(الصفحة 47)الثالث: أن يكون عاقلا حين الدخول بزوجته على الأحوط فيه ، فلو تزوّج في حال صحّته ولم يدخل بها حتّى جنّ ثم وطأها حال الجنون لم يتحقّق الإحصان على الأحوط1.
المتقدّمة في اعتبار الأمر الأول: «إحصانهنّ أن يدخل بهنّ» ، وكذا قوله (عليه السلام)فيه: «لا» في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يزني قبل أن يدخل بأهله أيرجم؟ فالظاهر عدم ثبوت الإطلاق فيه ، لأنّه في مقام بيان أصل اعتبار الدخول في مقابل العدم ، مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ ذكر الرجل مع كونه ظاهراً في البالغ يوجب عدم اعتبار الوطء في حال الصغر في ترتّب حدّ الرجم ، فتأمّل .
وليس هنا شيء آخر يمكن أن تتوهّم دلالته على الإطلاق ، بل ربّما يقال بظهور بعض الروايات في اعتبار البلوغ ، كموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل إذا هو زنى وعنده السريّة والأمة يطؤها تحصنه الأمة وتكون عنده؟ فقال: «نعم ، إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه من الزنا»(1) ، نظراً إلى ظهورها عرفاً في وجود من يطأها مراراً ، أو يكون قابلا لذلك ، وغير البالغ لا يكون كذلك ، وإن كان في هذا الاستظهار نظر ، خصوصاً مع ملاحظة التعليل في الجواب .
وقد انقدح أنّ مقتضى الاستصحاب عدم تحقّق الإحصان بالوطء في غير حال البلوغ ; لعدم استفادة شيء من الطرفين من الدليل ، لكنّه سيأتي ما فيه .
1 ـ قد أشرنا إلى أنّه مع عدم تمامية الإطلاق يصير اعتبار مثل العقل في حال وطء الأهل مشكوكاً ، فتصل النوبة بحسب بادئ النظر إلى الاستصحاب ، نظراً
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح2 .
(الصفحة 48)الرابع: أن يكون الوطء في فرج مملوك له بالعقد الدائم الصحيح ، أو ملك اليمين ، فلا يتحقّق الإحصان بوطء الزنا ولا الشبهة ، وكذا لا يتحقّق بالمتعة ، فلو كان عنده متعة يروح ويغدو عليها لم يكن محصناً1.
إلى أنّ عدم تحقّق الإحصان قبل دخول المجنون متيقّن ، وتحقّقه به مشكوك ، فتستصحب الحالة السابقة ، ويحكم بعدم تحقّق الإحصان معه ، ولكنّ الظاهر كما قرّر في محلّه عدم جريان مثل هذا الاستصحاب ; لأنّ الشبهة إنّما هي في المفهوم ومعنى الإحصان ، وليس الشك في أمر خارجيّ حتّى تستصحب الحالة السابقة المتحقّقة في الزمان ، فهو كاستصحاب النهار ، إذا كان مفهومه مردّداً بين انتهائه باستتار القرص ، وبين انتهائه بزوال الحمرة المشرقية ، ولا مجال لجريانه كما حقّقناه في الأصول ، وليس ذلك مثل استصحاب بقاء النهار بعد تبيّن مفهومه إذا شكّ في بقائه وزواله لأجل الشك في الخارج المسبّب عن الغيم ونحوه ، وبالجملة لا مجال لاستصحاب عدم تحقّق الإحصان بعد كون مفهومه مشتبهاً .
ثمّ إنّه بعد عدم جريان الاستصحاب يمكن استفادة الحكم من طريق آخر ، وهو التمسك بإطلاق قوله تعالى:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة}(1) بعد كون دليل الإحصان الذي هو بمنزلة المقيّد مجملا مفهوماً ومردّداً بين الأقل والأكثر ، كما في المخصّص المردّد بينهما كما لا يخفى .
1 ـ أمّا عدم تحقّق الإحصان بوطء الزنا أو الشبهة ، فمضافاً إلى ما عن كشف اللثام من دعوى الإتّفاق عليه(2) عدم تحقّق عنوان الوطء بالأهل المذكور في بعض
- (1) سورة النور 24:2 .
- (2) كشف اللثام: 2/400 .
(الصفحة 49)
الروايات المتقّدمة .
وأمّا تحقّقه بالعقد الدائم الصحيح ، فلأنّه الفرد الكامل من الأهل المذكور في تلك الروايات ، إنّما الكلام في ملك اليمين وفي المتعة ، فنقول:
أمّا ملك اليمين فالمشهور تحقّق الإحصان به ، وربّما ادّعي الإجماع عليه ، خلافاً للمحكي عن القديمين(1) والصدوق(2) والديلمي(3) من عدم تحقّق الإحصان به ، ويدلّ لما هو المشهور روايات:
منها: موثقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل إذا هو زنى وعنده السريّة والأمة يطؤها ، تحصّنه الأمة وتكون عنده؟ فقال: نعم ، إنّما ذلك لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا . قلت: فإن كانت عنده أمة زعم أنّه لايطؤها؟ فقال: لا يصدّق . قلت: فإن كانت عنده امرأة متعة أتحصنه؟ فقال: لا إنّما هو على الشيء الدائم عنده(4) . والمراد من الضابطة المذكورة ما يعمّ الأمة بقرينة الصدر ، وعليه فالمراد ما يكون فيه قابلية الدوام ، سواء كان منشأه الزوجيّة أو الملكية .
ومنها: موثّقته الاُخرى قال: قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل تكون له الجارية أتحصنه؟ قال: فقال: نعم إنّما هو على وجه الاستغناء ، قال: قلت: والمرأة المتعة؟ قال: فقال: لا ، إنّما ذلك على الشيء الدائم ، قال: قلت: فإن زعم أنّه لم يكن يطؤها ، قال: فقال: لا يصدّق ، وإنّما أوجب ذلك عليه لأنّه يملكها(5) . والظاهر اتّحاد
- (1) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/153 مسألة 11 .
- (2) المقنع: 439 ، من لا يحضره الفقيه: 4/35 .
- (3) المراسم: 254 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح2 .
- (5) وسائل الشيعة: 18 / 353 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح5 .
(الصفحة 50)
الروايتين وعدم تعدّدهما ، وإن جعلهما في مثل الوسائل كذلك .
ومنها: صحيحة على بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الحرّ تحته المملوكة هل عليه الرجم إذا زنى؟ قال: نعم(1) .
ومنها: صحيحة حريز قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المحصن ؟ قال: فقال: الذي يزني وعنده ما يغنيه(2) .
ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: ما المحصن رحمك الله؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن(3) .
فإنّ مقتضى العموم أو الإطلاق فيهما تحقّق الإحصان بالأمة ، لإنطباق العنوانين عليها ، وخروج المتعة بالدليل لا يقدح في الأمة شيئاً .
ومنها: غير ذلك من الروايات الدالّة على ذلك .
وفي مقابلها روايات ، مثل:
صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الذي يأتي وليدة امرأته بغير إذنها ، عليه مثل ما على الزاني يجلد مائة جلدة ، قال: ولا يرجم إن زنى بيهوديّة أو نصرانيّة أو أمة ، فإن فجر بإمرأة حرّة وله امرأة حرّة فإنّ عليه الرجم ، وقال: وكما لا تحصنه الأمة واليهوديّة والنصرانيّة إن زنى بحرّة كذلك ، لا يكون عليه حدّ المـحصن إن زنى بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرّة(4) .
وصحيحته الاُخرى قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يزني ولم يدخل بأهله
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 354 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح11 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح4 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 351 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح1 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 354 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح9 .
(الصفحة 51)
أيحصن؟ قال: لا ، ولا بالأمة(1) .
وصحيحته الثالثة قال: سألته عن الحرّ أتحصنه المملوكة؟ قال: لا يحصن الحُرّ المملوكة ولا يحصن المملوك الحرّة ، والنصرانيّ يحصن اليهوديّة واليهودي يحصن النصرانيّة(2) .
ولا يخفى أنّ معارضتها مع الطائفة الاُولى إنّما هي مع ما يدلّ منها بالخصوص على تحقّق الإحصان بالأمة ، لوضوح أنّ ما يدلّ منها على ذلك بنحو العموم أو الإطلاق يكون قابلا للتخصيص أو التقييد بهذه الروايات ، ولأجله ذكر في مقام العلاج أنّ مقتضى التعارض التساقط والرجوع إلى العموم الذي هو مقتضى هذا الصنف من هذه الطائفة ، كصحيحتي حريز وإسماعيل بن جابر المتقدّمتين .
وقد احتمل صاحب الجواهر(قدس سره) حمل هذه الروايات على التقية ، لأجل موافقتها لأبي حنيفة وأصحابه(3)(4) .
وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الصحيحة الاُولى من صحاح محمّد بن مسلم أنّ الشيخ(قدس سره) حملها على ما إذا كنّ عنده بعقد المتعة(5) .
هذا ، ولكنّ الظاهر بناءً على ما هو المختار ، من أنّ مقتضى الأدلّة العلاجية أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى ، أنّ الترجيح مع الطائفة الاُولى ، لموافقتها للشهرة المحقّقة القائمة على تحقّق الإحصان بالأمة ، فالأقوى حينئذ
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح9 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 357 ، أبواب حدّ الزنا ب5 ح1 .
- (3) الخلاف: 5/371 مسألة 5 ، المبسوط للسرخسي: 9/41 ، المغني لابن قدامة: 10/128 .
- (4) جواهر الكلام: 41/271 ـ 272 .
- (5) التهذيب: 10/13 ، الإستبصار: 4/205 .