(الصفحة 39)مسألة 8: يسقط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعي لها ، فلو ادّعى الشبهة أحدهما أوهما مع عدم إمكانها إلاّ بالنسبة إلى أحدهما سقط عنه دون صاحبه ، ويسقط بدعوى الزوجيّة ما لم يعلم كذبه ،
والظاهر هو الوجه الثاني وأنّ المنشأ هو كونه ممضى في الشريعة ، نظراً إلى قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) على ما في بعض الروايات: «إنّ لكلّ قوم نكاحاً»(1) وقول أبي عبدالله (عليه السلام) في بعضها: «كلّ قوم يعرفون النكاح من السفاح فنكاحهم جائز»(2) فإنّ الظاهر أنّه ليس المراد بقول الرسول هو الإخبار عن وجود النكاح وثبوته عند كلّ قوم ، بل المراد هو الحكم بالجواز في هذا الشرع ، كما هو ظاهر الحكم بالجواز في الرواية الاُخرى ، ومرجع ذلك إلى ترتّب أحكام الصحّة عليه في الإسلام ، فلا يجوز التزويج بذات البعل من الكفّار ، وكذا يترتّب عليه سائر أحكام النكاح التي من جملتها عدم ترتّب الحدّ عليه .
وأمّا نكاح المخالفين ، ففي الموارد التي تكون القواعد مقتضية للبطلان ، كما إذا تزوّج المطلّقة ثلاثاً في مجلس واحد ، فالظاهر أنّ عدم ترتّب الحدّ عليه ليس لأجل الشبهة الدارئة للحدّ ، بل لأجل قاعدة الإلزام التي تدلّ عليها الروايات الكثيرة التي منها رواية عليّ بن أبي حمزة ، أنّه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن المطلّقة على غير السنّة أيتزوّجها الرجل؟ فقال (عليه السلام): ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم وتزوّجوهنّ ، فلا بأس بذلك(3) . وظاهره الحكم بالصحّة وترتّب أحكامها عليه التي منها جواز التزوّج بالمطلّقة على غير السنّة .
- (1) وسائل الشيعة: 14 / 588 ، نكاح العبيد والإماء ب83 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة: 14 / 588 ، نكاح العبيد والإماء ب83 ح3 .
- (3) وسائل الشيعة: 15 / 321 ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ب30 ح5 .
(الصفحة 40)ولا يكلّف اليمين ولا البيّنة1.
1 ـ
أقول: لا شبهة في أنّ دعوى الإكراه مسموعة ، ويسقط الحدّ بها لصحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ علياً (عليه السلام) أتى بإمرأة مع رجل فجر بها ، فقالت: استكرهني والله يا أمير المؤمنين ، فدرأ عنها الحدّ ، ولو سئل هؤلاء عن ذلك لقالوا: لا تصدّق ، وقد والله فعله أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) .
وأمّا سقوط الحدّ بدعوى كلّ ما يصلح أن يكون شبهة بالنظر إلى المدّعي لها ، فتارة يستدلّ لها بقوله(صلى الله عليه وآله): ادرأوا الحدود بالشبهات . واُخرى بإلغاء الخصوصيّة من الرواية الواردة في مورد الإكراه ، نظراً إلى أنّه لا خصوصيّة للإكراه من هذه الجهة ، الراجعة إلى قبول الدعوى وسقوط الحدّ .
أقول: وفي كليهما نظر .
أمّا الأوّل: فلأنّ التمسّك بالنبويّ فرع إحراز ثبوت الشبهة في المورد ، والمفروض عدم ثبوتها ، بل مجرّد وجود الدعوى وعدم العلم بصدقها ، فكيف يجوز مع هذا الوصف التمسّك به كما هو ظاهر؟
وأمّا الثاني: فإلغاء الخصوصيّة من الرواية المذكورة مشكل ; لأنّه على تقدير كون الحكم في مورد الرواية على خلاف القاعدة ـ كما هو مقتضى إلغاء الخصوصيّة ـ لا وجه للإلغاء ; لأنّ الحكم على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورده ، ولا مجال فيه لإلغاء الخصوصيّة أصلا .
والتحقيق أنّ الوجه في سقوط الحدّ بمجرّد دعوى الشبهة ما لم يعلم كذبها بأن كانت محتملة في حقّه عدم إحراز موضوع الزنا الموجب للحدّ ، فإنّه لابدّ في إجراء
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 382 ، أبواب حدّ الزنا ب18 ح1 .
(الصفحة 41)مسألة 9: يتحقّق الإحصان الذي يجب معه الرجم باستجماع أمور:
الأوّل: الوطء بأهله في القبل ، وفي الدبر لا يوجبه على الأحوط ، فلو عقد وخلا بها خلوة تامّة ، أو جامعها فيما بين الفخذين ، أو بما دون الحشفة ، أو ما دون قدرها في المقطوعة مع الشكّ في حصول الدخول لم يكن محصناً ، ولا المرأة محصنة ، والظاهر عدم اشتراط الإنزال ، فلو التقى الختانان تحقّق ، ولا يشترط سلامة الخصيتين1.
الحدّ من إحراز الموضوع بشرائطه وقيوده ، ومن جملة الخصوصيّات المأخودة في الموضوع أن لا يكون هناك شبهة ، فإذا احتمل وجودها من جهة دعوى المدّعي وعدم العلم بكذبها لم يحرز موضوع الزنا الموجب للحدّ ، فلا وجه لإجرائه وترتّبه ، وهذا هو الوجه في عدم التكليف بالبيّنة واليمين في المقام ، وعليه فكلّ دعوى ترجع إلى عدم تحقّق موضوع الزنا الموجب للحدّ تسقط الحدّ ما لم يعلم كذبها ، كدعوى الزوجيّة ، أو شراء الأمة من المالك أو غيرهما ، كما لا يخفى .
وإن شئت فقل: إنّ الرواية الواردة في مورد الإكراه حيث إنّها على وفق القاعدة فلا وجه لاحتمال الاختصاص بالإكراه ، بل يجري في جميع الموارد .
1 ـ قال في المسالك في معنى الإحصان: الاحصان والتحصين في اللغة المنع ، قال تعالى:
{ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ}(1) ، وقال تعالى:
{فِى قُرىً مُحَصَّنَة}(2) . وورد في الشرع بمعنى الإسلام ، وبمعنى البلوغ والعقل ، وكلّ منهما قد قيل في تفسير قوله
- (1) سورة الأنبياء 21: 80 .
- (2) سورة الحشر 59: 14 .
(الصفحة 42)
تعالى:
{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَة}(1) . وبمعنى الحرّية ، ومنه قوله تعالى:
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}(2) يعني الحرائر ، وبمعنى التزويج ، ومنه قوله تعالى:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}(3) يعني المنكوحات ، وبمعنى العفّة عن الزنا ، ومنه قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}(4) . وبمعنى الإصابة في النكاح ، ومنه قوله تعالى:
{مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}(5) . ويقال: أحصنت المرأة عفت وأحصنها زوجها فهي محصنة وأحصن الرجل تزوّج(6) .
ويظهر منه أنّ الإحصان قد يجيء لازماً ، وقد يجيء متعدّياً ، وقد صرّح الراغب في المفردات بذلك ، حيث قال: يقال: امرأة محصِن (بالكسر) ومحصَن (بالفتح) فالمحصِن يقال إذا تصوّر حصنها من نفسها ، والمحصَن يقال إذا تصوّر حصنها من غيرها(7) .
وكيف كان فيدلّ على اعتبار أصل الوطء بالأهل في تحقّق الإحصان روايات كثيرة في الرجل والمرأة:
منها: صحيحة رفاعة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ قال: لا(8) .
- (1، 2) سورة النساء 4: 25 .
- (3) سورة النساء 4: 24.
- (4) سورة النور 24: 4 .
- (5) سورة المائدة 5: 5 .
- (6) مسالك الأفهام: 14/332 ـ 333 .
- (7) المفردات في غريب القرآن: 121 (حصن) .
- (8) وسائل الشيعة: 18 / 358 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح1 .
(الصفحة 43)
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يزني ولم يدخل بأهله أيحصن؟ قال: لا ، ولا بالأمة(1) .
ومنها: صحيحة اُخرى لمحمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عزّوجل:
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} قال: إحصانهنّ أن يدخل بهنّ ، قلت: إن لم يدخل بهنّ أما عليهنّ حدّ؟ قال: بلى(2) .
ومنها: رواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله تعالى:
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} قال: إحصانهنّ إذا دخل بهنّ ، قال: قلت: أرأيت إن لم يدخل بهنّ وأحدثن ما عليهنّ من حدّ؟ قال: بلى(3) .
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة على اعتبار الدخول ، وعليه فلا يتحقّق الإحصان في الفروع المذكورة التي منها صورة الشك في حصول الدخول ، فإنّ الظاهر سقوط كلمة «أو» من المتن ، وكون صورة الشك صورة مستقلّة ، كما أنّ مقتضى إطلاق الروايات عدم اشتراط الإنزال مع الدخول ، وعدم اشتراط سلامة الخصيتين ، وأنّ تمام الملاك في ذلك من هذه الجهة هي نفس الدخول بعنوانه .
وأمّا اعتبار كون الوطء في القبل ، ففي محكي الرياض: أنّه صرّح به جماعة من غير خلاف بينهم أجده إلاّ من إطلاق نحو عبارة المتن(4) . ومثله الإطلاق في كثير
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح9 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 358 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح4 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 360 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح11 .
- (4) رياض المسائل: 10 / 15 .