(الصفحة 248)
الكليني ، واُخرى بسند آخر مرسلا عن مسمع كردين ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)مثله(1) .
وعلى أيّ حال فالرواية ضعيفة من حيث السند ، إمّا للإرسال وإمّا لغيره ، ولكنّها منجبرة بفتوى الأصحاب به من غير خلاف يعرف ، كما اعترف به في محكيّ المعتبر(2) والذكرى(3) ، هذا من جهة السند . وأمّا من جهة المتن ففي التهذيب «يغتسلان» بدل يغسّلان .
وليس المراد من قوله (عليه السلام): «يغسّلان» أنّ المباشر للغسل غيرهما من الحاكم أو نائبه ، بل الظّاهر أنّ المراد به هو الأمر بأن يغتسل بنفسه ; لعدم معهوديّة غسل الحي القادر عليه كغسل الميّت ، غاية الأمر أنّ شدّة الإضافة ربّما تقتضي وقوع النيّة من الآمر ، ولذا احتاط في المتن نيّته أيضاً زائدة على نيّة المأمور .
كما أنّ المستفاد من هذا القول وممّا عطف عليه من التحنيط والتكفين خصوصاً بعد الاقتصار على الصلاة عليه بعد الرجم ، أنّ هذا الغسل هو غسل الميّت قد قدِّم على الموت في المرجوم والمقتصّ منه ، لا أنّه غسل آخر ، فلابدّ من مراعاة الكميّة والكيفيّة المعتبرتين فيه ، كما أنّ المراد من التكفين هو التكفين المعتبر في الميّت وكذا التحنيط ، وعليه فلا مجال للتمسّك بإطلاق وجوب التغسيل والحكم بكفاية غسل واحد على نحو سائر الأغسال .
نعم ، يستفاد من الإطلاق الدّالّ على الاكتفاء بهذا الغسل ، عدم لزوم الإعادة لو أحدث قبل القتل ، من دون فرق بين ما إذا كان الحدث هو الأصغر أو الأكبر ، كما أنّ مقتضى الاقتصار على الصلاة عليه بعد الرجم عدم لزوم غسل الدم من كفنه ،
- (1) التهذيب: 1/334 ح978 و 979 .
- (2) المعتبر في شرح المختصر: 1/347 .
- (3) ذكرى الشيعة: 1 / 329 .
(الصفحة 249)
مع أنّ القاعدة تقتضي تلطّخه بالدم ، كما أنّ مقتضاه عدم تكرار الغسل بعده ; لأنّه لا يلائم مع التقديم ، وفي رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)الواردة في قصّة رجل أتاه ـ أي عليّاً (عليه السلام) ـ بالكوفة ، المشتملة على رجمه والصلاة عليه ودفنه ، فقيل: يا أمير المؤمنين ألا تغسّله؟ فقال: قد اغتسل بما هو طاهر إلى يوم القيامة ، لقد صبر على أمر عظيم(1) .
فإنّ الظّاهر أنّ المراد بقوله (عليه السلام): قد اغتسل هو الاغتسال الواقع قبل الرجم ، خصوصاً مع وقوعه جواباً عن الاعتراض عليه من جهة عدم التغسيل ، ويحتمل أن يكون المراد به هو التطهير الحاصل بإجراء الحدّ والرجم ، ويؤيّده التعبير بالتطهير في قول الرجل في صدر الرواية: «إنّي زنيت فطهّرني» وكيف كان فلا تجب إعادة الغسل بوجه .
وأمّا الدفن ، فيدلّ عليه مضافاً إلى رواية أبي بصير ، ما في ذيل رواية أبي مريم ، الواردة في امرأة أتت أمير المؤمنين (عليه السلام) ، المشتملة على قوله (عليه السلام) بعد رجمها: فادفعوها إلى أوليائها ، ومروهم أن يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم(2) .
والرواية النبويّة الواردة في المرأة الجهنية ، التي أمر بها نبي الله ، فشدّت عليها ثيابها ، ثمّ أمر بها فرجمت ، ثمّ أمرهم فصلّوا عليها ثمّ دفنوها ، فقال عمر: يا رسول الله تصلّي عليها وقد زنت؟ فقال: والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو قسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهلوجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها(3).
والرواية النبويّة الاُخرى الواردة في الغامدية: لقد تابت توبة لو تابها صاحب
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 375 ، أبواب حدّ الزنا ب14 ح4 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 380 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح5 .
- (3) سنن البيهقي: 8/225 .
(الصفحة 250)
مكس (ميسر) لغفر الله له ، ثمّ أمر بها فصُلّي عليها ودفنت(1) . والظّاهر أنّ المراد بصاحب المكس هو العشّار .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ محلّ الدفن هو قبور المسلمين ; لعدم خروجه عن الإسلام ، بل توبته بالنحو المذكور في الرواية ، وتفصيل الكلام بالإضافة إلى الغسل والكفن والحنوط مذكور في كتاب الطهارة فراجع .
(الصفحة 251)
القول في اللواحق
وفيها مسائل:
مسألة 1 : إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على امرأة بالزنا قبلا فادّعت أنّها بكر ، وشهد أربع نساء عدول بذلك تقبل شهادتهنّ ويدرأ عنها الحدّ . بل الظّاهر أنّه لو شهدوا بالزنا من غير قيد بالقبل ولا الدبر فشهدت النساء بكونها بكراً يدرأ الحدّ عنها ، فهل تحدّ الشهود للفرية أم لا؟ الأشبه الثاني .
وكذا يسقط الحدّ عن الرجل لو شهد الشهود بزناه بهذه المرأة ، سواء شهدوا بالزنا قبلا أو أطلقوا ، فشهدت النساء بكونها بكراً . نعم ، لو شهدوا بزناه دبراً ثبت الحدّ ولا يسقط بشهادة كونها بكراً .
ولو ثبت علماً بالتواتر ونحوه كونها بكراً ، وقد شهد الشهود بزناها قبلا أو زناه معها كذلك ، فالظّاهر ثبوت حدّ الفرية إلاّ مع احتمال تجديد البكارة وإمكانه ، ولو ثبت جبّ الرجل المشهود عليه بالزنا في زمان لا يمكن حدوث الجبّ بعده درأ عنه الحدّ وعن المرأة التي شهدوا أنّه زنى بها ، وحدَّ الشهود
(الصفحة 252)
للفرية إن ثبت الجبّ علماً وإلاّ فلا يحدّ1.
1 ـ في هذه المسألة أمران:
الأمر الأوّل: أنّه إذا شهد الشهود بمقدار النصاب على أنّها زنت وادّعت البكارة وشهدت أربع نساء عدول على ثبوتها ، فهل تحدّ المرأة حدّ الزنا أم لا؟ فنقول: فيه فروض ثلاثه:
الأوّل: ما إذا شهد الشهود بالزنا المقيّد بالقبل ، والحكم فيه هو درء الحدّ عنها فتوىً ونصّاً ، أمّا الفتوى فقد قال في الجواهر: بلا خلاف أجده فيه ، بل في الرياض(1): إجماعاً على الظّاهر المصرّح به في التنقيح(2) ،(3)
وأمّا النصّ فهي روايتان:
إحداهما: رواية السكوني إسماعيل بن أبي زياد المعتبرة ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه أتى رجل بإمرأة بكر زعم أنّها زنت ، فأمر النساء فنظرن إليها فقلن: هي عذراء ، فقال عليّ (عليه السلام): ما كنت لأضرب من عليها خاتم من الله ، وكان يجيز شهادة النساء في مثل هذا(4) .
والجواب في الرواية شاهد على ثبوت الزنا بشهادة الشهود ، وأنّه لو لم يكن في البين ادّعاء البكارة لترتّب الحدّ عليها ، كما أنّ أمره (عليه السلام) بأن تنظر النساء إليها دليل على أنّ موردها صورة ادّعائها البكارة ، لا كونها بكراً جزماً ، وعليه فتنطبق الرواية على المقام ، وإن كان ظاهر العبارة غير ذلك كما لا يخفى .
- (1) رياض المسائل: 10/78 .
- (2) التنقيح الرائع: 4/345 ـ 346 .
- (3) جواهر الكلام: 41/362 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 394 ، أبواب حدّ الزنا ب25 ح1 .