(الصفحة 21)في تحقّق الإكراه في طرف الرجل كما يتحقّق في طرف المرأة1.
1 ـ اشترط في ثبوت الحدّ على كلّ من الزّاني والزّانية اموراً أربعة ، وهي الشرائط التي اشير إليها في ذيل المسألة الاُولى بقوله: مع شرائط يأتي بيانها ، والظاهر أنّ هذه الشرائط لا تكون زائدة على ما أفاده في تعريف الزنا الموجب للحدّ ; لعدم ثبوت التحريم الفعلي مع فقدان شيء منها ، وكيف كان .
فالأول : البلوغ ، ويدلّ على اعتباره مضافاً إلى رفع القلم عن الصبيّ(1) روايات متعدّدة:
منها: صحيحة يزيد الكناسي ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم وزوّجت واقيمت عليها الحدود التامّة لها وعليها ، قال: قلت: الغلام إذا زوَّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك أتقام عليه الحدود على تلك الحال؟ قال: أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا ، ولكن يجلد في الحدود كلّها على مبلغ سنّه ، ولا تبطل حدود الله في خلقه ، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم(2) . ورواه الشيخ(قدس سره) إلاّ أنّه زاد بعد مبلغ سنّه: فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة .
ومنها: صحيحة حمّاد بن عيسى ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام)قال: لا حدّ على مجنون حتّى يفيق ، ولا على صبيّ حتّى يدرك ، ولا على النّائم حتّى يستيقظ(3) .
والثاني: العقل ، والبحث فيه تارة في المجنونة إذا زنت ، واُخرى في المجنون
- (1) وسائل الشيعة: 1 / 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ب4 ح11 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 314 ، أبواب مقدّمات الحدود ب6 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 316 ، أبواب مقدّمات الحدود ب8 ح1 .
(الصفحة 22)
إذا زنى .
أمّا الأوّل: لا خلاف بين الأصحاب قديماً وحديثاً في سقوط الحدّ عنها ، ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى رفع القلم عنها ، واشتراط التكليف بالعقل ، وإلى صحيحة حمّاد المتقدّمة ، لظهور كون المراد من المجنون فيها أعمّ من المجنونة ، كما أنّ المراد من الصبيّ فيها أيضاً أعمّ من الصبيّة ـ ما رواه المفيد(قدس سره) في محكيّ الإرشاد قال: روت العامّة والخاصّة أنّ مجنونة فجر بها رجل وقامت البيّنة عليها ، فأمر عمر بجلدها الحدّ ، فمرّ بها عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: ما بال مجنونة آل فلان تقتل؟ فقيل له: إنّ رجلا فجر بها فهرب وقامت البيّنة عليها ، فأمر عمر بجلدها ، فقال لهم: ردّوها إليه وقولوا له: أما علمت أنّ هذه مجنونة آل فلان ، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله) قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق ، وأنّها مغلوبة على عقلها ونفسها ، فردّوها إليه فدرأ عنها الحدّ(1) .
وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) في امرأة مجنونة زنت ، قال: إنّها لا تملك أمرها ، ليس عليها شيء(2) .
وأمّا الثاني: فالمشهور بين الأصحاب هو سقوط الحدّ عنه ، ولكنّه نسب الخلاف إلى الشيخين(3) والصدوق(4) والقاضي(5) وابن سعيد(6) . ودليل المشهور ـ مضافاً إلى رفع القلم عنه كما في المجنونة ـ صحيحة حمّاد ورواية الإرشاد
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 316 ، أبواب مقدّمات الحدود ب8 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 388 ، أبواب حدّ الزنا ب21 ح1 .
- (3) النهاية: 696 ، المقنعة: 779 .
- (4) المقنع: 436 .
- (5) المهذّب: 2 / 521 .
- (6) الجامع للشرائع: 552 .
(الصفحة 23)
المتقدّمتان ، وصحيحة أو حسنة فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لا حدّ لمن لا حدّ عليه ، يعني لو أنّ مجنوناً قذف رجلا لم أر عليه شيئاً ، ولو قذفه رجل فقال: يا زان! لم يكن عليه حدّ(1) فإنّ ذكر المجنون بعنوان المصداق للضابطة المذكورة أوّلا ـ الناظرة إلى نفي ثبوت طبيعة الحدّ النفعي لمن كانت طبيعة الحدّ الضرري منتفية بالإضافة إليه ـ يدلّ على انتفاء الحدّ الضرري مطلقاً ، ومنه حدّ الزنا الذي هو محلّ البحث في المقام في المجنون ، كما لا يخفى .
ودليل المخالفين هو ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان ، عن إبراهيم بن الفضل ، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا زنى المجنون أو المعتوه جلد الحدّ وإن كان محصناً رجم ، قلت: وما الفرق بين المجنون والمجنونة والمعتوه والمعتوهة؟ فقال: المرأة إنّما تؤتى ، والرّجل يأتي ، وإنّما يزني إذا عقل كيف يأتي اللذة ، وإنّ المرأة إنّما تستكره ويفعل بها ، وهي لا تعقل ما يفعل بها(2) .
والكلام في هذه الرواية تارة من جهة السند ، واُخرى من حيث الدلالة:
أمّا من جهة السند فقد ضعفت الرواية من جهة وجود إبراهيم بن الفضل فيه ، نظراً إلى أنّه لم يرد فيه توثيق ولا مدح .
ولكنّه ربما يقال: بأنّ تضعيف الرواية مشكل من جهة أنّ إبراهيم المذكور هو الهاشمي ، كما يظهر من جامع الرواة ، وهو إماميّ ، وقيل: هو حسن . واستشعر المحقّق الوحيد البهبهاني(قدس سره) في التعليقة وثاقته من جهة رواية جعفر بن بشير عنه(3) ،
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 332 ، أبواب مقدّمات الحدود ب19 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 388 ، أبواب حدّ الزنا ب21 ح2 .
- (3) تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 26 .
(الصفحة 24)
مضافاً إلى عمل الشيخين والصدوق والقاضي وابن سعيد (قدس سرهم) .
أقول: ظاهر جامع الرواة وإن كان ما ذكر ، حيث أورد هذه الرواية في ضمن الروايات الواقع في سندها إبراهيم بن الفضل الهاشمي(1) ، إلاّ أنّه كما في «قاموس الرجال»(2): لا دليل على كون المراد بإبراهيم المذكور فيها هو الهاشمي ، لأنّها كلّها بلفظ إبراهيم بن الفضل ، ولعلّ المراد به هو إبراهيم بن الفضل المدني أبو اسحاق الذي عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السلام) متّصلا بإبراهيم بن الفضل الهاشمي(3) ، وعلى تقدير كون المراد به ذلك لا دليل على وثاقته أو كونه حسناً ، وعمل المذكورين معارض بإعراض المشهور عن الرواية وتضعيفهم لها ، كما لا يخفى .
وبعد ذلك كلّه لا مجال للاتّكال على الرواية ، خصوصاً بعد دلالتها على حكم مخالف للروايات الكثيرة المتقدّمة الدّالة على عدم ثبوت الحدّ على المجنون .
وأمّا من جهة الدلالة ، ففيها إشكال أيضاً ; لأنّ تعليل الفرق بين المجنون والمجنونة بما ذكر في الرواية لا يستقيم ، لأنّه إن كان المراد به ثبوت تمييز وشعور للمجنون بقدر أقلّ مناط التكليف ـ كما حمل الرواية على ذلك في الوسائل بعد نقلها ـ ففيه: أنّه خارج عن الفرض ، لأنّ محلّ البحث هو المجنون الكامل الذي لا يكون فيه مناط التكليف بوجه ، وإن كان المراد به وجوده في المجنون الكامل ، فيرد عليه أنّ الجنون الراجع إلى مسألة العقل إنّما يكون مرتبطاً بمزيّة متحقّقة في الإنسان ، مميّزة له عن الحيوان ، وأمّا الشهوة وإتيان اللّذة فترتبط بجهة الحيوانية
- (1) جامع الرواة: 1/29 .
- (2) قاموس الرجال: 1/258 .
- (3) رجال الشيخ: 144 رقم 25 ، 26 .
(الصفحة 25)
الموجودة في الإنسان ، ولذا يتحقّق ذلك من الحيوانات مع كونها بعيدة عن العقل ، فالإنصاف عدم استقامة التعليل .
هذا ، مع أنّ المستفاد من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الواردة في المجنونة أنّ العلّة لعدم ثبوت شيء عليها هو أنّها لا تملك أمرها ، ومن الواضح جريان هذا التعليل في المجنون أيضاً ، فالأظهر بملاحظة ما ذكرنا عدم الفرق بين المجنونة والمجنون من هذه الجهة .
والثالث: العلم بالتحريم حال وقوع الفعل منه ، والظاهر أنّ المراد بالعلم أعمّ من العلم الوجداني ، فيشمل الأمارة المعتبرة على الحرمة ، كما يدلّ عليه قوله بعده: اجتهاداً أو تقليداً ، كما أنّه يشمل ما لو كان مقتضى الأصل كاستصحاب حرمة المرأة المشكوكة الحرمة ، وعليه فالمراد من العلم بالحرمة هي وجود الحجّة على التحريم حال صدور العمل ، كما أنّ الظاهر عدم اختصاص العلم بخصوص العلم التفصيلي ، والشمول للعلم الإجمالي ، كما إذا كانت المرأة المحرّمة مردّدة بين اثنتين أو أزيد ، فإذا وطأها كذلك وانكشف كونها هي المرأة المحرّمة يثبت عليه الحدّ ; لأنّ المفروض تنجّز الحرمة بسبب العلم الإجمالي .
ثمّ إنّه يظهر من تفريع عدم ثبوت الحدّ في مورد النسيان وكذا الغفلة أنّ المراد من العلم ليس خصوص ما يقابل الجهل ، بل ما يقابله والنسيان والغفلة ، فالمراد منه هو العلم مع التوجّه والالتفات .
والدليل على اعتبار هذا الأمر ـ مضافاً إلى الأدلّة العامّة الواردة في مورد الجهل والنسيان الظاهرة في عدم ثبوت الحدّ ، كحديث الرفع الدّال على رفع ما لا يعلم ، والنسيان ، وغيرهما من الامور المرفوعة فيه ـ الروايات الخاصّة الواردة في المقام :
كصحيحة حمران قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن امرأة تزوجت في عدّتها بجهالة