجماع دون غيره(2) .
ولكنّ الظاهر كما في المتن هو التعميم ; لأنّه [يدلّ عليه] ـ مضافاً إلى أنّ العرف لا يفهم من تعبير الآية الاختصاص بوجه ; لعدم الفرق بينها وبين سائر الآيات الواقع فيها عنوان «الذين» وكان الحكم فيها عامّاً قطعاً ، خصوصاً مع ملاحظة كون الملاك هي إرادة الإفساد في الأرض ، التي لا فرق فيها بين الرجل والمرأة أصلا ـ عموم التعبير الواقع في كثير من الروايات ، مثل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، التي وقع التعبير فيها بـ «من» العامّ للرجل والمرأة ، والآية على تقدير عدم الشمول للمرأة لا دلالة فيها على الاختصاص بوجه ، كما لا يخفى .
والعجب أنّ ابن إدريس ذكر بعد ما يزيد على صفحة يسيراً : على ما حكاه صاحب الجواهر عن نسخة السرائر الحاضرة عنده : قد قلنا : إنّ أحكام المحاربين تتعلّق بالرجال والنساء سواء على ما تقدّم من العقوبات ، لقوله تعالى :
{إنّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ}(3) الآية ، ولم يفرّق بين الرجال والنساء ، فوجب حملها على العموم(4) .
- (1) مختلف الشيعة: 9 / 259 مسألة 111.
- (2) السرائر: 3 / 508.
- (3) سورة المائدة 5: 33.
- (4) السرائر: 3 / 510.