(الصفحة 403)فروع
الأولّ : من سبّ النبي (صلى الله عليه وآله) ـ والعياذ بالله ـ وجب على سامعه قتله ما لم يخف على نفسه أو عرضه ، أو نفس مؤمن أو عرضه ، ومعه لا يجوز ، ولو خاف على ماله المعتدّ به أو مال أخيه كذلك جاز ترك قتله ، ولا يتوقّف ذلك على إذن من الإمام(عليه السلام) أو نائبه ، وكذا الحال لو سبّ بعض الأئمّة(عليهم السلام) ، وفي إلحاق الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) بهم وجه ، بل لو رجع إلى سبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقتل بلا إشكال 1.
1 ـ الكلام في هذا الفرع يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في سبّ النبي(صلى الله عليه وآله) ولا إشكال ولا خلاف في وجوب قتله في الجملة ، بل في الجواهر الإجماع بقسميه عليه(1) ، ويدلّ على ذلك مضافاً إلى ما ذكر روايات متعدّدة :
منها : صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عمّن شتم
- (1) جواهر الكلام: 41 / 432.
(الصفحة 404)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فقال : يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفع إلى الإمام(1) .
وقد حقّق في الأصول ظهور الجملة الخبرية في مثل هذه المقامات في الوجوب ، بل أظهريّتها من صيغة إفعل وما يشابهها .
ومنها : رواية عليّ بن جعفر قال : أخبرني أخي موسى (عليه السلام) قال : كنت واقفاً على رأس أبي حين أتاه رسول زياد بن عبيدالله الحارثي ـ عامل المدينة ـ فقال : يقول لك الأمير : إنهض إليّ ، فاعتلّ بعلّة ، فعاد إليه الرسول فقال : قد اُمرت أن يفتح لك باب المقصورة فهو أقرب لخطوك ، قال : فنهض أبي واعتمد عليّ ودخل على الوالي ، وقد جمع فقهاء أهل المدينة كلّهم ، وبين يديه كتاب فيه شهادة على رجل من أهل وادي القرى قد ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) فنال منه ، فقال له الوالي : يا أبا عبدالله انظر في الكتاب ، قال : حتّى أنظر ما قالوا ، فالتفت إليهم فقال : ما قلتم؟ قالوا : قلنا يؤدَّب ويضرب ويعزَّر (يعذَّب) ويحبس ، قال : فقال لهم : أرأيتم لو ذكر رجلا من أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وآله) ما كان الحكم فيه؟ قالوا : مثل هذا ، قال : فليس بين النبيّ(صلى الله عليه وآله)وبين رجل من أصحابه فرق؟! فقال الوالي : دع هؤلاء يا أبا عبدالله لو أردنا هؤلاء لم نرسل إليك ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أخبرني أبي أنَّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال : الناس فيَّ اُسوة سواء ، من سمع أحداً يذكرني فالواجب عليه أن يقتل من شتمني ولا يرفع إلى السلطان ، والواجب على السلطان إذا رفع إليه أن يقتل من نال منّي ، فقال زياد بن عبيدالله : أخرجوا الرجل فاقتلوه بحكم أبي عبدالله (عليه السلام)(2) .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّ رجلا من هذيل كان
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 554، أبواب حدّ المرتدّ ب7 ح1.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 459، أبواب حدّ القذف ب25 ح2.
(الصفحة 405)
يسبّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فبلغ ذلك النبي(صلى الله عليه وآله) فقال : من لهذا؟ فقام رجلان من الأنصار فقالا : نحن يا رسول الله ، فانطلقا حتّى أتيا عربة ، فسألا عنه ، فإذا هو يتلقّى غنمه ، فقال : من أنتما وما اسمكما؟ فقالا له : أنت فلان بن فلان؟ قال : نعم ، فنزلا فضربا عنقه .
قال محمّد بن مسلم : فقلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أرأيت لو أنّ رجلا الآن سبّ النبي(صلى الله عليه وآله) أيقتل؟ قال : إن لم تخف على نفسك فاقتله(1) .
ومنها : غير ذلك من الروايات الدالّة على وجوب قتل سابّ النبي(صلى الله عليه وآله) عموماً أو خصوصاً .
فلا إشكال في أصل الحكم ، كما أنّه لا ينبغي الإشكال في تقييد الحكم بما إذا لم يكن هناك خوف على نفسه ، نظراً إلى صحيحة محمّد بن مسلم ، غاية الأمر أنّ مفادها نفي الوجوب مع الخوف . وأمّا عدم الجواز فلا دلالة لها عليه ، بل يستفاد من أدلّة وجوب التحفّظ على النفس واحترامها .
وبلحاظ هذه الأدلّة يستفاد أنّه لا فرق بين الخوف على نفسه وبين الخوف على نفس مؤمن آخر وإن كان ظاهر الصحيحة الاقتصار على الخوف على النفس ، إلاّ أنّ مفادها جريان التقيّة في هذا الأمر ، ولا فرق فيه بينهما ، كما أنّه يستفاد من المجموع عدم الاختصاص بما إذا كان هناك خوف على النفس أيّ نفس كانت ، بل يعمّ الخوف على العرض مطلقاً أيضاً ، لاحترامه في الشريعة وجريان التقيّة بالإضافة إليه كذلك .
وأمّا المال فإن كان يسيراً غير معتدّ به فلا إشكال في عدم كون الخوف عليه
- (1) الكافي: 7 / 267 ح33، وسائل الشيعة: 18 / 460، أبواب حدّ القذف ب25 ح3.
(الصفحة 406)
رافعاً للوجوب ، وأمّا إذا كان خطراً معتدّاً به فظاهر المتن جواز الترك في هذه الصورة ، ولعلّ وجهه مثل دليل نفي الحرج الرافع للإلزام فقط لا الجواز ، فتدبّر .
ثمّ إنّ مقتضى صحيحة هشام المتقدّمة عدم التوقّف على الرجوع إلى الإمام (عليه السلام)أو نائبه والاستئذان منه ، بل ظاهر ذيل رواية عليّ بن جعفر النهي عن الرفع إلى السلطان ، ولعلّه بلحاظ وقوعه في مقام توهّم الوجوب يفيد نفي الوجوب فقط ، ويؤيّده فرض الرفع إلى السلطان بعد هذا النهي والحكم عليه بوجوب القتل ، كما لا يخفى .
المقام الثاني : في سبّ بعض الأئمّة (عليهم السلام) ، والظاهر ـ مضافاً إلى نفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر ، بل دعوى ثبوت الإجماع بقسميه عليه(1) ـ أنّه بعد ثبوت الحكم في المقام الأولّ بالإضافة إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) لا حاجة إلى ورود دليل خاصّ بالنسبة إلى الأئمّة (عليهم السلام) ; لوضوح كونهم بحكمه وأنّهم يجرون مجراه ، وقد عبّر الكتاب العزيز في آية المباهلة(2) عن عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، ومن المعلوم أنّه لا فرق بينه وبين أولاده المعصومين (عليهم السلام) من هذه الجهة ، وعليه فلا حاجة إلى الاستشهاد على سريان هذا الحكم في سبّ الأئمّة (عليهم السلام) إلى رواية أو غيرها ، إلاّ أنّ هنا روايات تؤكّد هذا الحكم .
منها : صحيحة هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تقول في رجل سبّابة لعلي (عليه السلام)؟ قال : فقال لي : حلال الدم والله لو لا أن تعمّ به بريئاً . قال : قلت : لأيّ شيء يعمّ به بريئاً؟ قال : يقتل مؤمن بكافر ، ولم يزد على ذلك(3) . هذا على نقل
- (1) جواهر الكلام: 41 / 435.
- (2) سورة آل عمران 3: 61.
- (3) علل الشرائع: 601 ح59 من نوادر العلل.
(الصفحة 407)
الصدوق . وأمّا على نقل الكليني ، فبعد قوله (عليه السلام) : «لو لا أن تعمَّ به بريئاً» قال : قلت : فما تقول في رجل مؤذ لنا؟ قال : في ماذا؟ قلت : فيك يذكرك ، قال : فقال لي : له في عليّ (عليه السلام)نصيب؟ قلت : إنّه ليقول ذلك ويظهره ، قال : لا تعرّض له(1) .
والنهي عن التعرّض له بناءً على النقل الأخير محمول على صورة الخوف عليه بقرينة الصدر الظاهر في حليّة دمه . وقال العلاّمة المجلسي(قدس سره) في محكيّ مرآة العقول : «لو لا أن تعمّ» أي أنت أو البليّة بسبب القتل من هو برىء منه ، وقوله (عليه السلام) : «له في عليّ (عليه السلام) نصيب» يحتمل أن يكون المراد به أنّه هل يتولّى عليّاً (عليه السلام)ويقول بإمامته؟ فقال الراوي : نعم ، هو يظهر ولايته (عليه السلام) ، فقال : «لا تعرّض له» أي لأجل أنّه يتولّى عليّاً (عليه السلام)فيكون هذا إبداء عذر ظاهراً ; لئلا يتعرّض السائل لقتله فيورث فتنة ، وإلاّ فهو حلال الدم ، إلاّ أن يحمل على ما لم ينته إلى الشتم بل نفي إمامته (عليه السلام) ، ويحتمل أن يكون استفهاماً إنكاريّاً ، أي من يذكرنا بسوء كيف يزعم أنّ له في عليّ (عليه السلام) نصيباً؟ فتولّى السائل تكراراً لما قال أوّلا ، ويمكن أن يكون الضمير في قوله (عليه السلام) : «له» راجعاً إلى الذكر ، أي قوله يسري إليه (عليه السلام) أيضاً ، ومنهم من قال : هو تصحيف «نصب» بدون الياء(2) .
ومنها : رواية عبدالله بن سليمان العامري قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أيّ شيء تقول في رجل سمعته يشتم عليّاً (عليه السلام) ويبرأ منه؟ قال : فقال لي : والله هو حلال الدم ، وما ألف منهم برجل منكم ، دعه(3) .
ومنها : رواية عليّ بن حديد قال : سمعت من سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) فقال : إنّي
- (1) الكافي: 7 / 269 ـ 270 ح44، وسائل الشيعة: 18 / 461، أبواب حدّ القذف ب27 ح1.
- (2) مرآة العقول: 23 / 419 ذ ح44.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 462، أبواب حدّ القذف ب27 ح2.