(الصفحة 424)السادس : قيل : إنّه يكره أن يزاد في تأديب الصبيّ على عشرة أسواط ، والظاهر أنّ تأديبه بحسب نظر المؤدِّب والوليّ ، فربّما تقتضي المصلحة أقلّ وربّما تقتضي الأكثر ، ولا يجوز التجاوز ، بل ولا التجاوز عن تعزير البالغ ، بل الأحوط دون تعزيره ، والأحوط منه الإكتفاء بستّة أو خمسة 1.
جعل فيها مقتضى الاحتياط عدم التجاوز عن أقلّ الحدود ، مع أنّ مقتضاه عدم البلوغ إليه كما لا يخفى .
ثمّ لا يخفى أنّ البحث في مقدار التعزير إنّما هو في التعزيرات التي ليس لها مقدّر شرعيّ ، وأمّا ما كان له مقدّر شرعيّ ، فمع كونه من مصاديق التعزير ، كما في الموارد الخمسة المذكورة في المسالك(1) في شرح قول المحقّق في أوّل بحث كتاب الحدود في ضابطة الحدّ والتعزير(2) فخارج عن محلّ البحث ، وأمّا مع عدم كونه من مصاديق التعزير كما احتملناه واعترضنا على المسالك على ما عرفت هناك فلا يرتبط بالمقام أصلا .
1 ـ الظاهر أنّ المراد من تأديب الصبي في هذا الفرع هو التأديب في الامور المتعارفة التي يتعارف فيها تأديب الصبيّ ، ولا يشمل مثل ارتكاب المحرّمات الشرعية مثل الزنا واللواط ، فإنّ مقدار التعزير فيها ما مرّ في الفرع السابق ; لإطلاق أدلّة تقدير التعزير وعدم اختصاصها بغير الصبي ، فإذا زنى صبيّ يكون مقدار تعزيره ما عرفت ، مضافاً إلى أنّ الحكم فيها هو اللزوم والوجوب ; لعدم الفرق بين الحدّ والتعزير من هذه الجهة ، وأمّا التأديب المتعارف في الصبيان فالظاهر
- (1) مسالك الأفهام: 14 / 326.
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 932.
(الصفحة 425)
أنّ حكمه هو الرجحان غير البالغ حدّ الوجوب .
والظاهر أنّه لا دليل على القول المحكيّ في المتن لا بالإضافة إلى عدم كراهة عشرة أسواط ، ولا بالنسبة إلى كراهة ما زاد . وما في مرسلة الفقيه المتقدّمة في الفرع السابق من قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «لا يحلّ لوال يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجلد أكثر من عشرة أسواط إلاّ في حدّ» فالظاهر أنّ مورده التعزير في الموارد المناسبة للحدّ ، خصوصاً بملاحظة ذكر الوالي ، لا ما يشمل التأديب في المقام ، مع أنّ مقتضاه عدم جواز ما زاد ، لا مجرّد الكراهة .
والروايات الواردة في المقام أربعة : إثنتان منها واردتان في تأديب الأب للصبي ، وواحدة في تأديب اليتيم ، والرابعة في تأديب المعلّم .
أمّا ما ورد في تأديب الصبيّ فموثّقة حمّاد بن عثمان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : في أدب الصبيّ والمملوك ، فقال : خمسة أو ستّة ، وأرفق(1) . والظاهر أنّ المراد هو الرفق في الكيفيّة .
وموثّقة إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ربّما ضربت الغلام في بعض ما يجرم ، قال : وكم تضربه؟ قلت : ربّما ضربته مائة ، فقال : مائة؟! مائة؟! فأعاد ذلك مرّتين ، ثمّ قال : حدّ الزنا؟! اتّق الله ، فقلت : جعلت فداك فكم ينبغي لي أن أضربه؟ فقال : واحداً ، فقلت : والله لو علم أنّي لا أضربه إلاّ واحداً ما ترك لي شيئاً إلاّ أفسده ، قال : فإثنين ، فقلت : هذا هو هلاكي ، قال : فلم أزل أماكسه حتّى بلغ خمسة ، ثمّ غضب فقال : يا إسحاق إن كنت تدري حدّ ما أجرم فأقم الحدّ فيه ،
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 581، أبواب بقيّة الحدود ب8 ح1.
(الصفحة 426)
ولا تعدّ حدود الله(1) .
والظاهر أنّ المراد من الجملة الأخيرة الإرجاع إلى تشخيص الأب ما تقتضيه المصلحة من مقدار التعزير ، فمرجعه إلى تجويز إقامة ذلك المقدار ، وعدم جواز التعدّي عنه . وعليه فالرواية تكون مستندة لما استظهر في المتن من الإرجاع إلى نظر الوليّ ورعاية المصلحة ، ولكن ذلك لا ينافي كون مقتضى الاحتياط الاكتفاء بستّة أو خمسة المذكورة في الرواية الأُولى ، خصوصاً مع احتمال كون المراد بالرفق المأمور به فيها هو الرفق من جهة الكميّة بعدم التجاوز عن العدد المذكور فيها .
ثمّ إنّ الاحتياط بعدم التجاوز عن تعزير البالغ ، بل عدم البلوغ إليه لعلّ الوجه فيه أنّ مورد تعزير البالغ إنّما هو الأُمور المحرّمة غير المشروعة ، فإذا كان التعزير فيه بمقدار مخصوص فتأديب الصبي في الأُمور المتعارفة ينبغي أن يكون أقلّ من ذلك ، كما لا يخفى .
وأمّا ما ورد في اليتيم فموثّقة غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أدِّب اليتيم ممّا تؤدِّب منه ولدك ، واضربه ممّا تضرب منه ولدك (2). وظاهرها اشتراكه مع الصبي في الحكم ، فيجري فيه ما يجري فيه .
وأمّا ما ورد في المعلّم فرواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخيّر بينهم ، فقال : أما أنّها حكومة ، والجور فيها كالجور في الحكم ، أبلغو معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه(3) .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 339، أبواب بقيّة الحدود ب30 ح2.
- (2) وسائل الشيعة: 15 / 197، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد ب85 ح1.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 582، أبواب بقيّة الحدود ب8 ح2.
(الصفحة 427)
ولا دليل على اتّحاد المعلّم مع غيره من مثل الأب ومؤدِّب اليتيم في الحكم ، وإن كان ظاهر إطلاق المتن يقتضي الإتّحاد .
تتمّة
ينبغي بعد التعرّض لمسألة التعزير من جهة المقدار والكميّة التعرّض لها من جهة الكيفيّة ، وأنّه هل يكون له أنواع مختلفة ، أو ينحصر بالضرب؟ لا بكلّ آلة بل بخصوص السوط ، فلا مجال للضرب بغيره ، فضلا عن غير الضرب من الحبس والتغريم المالي والمنع من بعض المزايا والحقوق التي كانت له ، ولم أدر من تعرّض في باب التعزير لهذه الجهة .
والظاهر أنّ استفادة تعميم التعزير من طريق حكومة الفقيه العادل و سعة حكومته لكلّ ما كان للرسول(صلى الله عليه وآله) التصدّي له والحكم فيه ممّا لا مجال له أصلا ، فإنّ ثبوت هذه الحكومة والولاية للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة وإن كان أمراً ظاهراً يقتضيه العقل والنقل من الكتاب والسنّة ، إلاّ أنّها لا تقتضي كون اختيار مصاديق التعزير والتأديب بيد الحكّام بعد عدم اقتضاء الدليل الشرعي للتعميم ، كما أنّ ثبوت تلك الولاية لا يقتضي أن يكون أمر الحدود بأيديهم ، فلا يجوز للحاكم أن يجري على الزاني بدل مائة جلدة الثابت بالكتاب والسنّة تعزيراً آخر بدنيّاً أو ماليّاً أو غيرهما ، فكذلك التعزير ، فإنّه إذا اقتضى دليله نوعاً خاصّاً لا يجوز التعدّي عن ذلك النوع ، ولو كانت دائرة ولاية الفقيه متّسعة بتمام المعنى .
فاللاّزم ملاحظة الدليل ، فنقول : يمكن استفادة العموم من الإطلاقات الواردة في التعزير ، الدالّة على ثبوت نفس هذا العنوان من دون التعرّض لكيفيّة خاصّة ، فإنّ مقتضاها لزوم هذا العنوان المساوق للتأديب ، والروايات المتقدّمة الواردة في
(الصفحة 428)
مقدارالتعزير ـ وأنّه مادون الأربعين أوبضعة عشرأسواطاًوغيرهمامن التعبيرات ـ لا يظهر منها تقييد المطلقات بالإضافة إلى الكيفيّة أيضاً ، فإنّ ظاهرها أنّه لو أُريد التعزير بالضرب بالسوط فمقداره كذا ، وأمّا أنّه يجب أن يكون الضرب بخصوص السوط ـ بحيث كان مرجعها إلى التقييد من جهتين : إحداهما : لزوم كونه بنحو الضرب بالسوط . وثانيتهما : لزوم رعاية المقدار المذكور فيها بنحو الحدّ الأكثر أو مطلقاً ـ فالظاهر عدم دلالتها على ذلك ، وعليه فيمكن الرجوع إلى المطلقات والحكم بعدم لزوم التعزير بالضرب بالسوط على سبيل التعيّن ، كما لا يخفى .
ويدلّ على العموم أيضاً رواية حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل وجد تحت فراش رجل ، فأمر به أمير المؤمنين (عليه السلام)فلوّث في مخرأة(1) .
والمخرأة اسم مكان من الخرء وهو الغائط ، وتناسب هذا النحو من التعزير مع اللواط أو مقدّماته واضح .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قضى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيمن سرق الثمار في كمّه ، فما أكلوا منه فلا شيء عليه ، وما حمل فيعزَّر ويغرم قيمته مرّتين(2) .
والظاهر أنّ الكِمّ ـ بالكسر ـ ومعناه الغلاف الذي يحيط بالثمر فيستره ثمّ ينشقّ منه ، وليس هو الكُمّ ـ بالضم ـ مدخل اليد ومخرجها من الثوب . وروى في الوافي بدل : فما أكلوا منه «فما أكل منه»(3) وهو الظاهر ، ومنشأ نفي الشيء عليه باعتبار كونه حقّ المارّة ظاهراً ، والاستدلال بالرواية على المقام مبنيّ على كون قوله (عليه السلام) :
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 424، أبواب حدّ اللواط ب6 ح1.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 516، أبواب حدّ السرقة ب23 ح2.
- (3) الوافي: 15/432، وكذا في التهذيب: 10/110 ح431، والكافي: 7/230 ح3، والوسائل طبعة آل البيت (عليهم السلام).