(الصفحة 488)
أمير المؤمنين (عليه السلام)(1) .
ولكنّها ـ مضافاً إلى ضعف سندها ، ومعارضتها مع الرواية الأُخرى ، الحاكية لهذه القصّة ، الدالّة على ثبوت الدية على نفس الحاكم ـ لا تنافي ما عليه الأكثر ; لأنّ عمر لم يكن حاكم حقّ حتّى يكون خطأُه في بيت المال ، والكلام إنّما هو في الحاكم الصالح للحكومة شرعاً .
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 200، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب30 ح2.
(الصفحة 489)الفصل الخامس
في
حدّ السرقة
والنظر فيه في السّارق ، والمسروق ، وما يثبت به ، والحدّ ، واللواحق
القول في السّارق
مسألة 1 : يشترط في وجوب الحدّ عليه أُمور :
الأوّل : البلوغ ، فلو سرق الطفل لم يحدّ ويؤدَّب بما يراه الحاكم ولو تكرّرت السرقة منه إلى الخامسة فما فوق ، وقيل : يعفى عنه أوّلا ، فإن عاد أُدِّب ، فإن عاد حكّت أنامله حتى تدمى ، فإن عاد قطعت أنامله ، فإن عاد قطع كما يقطع الرجل ، وفي سرقته روايات ، وفيها : «لم يصنعه إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأنا» أي : أمير المؤمنين(عليه السلام) ، فالأشبه ما ذكرنا 1.
1 ـ ما جعله في المتن أشبه هو الموافق للمشهور والموافق لسائر الحدود ولحديث رفع القلم . والقول الآخر هو الذي اختاره الشيخ في محكيّ النهاية(1)
(الصفحة 490)
وتبعه عليه القاضي(1) والعلاّمة في المختلف ناسباً له إلى الأكثر(2) ، وقال في الجواهر بعد ذلك : وإن كنّا لم نتحقّقه(3) .
وكيف كان ، فقد ورد في المسألة روايات كثيرة مستفيضة فيها الصحاح ، بل لا يبعد دعوى تواترها إجمالا ، للعلم بصدور بعضها كذلك ، لكن ليس في شيء منها ما ينطبق على تفصيل الشيخ بتمامه ، كما أنّ كلّها مخالف لما عليه المشهور في المسألة ، ولا بأس بنقل جملة من الروايات والتعرّض لبعض الجهات ، مثل :
صحيحة عبدالله بن سنان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصبيّ يسرق ؟ قال : يعفى عنه مرّة ومرّتين ويعزّر في الثالثة ، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك(4) . والمراد من الجملة الاُولى إن كان هو العفو مرّتين كما هو الظاهر ، فلا وجه لذكر كلمة المرّة حينئذ ، ويحتمل على بعد أن يكون المراد هو تخيير الحاكم بين العفو مرّة وبينه مرّتين .
وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال : إذا سرق الصبيّ عفي عنه ، فإن عاد عزّر ، فإن عاد قطع أطراف الأصابع ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك(5) .
وقال المحقّق في نكت النهاية : فالشيخ ربّما يكون عوّل على هذه الرواية(6) ، مع أنّ الظاهر عدم انطباقها على قول الشيخ . وحكي عن ابن سعيد في الجامع
- (1) لم نعثر عليه في مهذّب القاضي وجواهره، ونسبه إليه فخر المحقّقين في إيضاح الفوائد: 4/519. نعم، نسبه في المختلف إلى ابن حمزة، الوسيلة: 418.
- (2) مختلف الشيعة: 9 / 217 ـ 218 مسألة 76.
- (3) جواهر الكلام: 41 / 476.
- (4، 5) وسائل الشيعة: 18 / 522 و 523، أبواب حدّ السرقة ب28 ح1 و2.
- (6) نكت النهاية: 3 / 324.
(الصفحة 491)
العمل بها(1) .
وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن الصبي يسرق ؟ فقال : إذا سرق مرّة وهو صغير عفي عنه ، فإن عاد عفي عنه ، فإن عاد قطع بنانه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك . ورواه الشيخ بإسناده عن أبي عليّ الأشعري ، إلاّ أنّه قال : فإن عاد قطع أسفل من بنانه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك(2) .
وصحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الصبي يسرق ، قال : يعفى عنه مرّة ، فإن عاد قطعت أنامله أو حكّت حتّى تدمى ، فإن عاد قطعت أصابعه ، فإن عاد قطع أسفل من ذلك(3) . ويبعد أن تكون رواية اُخرى غير روايته المتقدّمة ، وحكي عن الصدوق في المقنع العمل بها(4) .
ورواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : قلت : الصبيّ يسرق ؟ قال : يعفى عنه مرّتين ، فإن عاد الثالثة قطعت أنامله ، فإن عاد قطع المفصل الثاني ، فإن عاد قطع المفصل الثالث وتركت راحته وإبهامه(5) .
ورواية زرارة قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : أُتي عليّ (عليه السلام) بغلام قد سرق فطرَّف أصابعه ، ثمَّ قال : أما لئن عدت لأقطعنّها ، ثمّ قال : أما أنّه ما عمله إلاّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأنا(6) . والتطريف هو خضب الأصابع بإدمائها .
ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا سرق الصبيّ
- (1) الجامع للشرائع: 563.
- (2، 3) وسائل الشيعة: 18/ 523 و 524، أبواب حدّ السرقة ب28 ح4 و7.
- (4) المقنع: 446.
- (5) وسائل الشيعة: 18/ 526، أبواب حدّ السرقة ب28 ح15.
- (6) وسائل الشيعة: 18/ 524، أبواب حدّ السرقة ب28 ح8.
(الصفحة 492)
ولم يحتلم قطعت أطراف أصابعه ، قال : وقال علي (عليه السلام) : ولم يصنعه إلاّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)وأنا(1) .
وإلى هاتين الروايتين أُشير في المتن ، لكنّ الإشارة مشعرة بأنّ إجراء ذلك من خصائص الإمام (عليه السلام) ، مع أنّ الرواية الثانية الدالّة على أنّ الحكم هو قطع أطراف الأصابع كما هو المذكور أوّلا ظاهرة في خلافه ، وأنّه لا يختصّ بالإمام بل هو وظيفة الحاكم ، كما لا يخفى .
ومضمرة سماعة قال : إذا سرق الصبيّ ولم يبلغ الحلم قطعت أنامله ، وقال أبو عبدالله (عليه السلام) : أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بغلام قد سرق ولم يبلغ الحلم فقطع من لحم أطراف أصابعه ، ثمّ قال : إن عدت قطعت يدك(2) .
ورواية إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : الصبيان إذا أُتي بهم عليّ (عليه السلام)(عليّاً ـ خ ل) قطع أناملهم ، من أين قطع؟ فقال : من المفصل مفصل الأنامل(3) .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أُتي عليّ (عليه السلام) بجارية لم تحض قد سرقت ، فضربها أسواطاً ولم يقطعها(4) .
ورواية محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبيّ يسرق ؟ قال : إن كان له تسع سنين قطعت يده ، ولا يضيّع حدّ من حدود الله تعالى(5) .
وروايته الأُخرى قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الصبيّ يسرق ؟ فقال : إن كان له سبع سنين أو أقلّ رفع عنه ، فإن عاد بعد سبع سنين قطعت بنانه أو حكّت حتّى
- (1، 2) وسائل الشيعة: 18/ 524 و 526، أبواب حدّ السرقة ب28 ح9 و14.
- (3 ـ 5) وسائل الشيعة: 18/ 523 ـ 525، أبواب حدّ السرقة ب28 ح5 و 6 و 10.