(الصفحة 446)
أبي محمّد الحسن العسكري (عليه السلام) أربعمائة كتاب تسمّى «الأصول»(1) ومعلوم أنّ مصنّفات الإماميّة فيما ذكر من المدّة تزيد على ذلك بكثير ، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال ، فالأصل أخصّ من الكتاب ، ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر ، بل لابدّ أن يكون معتمداً .
وقال أيضاً : إنّ «الأصل» يؤخذ في كلمات الأصحاب مدحاً لصاحبه ووجهاً للاعتماد على ما تضمنّه ، وربّما يضعّفون بعض الروايات لعدم وجدان متنها في شيء من الأصول ـ إلى أن قال :ـ إنّ سكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه مع طعنه في جملة من المشايخ يدلّ على وثاقته ، حتّى قيل : «السالم من رجال الحديث من سلم من طعنه» ، ومع ذلك لم يطعن فيه ، بل قال : إنّ زيد النرسي وزيد الزّراد قد رويا عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال أبو جعفر بن بابويه : إنّ كتابهما موضوع وضعه محمّد بن موسى السمان ، وغلط أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما عُتقاً مسموعة من محمّد بن أبي عمير(2) انتهى(3) .
ويؤيّده أنّ ابن أبي عمير قد روى عنه وعن كتابه(4) وهو لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة ، مع أنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(5) ، مضافاً إلى وقوعه في سند رواية كامل الزيارات(6) ، الذي ذكر في ديباجته
- (1) معالم العلماء لابن شهراشوب: 3.
- (2) حكى في مجمع الرجال: 3 / 84 عن ابن الغضائري.
- (3) رجال السيّد بحر العلوم: 2 / 362 ـ 370.
- (4) رجال النجاشي: 174 رقم 460.
- (5) اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي: 556 رقم 1050.
- (6) كامل الزيارات: 510 ح795.
(الصفحة 447)
أنّه لا يروي فيه إلاّ عن ثقات الأصحاب(1) ، وإلى أنّ الصدوق مع تضعيفه كتابه وإنكاره كونه له كما عرفت قد روى في الفقيه رواية عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي(2) مع التزامه في ديباجته أن لا يورد فيه إلاّ ما كان حجّة بينه وبين الله تعالى(3) .
وهذا ممّا يوجب الترديد في نسبة التضعيف والإنكار إليه ، خصوصاً مع ملاحظة أنّ من جملة الأفراد التي وقعت في سند رواية كامل الزيارات ، المنتهية إلى زيد النرسي هو عليّ بن بابويه والد الصدوق وشيخ القمييّن ، الذي خاطبه الإمام العسكري (عليه السلام) في توقيعه بقوله : «يا شيخي ومعتمدي»(4) فإنّه كيف يمكن الجمع بين رواية الوالد عنه وبين اعتقاد الولد كونه موضوعاً .
ويمكن المناقشة في جميع ما ذكر ، فإنّ ثبوت الأصل له لا يستفاد منه الوثاقة بوجه ; لعدم ظهور هذا العنوان في المعنى المذكور ، ويحتمل قويّاً ـ تبعاً للماتن دام ظلّه(5) ـ أن يكون الأصل قسماً من الكتاب وقسيماً للمصنّف ; نظراً إلى أنّ الأصل عبارة عن الكتاب الموضوع لنقل الحديث ، سواء كان مسموعاً عن الإمام (عليه السلام) بلا واسطة أو معها ، وسواء كان مأخوذاً من كتاب واصل آخر أم لا ، وسواء كان معتمداً أم لا . وأمّا المصنّف فهو عبارة عن كتاب موضوع لغير نقل الحديث كالتاريخ والتفسير والرجال والكلام وغيرها ، والشاهد عليه مقابلة المصنّف
- (1) كامل الزيارات: 37.
- (2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 207 ح5480.
- (3) من لا يحضره الفقيه: 1 / 3.
- (4) لؤلؤة البحرين: 384.
- (5) كتاب الطهارة للإمام الخميني: 3 / 266.
(الصفحة 448)
بالأصول في كثير من العبارات ، وجعل كليهما قسمين من الكتاب في بعضها ، وقول بعضهم في عدّة من الموارد : له أصل معتمد .
وبالجملة : لم يظهر كون المراد بالأصل ما ذكر .
وأمّا كون ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، فلابدّ من بيان المراد من معقد هذا الإجماع المعروف ، فنقول :
الأصل في دعوى الإجماع هو الكشي في رجاله ، حيث قال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) : أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام)وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة : زرارة ، ومعروف بن خرّبوذ ، وبريد ، وأبو بصير الأسدي ، والفضيل ابن يسار ، ومحمّد بن مسلم الطائي . قالوا : وأفقه الستة زرارة ، وقال بعضهم مكان أبو بصير الأسدي : أبو بصير المرادي ; وهو ليث بن البختري(1) .
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) : أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه ، من دون أولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم ، ستّة نفر : جميل بن درّاج ، وعبدالله بن مسكان ، وعبدالله بن بكير ، وحمّاد بن عثمان ، وحمّاد بن عيسى ، وأبان بن عثمان . قالوا : وزعم أبو إسحاق الفقيه ـ يعني ثعلبة بن ميمون ـ أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج ، وهم أحداث أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام)(2) .
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام) : أجمع
- (1) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 238 رقم 431.
- (2) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 375 رقم 705.
(الصفحة 449)
أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم ، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم ، وهم ستّة نفر آخر دون الستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) ، منهم : يونس بن عبدالرحمن ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمّد بن أبي عمير ، وعبدالله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر . وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن عليّ بن فضّال وفضالة بن أيّوب ، وقال بعضهم مكان فضالة بن أيّوب : عثمان بن عيسى . وأفقه هؤلاء يونس بن عبدالرحمن وصفوان بن يحيى(1) .
وقد استفاد جماعة من هذه العبارات صحّة كلّ حديث رواه أحد هؤلاء إذا صحّ السند إليه ، حتّى إذا كانت روايته عمّن هو معروف بالفسق ، فضلا عمّا إذا كانت روايته عن مجهول أو مهمل ، أو كانت الرواية مرسلة ، ومن هذه الجماعة صاحب الوسائل في الفائدة السابعة من خاتمة كتابه ، قال : وناهيك بهذا الإجماع الشريف الذي قد ثبت نقله وسنده قرينة قطعيّة على ثبوت كلّ حديث رواه واحد من المذكورين مرسلا أو مسنداً عن ثقة ، أو ضعيف أو مجهول ; لإطلاق النصّ والإجماع كما ترى(2) .
هذا ، والظاهر أنّه لا مجال لهذه الاستفادة ; لأنّ مفاد العبارة الاُولى مجرّد إجماع العصابة على تصديق الستّة المذكورين أوّلا ، والانقياد لهم بالفقه والتصديق لا يلازم الإغماض عمّن روى عنه من جهة الفسق والجهالة والإرسال ; لأنّ مرجعه إلى عدم كون الستّة متّهمين بالكذب في نقلهم وروايتهم ، وأين هذا من صحّة
- (1) إختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشّي: 556 رقم 1050.
- (2) وسائل الشيعة: 20 / 80 ـ 81.
(الصفحة 450)
الرواية التي رووها ، وإن كان الواسطة بينهم وبين المعصوم غير واجد لشرط الاعتماد والحجيّة .
وأمّا العبارتان الأخيرتان المشتملتان على تصحيح ما يصحّ عنهم ، فالظاهر عدم كون المراد بهما أمراً زائداً على ما هو مفاد العبارة الاُولى ، بحيث كان مرجعهما ظاهراً إلى ثبوت مزيّة زائدة لغير الستّة الأوّلين ، مع تصريحه بوقوعهم في الدرجة العليا والمرتبة الأولى ، بل المراد منهما ما هو مفاد الأولى خصوصاً مع إضافة التصديق بعدهما ، ولا مجال للتنزّل في مقام المدح والمزيّة بذكر عدم الاتّهام بالكذب بالإضافة إلى أنفسهم بعد الحكم بتصديق من رووا عنه أيضاً ، كما لا يخفى .
والإنصاف أنّه لا يستفاد من عبارة معقد الإجماع إلاّ مجرّد كونهم صادقين في النقل غير متّهمين بالكذب ، والغرض من نقل الإجماع ثبوت الامتياز لهم بكونهم مورداً للاتّفاق على الوثاقة والاعتماد .
هذا ، ولو فرض كون معقد الإجماع صحّة ما يصحّ عنهم مطلقاً ، ولو كانت الواسطة فاقدة لبعض الخصوصيّات المعتبرة ، فنقول : هذا من مصاديق الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وقد قرّر في الأصول عدم حجيّته ، فلا يمكن لنا الاستفادة من هذا الإجماع بوجه . هذا كلّه فيما يتعلّق بمحمّد بن أبي عمير من جهة كونه من أصحاب الإجماع .
وأمّا من جهة أنّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عن ثقة ، فنقول : الأصل في ذلك ما ذكره الشيخ الطوسي(قدس سره) في كتاب «العدّة» في البحث عن حجيّة خبر الواحد ، قال : وإذا كان أحد الراويين مُسنِداً والآخر مرسِلا نظر في حال المرسِل ، فإن كان ممّن يعلم أنّه لا يرسِل إلاّ عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن