(الصفحة 613)
القول في اللّواحق
مسألة 1 : لو سرق إثنان نصاباً أو أكثر بما لا يبلغ نصيب كلّ منهما نصاباً ، فهل يقطع كلّ واحد منهما أو لا يقطع واحد منهما؟ الأشبه الثاني1.
1 ـ لا إشكال في ثبوت القطع فيما لو سرق إثنان وبلغ نصيب كلّ واحد منهما نصاباً ، كما أنّه لا إشكال في عدم ثبوته فيما إذا كان ما أخرج كلّ واحد منهما مستقلاًّ غير بالغ حدّ النصاب ، إنّما الإشكال والخلاف فيما إذا اشتركا في الإخراج ، ولم يبلغ نصيب كلّ واحد منهما حدّ النصاب ، ولكن بلغ المجموع إلى النصاب أو أكثر ، فالمحكيّ عن المفيد(1) والمرتضى(2) ونهاية الشيخ(3) وجميع أتباعه(4) وجوب القطع ،
- (1) المقنعة: 804.
- (2) الإنتصار: 531.
- (3) النهاية: 718 ـ 719.
- (4) المهذّب: 2 / 540، الوسيلة: 419، إصباح الشيعة: 524.
(الصفحة 614)
وعن الإنتصار والغنية(1) الإجماع عليه .
والمحكيّ عن الخلاف(2) والمبسوط(3) أنّه إذا نقب ثلاثة ، فبلغ نصيب كلّ واحد نصاباً قطعوا ، وإن كان دون ذلك فلا قطع كما عن ابن الجنيد(4) وابن إدريس(5) والعلاّمة(6) ، بل نسب إلى عامّة المتأخّرين(7) ، بل عن الخلاف الإجماع عليه .
والبحث في المسألة تارةً من جهة القاعدة ، واُخرى من جهة بعض الروايات الواردة في المسألة .
أمّا من الجهة الأولى ، فربّما يقال : بأنّه تصدق سرقة النصاب على مجموعهما المستلزم لسقوط الحدّ مع ترك قطعهما بعد وجود شرائطه ، وقطع أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح فليس إلاّ قطعهما .
ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ; لعدم وجود شرائط القطع في المقام ، فإنّ السرقة الموجبة للقطع المعتبر فيها النصاب هو ما لوحظ بالإضافة إلى سارق واحد في سرقة واحدة ، ضرورة أنّه لا مجال لاعتبار النصاب في أزيد من سارق واحد ، كما أنّه لا مجال لاعتباره في أزيد من سرقة واحدة ، فإذا سرق شخص واحد من شخص آخر مرّات متعدّدة ، ولم يبلغ شيء من المرّات حدّ النصاب لا يتحقّق
- (1) غنية النزوع: 433.
- (2) الخلاف: 5 / 420 مسألة 8.
- (3) المبسوط: 8 / 28.
- (4) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 228 مسألة 84.
- (5) السرائر: 3 / 492.
- (6) قواعد الأحكام: 2 / 265، تحرير الأحكام: 2 / 232، مختلف الشيعة: 9 / 228 مسألة 84.
- (7) رياض المسائل: 10 / 201.
(الصفحة 615)
موجب القطع بوجه .
والمقام من هذا القبيل ، فإنّه وإن كان يصدق على كلّ واحد منهما عنوان السارق ، إلاّ أنّه لا يصدق عليه أنّه سرق النصاب ، والاشتراك في الإخراج لا يوجب تحقّق هذا العنوان ، وإضافة سرقة النصاب إلى المجموع لا تكفي بعد اعتبار لزوم ملاحظة ذلك بالنسبة إلى كلّ واحد منهما ، فالقاعدة تقتضي عدم القطع .
وأمّا من الجهة الثانية ، فقد ورد في المسألة روايتان :
إحداهما : صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفر نحروا بعيراً فأكلوه فامتحنوا أيّهم نحروا ، فشهدوا على أنفسهم أنّهم نحروه جميعاً ، لم يخصّوا أحداً دون أحد ، فقضى (عليه السلام) أن تقطع أيمانهم(1) .
ثانيتهما : مرسلة الشيخ في الخلاف ، قال : روى أصحابنا أنّه إذا بلغت السرقة نصاباً وأخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع(2) .
والرواية الاُولى وإن كانت صحيحة كما عرفت ، إلاّ أنّ الظاهر ثبوت الإجمال فيها من حيث الدلالة ; لظهورها في أنّ منشأ القطع وموجبه هو وقوع النحر من الجميع واستناده إليهم ، مع أنّ القطع على تقديره إنّما هو لأجل سرقة البعير وإخراجه من الحرز ، ولو سلّم كون مراعاة المالك له في الصحراء حرزاً بالإضافة إليه على خلاف ما قويّناه في السابق ، فالقطع مستند إلى السرقة من دون فرق بين النحر وعدمه ، مع أنّ الرواية ظاهرة في إستناده إلى النحر ، فاللازم أن يقال بكونها
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 531، أبواب حدّ السرقة ب34 ح1.
- (2) الخلاف: 5 / 421 في ذيل مسألة 8.
(الصفحة 616)مسألة 2 : لو سرق ولم يقدر عليه ، ثمّ سرق ثانية فأُخذ وأُقيمت عليه البيّنة بهما جميعاً معاً دفعة واحدة أو أقرَّ بهما جميعاً كذلك قطع بالأولى يده ولم تقطع بالثانية رجله ، بل لا يبعد أن يكون الحكم كذلك لو تفرّق الشهود فشهد إثنان بالسرقة الاُولى ، ثمّ شهد إثنان بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ ، أو أقرّ مرّتين دفعة بالسرقة الاُولى ومرّتين دفعة اُخرى بالسرقة الثانية قبل قيام الحدّ ، ولو قامت الحجّة بالسرقة ثمّ أمسكت حتى أُقيم الحدّ وقطع يمينه ثمّ قامت الأُخرى قطعت رجله1.
قضيّة في واقعة .
والرواية الثانية وإن كانت مرسلة ، إلاّ أنّها موافقة للشهرة المحقّقة بين القدماء من الأصحاب كما مرّ ، ولهذه الجهة يمكن دعوى إنجبار ضعفها بذلك ، ومخالفة الشهرة بين المتأخّرين لا تقدح في الإنجبار ، فتصير المسألة من هذه الجهة مشكلة ، ولعلّه لذا قال المحقّق في الشرائع : والتوقّف أحوط(1) .
1 ـ لو سرق مرّتين وأُقيمت عليه البيّنة بهما معاً دفعة واحدة، ففي المسألة قولان:
أحدهما : ما عن المقنع(2) والفقيه(3) والكافي للحلبي(4) وقواعد العلاّمة(5) من أنّه يقطع بالاُولى .
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 957.
- (2) المقنع: 446.
- (3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 65.
- (4) الكافي في الفقه: 412.
- (5) قواعد الأحكام: 2 / 271، وكذا في تحرير الأحكام: 2 / 232.
(الصفحة 617)
ثانيهما : ما اختاره المحقّق في الشرائع من أنّه يقطع بالأخيرة(1) .
والظاهر أنّ المراد من القطع بالأُولى هو قطع اليد اليمنى الثابت في أوّل مراتب حدّ السرقة كما مرّ ، ومن القطع بالثانية هو قطع الرجل اليسرى الثابت في المرتبة الثانية من حدّها ، وعليه ففائدة الخلاف في المسألة ظاهرة ، لرجوعه إلى أنّه هل اللازم قطع اليد اليمنى أو قطع الرجل اليسرى؟ ولا مجال لإثبات فائدة اُخرى غير هذه الفائدة .
ولكن قال في الجواهر : قيل : وتظهر فائدة القولين لو عفا من حكم بالقطع لأجله مع تعدّد المسروق منه(2) ثمّ نقل عن المسالك(3) إنكار هذه الفائدة وأجاب عنه ، ثمّ حكى عن كشف اللثام(4) الإنكار بنحو آخر وأجاب عنه أيضاً(5) .
ويظهر من ذلك أنّهم تخيّلوا أنّ محلّ الخلاف هو قطع خصوص يد اليمنى ، غاية الأمر أنّ النزاع وقع في أنّ منشأه هل هو السرقة الاُولى أو السرقة الثانية ، فإنّه على هذا الفرض ينبغي البحث في ثمرة هذا الخلاف ، وأمّا على ما ذكرنا فلا تصل النوبة إلى هذا البحث .
والتحقيق أن يقال : إنّه قد وردت في هذه المسألة رواية واحدة ، فتارة يقال باعتبارها من حيث السند وصحّتها كما هو الحقّ ، فلا يبقى مجال لكثير من المباحث، واُخرى يقال بضعفها وعدم إمكان الاعتماد عليها ، فاللاّزم حينئذ البحث على طبق
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 957.
- (2) راجع المهذّب البارع: 5 / 120.
- (3) مسالك الأفهام: 14 / 529.
- (4) كشف اللثام: 2 / 430.
- (5) جواهر الكلام: 41 / 548.