(الصفحة 200)
في بئر ، مع أنّ الكفالة في كلام الفقهاء هي التصدّي للرضاع ذلك المقدار ، وهي الواقعة مقام المرضع .
ولكن يمكن دفع المناقشة من الجهة الاُولى بظهور الرواية في تأخّر الرجم عن ذلك ، وإن كان موردها قبل تنجّز الحدّ بسبب الإقرار .
ثمّ إنّ المحكيّ عن كشف اللثام أنّه قال بعد نقل هذه الرواية: ولمّا لم يكمل نصاب الإقرار إلاّ بعد ذلك لم يسترضع (عليه السلام) لولدها ، وإلاّ فالظّاهر وجوبه والأُجرة من بيت المال إن لم يتبرّع أحد ولا كان للولد مال ، إذ ليس في الحدود نظر ساعة إذ لا مانع(1) .
وأورد عليه في الجواهر بأنّ إطلاق الموثّق والنبويّ المزبورين يقضي بعدم وجوب ذلك ، مضافاً إلى الأصل وبناء الحدود على التخفيف الذي يصلح أن يكون هذا وشبهه عذراً في تأخيره(2) .
ويؤيّده ظهور رواية الإرشاد في وجود الكافل وحصوله بنفسه من دون تحصيله والتتبّع عنه ، وكذا رواية ميثم موردها أيضاً ذلك ، فتدبّر .
ثمّ إنّه قد قيّد في المتن إجراء الحدّ مع وجود الكافل بما إذا لم يتحقّق الخوف عليه ، والظاهر أنّ المراد هو الخوف من جهة فقدان الاُمّ ، فإنّه قد يوجد الكافل بعد مضيّ سنة من حياة الولد مثلا ، وفي مثله ربّما يتحقّق اُنس الولد بالأُمّ بمثابة يكون الفراق والفصل موجباً لتحقّق الخوف عليه ، وعليه فلابدّ من تأخير الحدّ إلى إرتفاع الخوف وزواله ، ووجهه يظهر ممّا ذكرنا .
- (1) كشف اللثام: 2/403 .
- (2) جواهر الكلام: 41/339 .
(الصفحة 201)مسألة 9: يجب الحدّ على المريض ونحوه كصاحب القروح والمستحاضة إذا كان رجماً أو قتلا ، ولا يجلد أحدهم إذا لم يجب القتل أو الرجم خوفاً من السراية ، وينتظر البرء ، ولو لم يتوقّع البرء أو رأى الحاكم المصلحة في التعجيل ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط أو شماريخ ونحوهما ، ولا يعتبر وصول كلّ سوط أو شمراخ إلى جسده ، فيكفي التأثير بالاجتماع وصدق مسمّى الضرب بالشماريخ مجتمعاً ، ولو برأ قبل الضرب بالضغث حدّ كالصحيح ، وأمّا لو برأ بعده لم يعد ، ولا يؤخّر حدّ الحائض ، والأحوط التأخير في النفساء1.
1 ـ في هذه المسألة فروع:
الأوّل: وجوب إجراء حدّ الرجم والقتل على المريض وصاحب القروح والمستحاضة ، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ; لإطلاق الأدلّة والنهي عن تعطيل الحدّ ، وأنّه ليس فيه نظر ساعة ، والفرض أنّ نفسه مستوفاة ، فلا فرق بينه وبين الصحيح(1) .
هذا ، ومقتضى إطلاق رواية السكوني الآتية في الفرع الثاني ، الواردة في المستحاضة ، الدالّة على أنّه لا يقام الحدّ عليها حتّى ينقطع الدم عنها ، تأخير الرجم أيضاً ، ولكن الظّاهر أنّه غير مفتى به .
ثمّ إنّه ذكر في محكيّ المسالك أنّه يحتمل جواز تأخيره إن ثبت زناه بالإقرار إلى أن يبرأ ; لأنّه بسبيل من الرجوع ، وربما رجع بعد ما رمي . . . ومثله يأتي في رجمه في شدّة الحرّ والبرد(2) . وقد تبع في ذلك ما في القواعد من عدم الرجم في المريض
- (1) جواهر الكلام: 41/339 ـ 340 .
- (2) مسالك الأفهام: 14/377 .
(الصفحة 202)
والمستحاضة إن توهّم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره ، وعلّل بالإحتياط للدم والإبقاء عليه ما أمكن(1) . وقد ردّه في الجواهر بقوله: وفيه ما لا يخفى(2) . والوجه فيه أنّ السقوط بمثل الرجوع لا يستلزم جواز التأخير بوجه أصلا .
الثاني: أنّه لا يجلد أحدهم فيما إذا كان الجلد بمجرّده ، لا مجتمعاً مع الرجم ، ضرورة أنّه مع الاجتماع لا يجوز التأخير كنفس الرجم فيما إذا كان هناك خوف من السراية ، بل يتوقّع بهم البرء ، ويدلّ عليه روايات ، مثل:
رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل أصاب حدّاً وبه قروح في جسده كثيرة ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أقروه حتّى تبرأ ، لا تنكؤها عليه فتقتلوه(3) .
ورواية مسمع بن عبدالملك ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اُتي برجل أصاب حدّاً وبه قروح ومرض وأشباه ذلك ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أخّروه حتّى تبرأ ، لا تنكأ قروحه عليه فيموت ، ولكن إذا برأ حدّدناه(4) . والظّاهر اتّحادها مع الرواية الاُولى ، غاية الأمر تعدّد الراوي .
ورواية السكوني أيضاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يقام الحدّ على المستحاضة حتّى ينقطع الدم عنها(5) .
ثمّ الظّاهر أنّه ليس المراد من قوله (عليه السلام): «فتقتلوه» هو العلم بتعقّب الجلد للقتل
- (1) قواعد الأحكام: 2/254 .
- (2) جواهر الكلام: 41/340 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 321 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح4 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 322 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح6 .
- (5) وسائل الشيعة: 18 / 321 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح3 .
(الصفحة 203)
من جهة نكأ القروح وقشرها قبل أن تبرء ، بل الخوف من جهة المعرضيّة لذلك ، كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد هو الخوف من ترتّب القتل ، بل أعمّ منه ومن خوف الشدّة، وزيادة المرض ، وحصول السراية ولو لم يعلم بعدم ترتّب القتل عليه أصلا ، والشاهد أنّ المتفاهم العرفي من ذلك هو ما ذكر ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ الغرض من التعذيب بالجلد هو حصول العذاب له بهذا المقدار ، لا بأمر زائد عليه كزيادة المرض والقتل ، وعليه فالمستفاد من الروايات هو ما في المتن من التعبير بالخوف من السراية الملازمة لزيادة المرض ، فالقتل يكون مجوّزاً للتأخير بطريق أولى .
الثالث: أنّه لو لم يتوقّع البرء ، كالسرطان في هذه الأزمنة ، والسل ، وبعض الأمراض الاخر في الأزمنة السابقة ، أو اقتضت المصلحة بحسب نظر الحاكم التعجيل في إجراء الحدّ ، فقد ذكر في المتن أنّه ضربهم بالضغث المشتمل على العدد من سياط وشماريخ ونحوها ، والمستند وجود روايات دالّة على ذلك ، مثل:
صحيحة أبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اُتي رسول الله(صلى الله عليه وآله) برجل دميم قصير قد سقى بطنه وقد درّت عروق بطنه ، قد فجر بالمرأة ، فقالت المرأة: ما علمت به إلاّ وقد دخل عليّ، فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله): أزنيت؟فقال له:نعم ـ ولم يكن أحصن ـ فصعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) بصره وخفضه ، ثمّ دعا بعذق فعدّه مائة ، ثمّ ضربه بشماريخه(1).
وموثّقة سماعة ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه أُتي برجل كبير البطن قد أصاب محرّماً ، فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعرجون فيه مائة شمراخ ، فضربه مرّة واحدة ، فكان الحدّ(2) .
ورواية يحيى بن عباد المكّي قال: قال لي سفيان الثوري: إنّي أرى لك من أبي
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 321 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح5 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 322 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح7 .
(الصفحة 204)
عبدالله (عليه السلام) منزلة ، فسله عن رجل زنى وهو مريض ، إن أقيم عليه الحدّ مات (خافوا أن يموت خ ل) ما تقول فيه؟ فسألته ، فقال: هذه المسألة من تلقاء نفسك؟ أو قال لك إنسان: أن تسألني عنها؟ فقلت: سفيان الثوري سألني أن أسألك عنها ، فقال أبوعبدالله (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) اُتي برجل أحتبن (أحبن خل) مستسقى البطن ، قد بدت عروق فخذيه ، وقد زنى بامرأة مريضة ، فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعذق فيه شمراخ ، فضرب به الرجل ضربة ، وضربت به المرأة ضربة ، ثمّ خلّى سبيلهما ، ثمّ قرأ هذه الآية:
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ}(1) .
وبعض الروايات الاُخر الواردة في المسألة ، وإن كان مقتضى ما أشرنا إليه مراراً كون هذه الروايات ـ الحاكية لقصّة الرجل الذي اُتي رسول الله(صلى الله عليه وآله) به ـ رواية واحدة حاكية عن قصّة واحدة ، لا روايات متعدّدة ناظرة إلى قضايا كذلك .
وكيف كان ، فمقتضى الجمع بين هذه الروايات وبين الروايات المتقدّمة ، الواردة في الفرع الثاني ، خصوصاً بملاحظة ورودها في مورد المرض الذي يتوقّع البرء فيه ، حمل هذه على ما لو لم يتوقّع البرء فيه ، خصوصاً بعد كون موردها الاستسقاء الذي لم يكن قابلا للعلاج في تلك الأزمنة ظاهراً .
نعم ، فيما إذا رأى الحاكم المصلحة في التعجيل يجري الحدّ بالنحو المذكور أيضاً ، جمعاً بين وجود المصلحة وبين عدم إيذاء المريض بالجلد زائداً على ما يقتضيه أصل الجلد ، وقد جمع الشيخ(قدس سره) بينهما بهذا النحو ، قال: لأنّه إذا كان إقامة الحدّ إلى الإمام فهو يقيمها على حسب ما يراه ، فإن كانت المصلحة تقتضي إقامتها في الحال أقامها على وجه لا يؤدّي إلى تلف نفسه ، كما فعل النبي(صلى الله عليه وآله) ، وإن اقتضت المصلحة
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 320 ، أبواب مقدّمات الحدود ب13 ح1 ، والآية في سورة ص : 38 / 44 .