(الصفحة 226)
الرواية الاُولى.
ولكنّا بعد القول بحجيّة رواية صفوان المتقدّمة نلتزم بكونها مقيّدة لإطلاق الروايتين ، وموجبة لحملهما على صورة كون الزنا ثابتاً بالإقرار .
ثالثها: عدم لزوم بدأة شخص خاصّ أو فرقة خاصّة ، بل الغاية الاستحباب(1)، نظراً إلى ضعف رواية صفوان وقصورها عن الدلالة على حكم وجوبي ، والروايتان المطلقتان وإن كانتا ظاهرتين في وجوب بدأة الإمام ، إلاّ أنّ قصّة ماعز بن مالك التي استفاضت نصوص الفريقين فيها ، ومنها رواية حسين بن خالد المتقدّمة في المسألة الثانية ، ظاهرة في عدم الوجوب ; لعدم حضور النبي(صلى الله عليه وآله)حين الرجم ، بل عدم حضور أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً كما يدلّ عليه رواية حسين ، فضلا عن البدأة بالرجم ، فهذه تدلّ على عدم الوجوب وتوجب صرف ما ظاهره الوجوب عن ظاهره .
ولكن عرفت أنّ رواية صفوان معتبرة وموجبة للتقييد في الروايتين ، ولا مجال لرفع اليد عن ظهورها في الوجوب ، ولا دلالة لقصّة ماعز على العدم ; لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ بعض طرق نقلها لم يتعرّض لحضور النبي(صلى الله عليه وآله) ، وعدم الحكاية لحضوره أعمّ من عدمه ـ يمكن أن يكون عدم الحضور لمانع ، وفي الحقيقة يكون ذلك قصّة في واقعة خاصّة ، مع أنّ الظّاهر أنّ المراد بالإمام أعمّ منه ومن نائبه ، ويمكن حضور نائبه في هذه الجهة في ذلك ، كما لا يخفى .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الظّاهر والأوفق بنصوص المسألة هو القول الأوّل ، الذي اختاره في المتن تبعاً للمشهور .
- (1) راجع مسالك الأفهام: 14/386 ورياض المسائل: 10/70 .
(الصفحة 227)مسألة 4: يجلد الرجل الزاني قائماً مجرّداً من ثيابه إلاّ ساتر عورته ، ويضرب أشدّ الضرب ، ويفرّق على جسده من أعالي بدنه إلى قدمه ، ولكن يتّقى رأسه ووجهه وفرجه ، وتضرب المرأة جالسة وتربط عليها ثيابها ، ولو قتله أو قتلها الحدّ فلا ضمان1.
1 ـ في هذه المسألة أحكام:
الأوّل: إنّه يجلد الرجل الزاني قائماً ، بخلاف المرأة ، فإنّها تضرب جالسة ، وتدلّ عليه صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: يضرب الرجل الحدّ قائماً والمرأة قاعدة ، ويضرب على كلّ عضو ويترك الرأس والمذاكير ، ورواه الشيخ والصدوق(1) مثله ، إلاّ أنّهما قالا: «ويترك الوجه والمذاكير»(2) .
الثاني: إنّه يجلد الرجل الزاني مجرّداً من ثيابه إلاّ ساتر عورته ، وفاقاً للمحقّق في الشرائع(3) والنافع(4) والعلاّمة في القواعد(5) . بل عن غاية المرام: أنّه المشهور(6) ، وإن قال في الجواهر: وإن كنّا لم نتحقّقه(7) . ويدلّ عليه ـ مع أنّ حقيقة الجلد ضرب الجلد كقولهم: ظهره وبطنه ورأسه أي ضرب ظهره وبطنه ورأسه ـ موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد ،
- (1 ، 2) الكافي: 7 / 173 ح1 ، التهذيب: 10 / 31 ح104 ، من لا يحضره الفقيه: 4/29 ح5011 ، وسائل الشيعة: 18/369 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح1 .
- (3) شرائع الإسلام: 4/939 .
- (4) المختصر النافع: 295 .
- (5) قواعد الأحكام: 2/254 .
- (6) غاية المرام: 4 / 320 .
- (7) جواهر الكلام: 41/359 .
(الصفحة 228)
فقلت: من فوق الثياب؟ فقال: بل يجرّد(1) .
وموثّقته الاُخرى قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الزاني كيف يجلد؟ قال: أشدّ الجلد ، قلت: فمن فوق ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه ، قلت: فالمفتري؟ قال: يضرب بين الضربين جسده كلّه فوق ثيابه(2) . والظاهر اتّحاد الروايتين وإن جعلهما في الوسائل متعدّداً .
ولا مجال لإلغاء خصوصيّة الرجولية من الزاني المذكور في الرواية ، فالتجريد يختصّ بالرجال ، وإن كان يؤيّده الحكم الأوّل المذكور فيها كما لا يخفى ، وفي مقابل هذا القول ما نسبه إلى القيل في الشرائع(3) ، وهو محكي عن الشيخ(4) وجماعة(5) ، بل في الجواهر(6): هو المشهور كما اعترف به غير واحد ، بل عن ظاهر الغنية(7)الإجماع ، وهو أنّه يجلد على الحال التي وجد عليها ، إن عارياً فعارياً ، وإن كاسياً فكاسياً .
نعم ، عن ابن إدريس ما لم يمنع الثوب من إيصال شيء من ألم الضرب(8) . وعن المبسوط: وإن كان يمنع من ألم الضرب كالفروة والجبّة والمحشوة نزعها وترك
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 369 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح3 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 369 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح2 .
- (3) شرائع الإسلام: 4/939 .
- (4) النهاية: 700 .
- (5) الكافي في الفقه: 407 ، المراسم: 255 ، إصباح الشيعة: 516 ، المهذّب: 2/527 ، الوسيلة: 412 .
- (6) جواهر الكلام: 41/359 .
- (7) غُنية النزوع: 425.
- (8) السرائر: 3/452 .
(الصفحة 229)
بقميص أو قميصين(1) .
ويدلّ عليه رواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) قال: لا يجرّد في حدّ ولا يشنح يعني يمدّ ، وقال: ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها ، إن وجد عرياناً ضرب عرياناً ، وإن وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه(2) . ورواه في الوافي عن الفقيه ، إلاّ أنّه قال: لا يشنج ـ بالجيم ـ و«يوجد» مكان «وجد»(3) . والظّاهر كما يظهر بمراجعة اللغة هو بالجيم ، لأنّ معناه هو التقلّص والإنقباض ، وفي مقابله المد والانبساط . وقال في كشف اللثام: ولفظ «يوجد» في الخبر يحتمل الواو والجيم وإهمال الدّال ، والهمزة وإعجام الخاء والذّال(4) .
والظّاهر بملاحظة قوله (عليه السلام) بعده: «إن وجد عرياناً . . .» وكذا قوله (عليه السلام): «وإن وجد . . .» هو «يوجد» ، كما أنّ الظّاهر أنّ المراد هو الوجدان في حال الزنا والعمل ، لا الوجدان في حال الأخذ والرفع إلى الحاكم ، وذلك لوضوح المناسبة الشديدة بين حال إيقاع العمل وبين حال إجراء الحدّ ، وعدم وجود مناسبة أصلا بين حال الأخذ وحال إجراء الحدّ ، كما لا يخفى .
وكيف كان ، لا مجال للمناقشة في سند الرواية ، إمّا لاعتباره في نفسه ، وإمّا لانجبار الضعف على تقديره باستناد المشهور إليها والفتوى على طبقها ، فلابدّ من ملاحظتها مع الموثّقة المتقدّمة الدالّة على لزوم التجريد مطلقاً .
وما قيل في هذا المقام اُمور:
- (1) المبسوط: 8/69 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 370 ، أبواب حدّ الزنا ب11 ح7 .
- (3) الوافي: 15/279 ـ 280 ح15054 .
- (4) كشف اللثام: 2/402 .
(الصفحة 230)
أحدها: ثبوت التعارض بينهما فتسقطان ، والمرجع حينئذ هي إطلاقات أدلّة الجلد من الكتاب والسنّة ، ومقتضاها جواز الجلد كاسياً .
ويرد عليه منع التعارض أوّلا ، لما سيأتي في الأمر الثالث ، وعدم كون الحكم هو التساقط بعد فرض التعارض ، لموافقة رواية طلحة للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في باب المتعارضين .
ثانيها: ما في محكيّ كشف اللثام من الجمع بينهما بالتخيير(1) .
ويرد عليه أنّه إن كان المراد أنّ التخيير مقتضى الجمع العرفي بينهما ، كما هو ظاهر كلامه ، فيرد عليه منع ذلك ; لما سيأتي في الأمر الثالث ، وإن كان المراد أنّ الحكم بعد فرض التعارض هو التخيير ، فيرد عليه المنع ، سواء كان المراد به هو الحكم العقلي ; لأنّه عبارة عن التساقط ، أو الشرعي ; لأنّه متفرّع على عدم ثبوت شيء من المرجّحات ، وقد عرفت ثبوته .
ثالثها: تخصيص الموثّقة برواية طلحة ; لدلالتها على لزوم التجرّد مطلقاً ، وهي تدلّ على لزومه فيما إذا كان مجرّداً حال الزنا ، فهي مقيّدة لها . وهذا الوجه هو الظّاهر ، ومقتضاه التفصيل المنسوب إلى المشهور .
نعم ، يشكّل الأمر من جهة عدم تعرّض المتن للقول المشهور ولو بالإشارة ، كما فعله المحقّق في الشرائع ، حيث اختار لزوم التجرّد ، ونسب التفصيل إلى القيل(2) ، ومن جهة اختيار لزوم التجرّد مطلقاً ، مع أنّ مقتضى ما ذكرنا تعيّن القول بالتفصيل .
- (1) كشف اللثام: 2/402 .
- (2) شرائع الإسلام: 4/939 .