(الصفحة 396)
يجلده ، فقال : ليس له حدّ بعد العفو ، الحديث(1) .
والظاهر اتّحادها مع الرواية المتقدّمة وإن جعلهما في الوسائل روايتين .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الحكم بالسقوط بسبب الفعو أنّه لا فرق بين أن يكون العفو قبل المراجعة إلى الحاكم وبين أن يكون بعده ، كما أنّه لا فرق في المقذوف بين أن يكون غير الزوجة وبين أن يكون هي الزوجة ، والظاهر أنّ هذا هو المشهور بين الأصحاب ، ولكن حكي عن الصدوق استثناء الزوجة مطلقاً(2) ، وعن الشيخ(قدس سره)في التهذيب والإستبصار(3) ويحيى بن سعيد(4) استثناء الزوجة بعد المرافعة .
ويظهر من بعض الروايات التفصيل بين قبل المراجعة وبعدها ، وهي :
رواية سماعة بن مهران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : من أخذ سارقاً فعفا عنه فذلك له ، فإذا رفع إلى الإمام قطعه ، فإن قال الذي سرق له : أنا أهبه له ، لم يدعه إلى الإمام حتّى يقطعه إذا رفعه إليه ، وإنّما الهبة قبل أن يرفع إلى الإمام ، وذلك قول الله عزّ وجل :
{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ}(5) فإذا انتهى الحدّ إلى الإمام فليس لأحد أن يتركه(6) .
وموردها وإن كان هي السرقة ، إلاّ أنّ الإستشهاد بالآية الشريفة وقوله (عليه السلام)بعدها : «فإذا انتهى الحدّ . . .» ظاهران في العموم ، كما لا يخفى .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 445، أبواب حدّ القذف ب20 ح3.
- (2) المقنع: 442.
- (3) التهذيب: 10 / 80، الإستبصار: 4 / 232.
- (4) الجامع للشرائع: 565 ـ 566.
- (5) سورة التوبة 9: 112.
- (6) وسائل الشيعة: 18 / 330، أبواب مقدّمات الحدود ب17 ح3.
(الصفحة 397)
ورواية حمزة بن حمران ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثمّ قذفها بالزنا ؟ قال : قال : أرى عليه خمسين جلدة ويستغفر الله عزّ وجلّ . قلت : أرأيت إن جعلته في حلٍّ وعفت عنه؟ قال : لا ضرب عليه إذا عفت عنه من قبل أن ترفعه(1) .
ولكنّ الروايتين ضعيفتان من حيث السند ولا يجوز الاعتماد عليهما ، ودلالة الثانية أيضاً بالمفهوم الذي هو محلّ الكلام .
وأمّا المستند للصدوق والشيخ وابن سعيد فهي :
صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن الرجل يقذف امرأته ؟ قال : يجلد ، قلت : أرأيت إن عفت عنه؟ قال : لا ، ولا كرامة(2) .
وإضمارها لا يضرّ بعد كون المضمر محمّد بن مسلم ، الذي ليس من شأنه السؤال عن غير الإمام كما هو ظاهر ، والاستدلال بها مبنيّ على أن يكون المراد بالجواب هو نفي العفو وعدم ترتّب الأثر عليه ، والمراد بالكرامة المنفيّة هو العفو أيضاً ، غاية الأمر أنّ الصدوق قد عمل بإطلاق الرواية في مورد الزوجة وجعلها مقيّدة لإطلاقات أدلّة العفو ، والشيخ وابن سعيد حملاها في مورد الزوجة على خصوص ما بعد المرافعة للجمع بينها وبين تلك الإطلاقات .
والظاهرأنّه لوكان معنى الرواية هوماذكروه لكان الحقّ مع الصدوق; لأنّ مقتضى الجمع هو استثناء الزوجة مطلقاً ، ولا وجه للتقييد بما بعد المرافعة ، لكنّ الإنصاف منع ظهور الرواية في هذا المعنى ; لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون المنفيّ في حرف النفي
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 434، أبواب حدّ القذف ب4 ح3.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 455، أبواب حدّ القذف ب20 ح4.
(الصفحة 398)
الأوّل هو الجلد ، ومرجعه إلى أنّ العفو يوجب سقوط الجلد في مقابل ثبوته كما في الجواب الأوّل ، ويكون المراد من نفي الكرامة الإرشاد إلى أنّه لا كرامة للزوجة في العفو ، نظراً إلى أنّ عدم العفو المستلزم لإجراء الحدّ يوجب أن لا يتكرّر القذف من الزوج ، الموجب لتزلزل أساس الزوجيّة ودوامها ، ويحتمل ضعيفاً أن يكون المراد من «لا كرامة» أنّه ليس كرامة في الجلد ، فينبغي أن يتحقّق العفو لئلاّ يجلد .
وكيف كان ، لا يجوز الاتّكال في مقابل إطلاقات أدلّة العفو على مثل هذه الرواية ، التي يجري فيها احتمالات متكثّرة وليست ظاهرة في أحدها ، إلاّ أنّ الكلام في ثبوت هذه الإطلاقات وعدمها ، والظاهر أنّه ليس في صحيحة ضريس المتقدّمة وكذا رواية سماعة المتقدّمة أيضاً ظهور في الإطلاق ; لأنّ الصحيحة إنّما هي في مقام بيان الفرق بين الحدود التي لله وما كان من حقوق الناس ، بعدم جريان عفو غير الإمام في الأولى وجريانه في الثانية ، وأمّا كون الجريان فيها بنحو الإطلاق فلا تكون الصحيحة في مقام البيان من هذه الجهة أصلا ، ورواية سماعة إنّما هي في مقام بيان أنّ الرجوع عن العفو لا يوجب سقوط حكمه ، وأمّا أنّ العفو مطلقاً يسقط الحدّ أو في خصوص بعض الموارد مثل قبل المرافعة ، فلا نظر فيها إليه ، وليس ترك الاستفصال فيها شاهداً على الإطلاق بعد وضوح كون مراد السائل من العفو في سؤاله هو العفو المسقط ، كما لا يخفى .
وعلى ما ذكرنا يشكل الحكم بالإسقاط بعد المراجعة ، لا لأجل وجود المقيّد ، بل لأجل عدم ثبوت الإطلاق ، إلاّ أن يقال بوجود ملاك السقوط فيما قبل المراجعة ، وهو كونه حقّ الناس فيما بعد أيضاً ، إلاّ أنّه مخدوش بباب السرقة ، حيث إنّه يجوز للمسروق منه العفو عن السارق ليدفع قطعه قبل المراجعة إلى الحاكم ، ولا أثر لعفوه بعد الرجوع ، كما سيأتي بحثه .
(الصفحة 399)مسألة 5 : إذا تقاذف إثنان سقط الحدّ وعزِّرا ، سواء كان قذف كلٌّ بما يقذف به الآخر ، كما لو قذف كلٌّ صاحبه باللواط ـ فاعلا أو مفعولا ـ أو اختلف ، كأن قذف أحدهما صاحبه بالزنا ، وقذف الآخر إيّاه باللواط 1.
ثمّ إنّه في موارد سقوط حدّ القذف بأحد المسقطات التي منها لعان الزوج كما في المتن ، هل عليه التعزير أم لا؟ وجهان كما في محكيّ كشف اللثام ، من أنّ الثابت عليه إنّما كان الحدّ وقد سقط ، ولا دليل على ثبوت التعزير ، ومن أنّ ثبوت المقذوف به بالإقرار أو البيّنة لا يجوّز القذف ، وإن جوّز إظهاره عند الحاكم لإقامة الحدّ عليه . والعفو واللعان أيضاً لا يكشفان عن إباحته ولا يسقطان إلاّ الحدّ . والتعزير ثابت في كلّ كبيرة(1) ، والظاهر هو عدم ثبوت التعزير ; لأنّ المجعول في مورد القذف هو الحدّ ، والمفروض سقوطه ، وليس هنا ما يدلّ على ثبوت التعزير بعد سقوط الحدّ ، بل الدليل على عدمه فيما إذا كان السقوط بتصديق المقذوف بناءً على رجوعه إلى التجاهر الذي لا حرمة فيه ، فتدبّر .
1 ـ الحكم بسقوط الحدّ في مورد التقاذف وإن كان على خلاف القاعدة ، بل وكذا الحكم بثبوت التعزير ، إلاّ أنّه ـ مضافاً إلى أنّه لا خلاف فيه كما في الجواهر(2) ـ يدلّ عليه روايتان صحيحتان :
إحداهما : رواية عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجلين افترى كلّ واحد منهما على صاحبه؟ فقال : يدرأ عنهما الحدّ ويعزّران(3) .
- (1) كشف اللثام: 2 / 415.
- (2) جواهر الكلام: 41 / 431.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 451، أبواب حدّ القذف ب18 ح1.
(الصفحة 400)مسألة 6 : حدّ القذف موروث إن لم يستوفه المقذوف ولم يعف عنه ، ويرثه من يرث المال ذكوراً وإناثاً إلاّ الزوج والزوجة ، لكن لا يورث كما يورث المال من التوزيع ، بل لكلّ واحد من الورثة المطالبة به تامّاً وإن عفا الآخر1.
ثانيتهما : رواية أبي ولاّد الحنّاط قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجلين قذف كلّ واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه ، قال : فدرأ عنهما الحدّ وعزَّرهما(1) .
ومقتضى إطلاقهما أنّه لا فرق بين صورة التقاذف بلا فصل ، أو التقاذف معه بدون تخلّل الحدّ ، كما أنّ مقتضى إطلاق الاُولى أنّه لا فرق بين كون قذف كلّ بما يقذف به الآخر أو بغيره ، كما في مثال المتن .
1 ـ في الجواهر بعد قول المصنّف : «حدّ القذف موروث»(2) : بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه(3) .
ويدلّ على كونه موروثاً ، وعلى كون إرثه ليس كإرث المال من التوزيع صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا ، قال : لو قتله ما قتل به ، وإن قذفه لم يجلد له ، قلت : فإن قذف أبوه امّه ؟ قال : إن قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا ، ولم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه ، وفرّق بينهما ، ولم تحلّ له أبداً ، قال : وإن كان قال لابنه واُمّه حيّة : ياابن الزانية ولم ينتف
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 451، أبواب حدّ القذف ب18 ح2.
- (2) شرائع الإسلام: 4 / 947.
- (3) جواهر الكلام: 41 / 423.