(الصفحة 51)
أيحصن؟ قال: لا ، ولا بالأمة(1) .
وصحيحته الثالثة قال: سألته عن الحرّ أتحصنه المملوكة؟ قال: لا يحصن الحُرّ المملوكة ولا يحصن المملوك الحرّة ، والنصرانيّ يحصن اليهوديّة واليهودي يحصن النصرانيّة(2) .
ولا يخفى أنّ معارضتها مع الطائفة الاُولى إنّما هي مع ما يدلّ منها بالخصوص على تحقّق الإحصان بالأمة ، لوضوح أنّ ما يدلّ منها على ذلك بنحو العموم أو الإطلاق يكون قابلا للتخصيص أو التقييد بهذه الروايات ، ولأجله ذكر في مقام العلاج أنّ مقتضى التعارض التساقط والرجوع إلى العموم الذي هو مقتضى هذا الصنف من هذه الطائفة ، كصحيحتي حريز وإسماعيل بن جابر المتقدّمتين .
وقد احتمل صاحب الجواهر(قدس سره) حمل هذه الروايات على التقية ، لأجل موافقتها لأبي حنيفة وأصحابه(3)(4) .
وذكر صاحب الوسائل بعد نقل الصحيحة الاُولى من صحاح محمّد بن مسلم أنّ الشيخ(قدس سره) حملها على ما إذا كنّ عنده بعقد المتعة(5) .
هذا ، ولكنّ الظاهر بناءً على ما هو المختار ، من أنّ مقتضى الأدلّة العلاجية أنّ أوّل المرجّحات هي الشهرة في الفتوى ، أنّ الترجيح مع الطائفة الاُولى ، لموافقتها للشهرة المحقّقة القائمة على تحقّق الإحصان بالأمة ، فالأقوى حينئذ
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح9 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 357 ، أبواب حدّ الزنا ب5 ح1 .
- (3) الخلاف: 5/371 مسألة 5 ، المبسوط للسرخسي: 9/41 ، المغني لابن قدامة: 10/128 .
- (4) جواهر الكلام: 41/271 ـ 272 .
- (5) التهذيب: 10/13 ، الإستبصار: 4/205 .
(الصفحة 52)
ما في المتن ، ولكنّ الظاهر اختصاصها بالأمة المملوكة ، وعدم شمولها للأمة المحلّلة ، لاقتضاء الحصر في موثّقة إسحاق بن عمّار بقوله (عليه السلام): «إنّما هو على الشيء الدائم عنده» الإنحصار بما فيه قابليّة الدوام ، والتحليل لا يكون فيه هذه القابليّة بوجه .
هذا ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الصحيحة الاُولى اعتبار الإسلام والحريّة في المزنيّ بها أيضاً ، مع أنّ الظاهر عدم اعتبارهما بوجه ، ويدلّ على عدم اعتبار الإسلام رواية إسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه (عليهم السلام) أنّ محمّد بن أبي بكر كتب إلى عليّ (عليه السلام) في الرجل زنى بالمرأة اليهوديّة والنصرانيّة ، فكتب (عليه السلام)إليه: إن كان محصناً فارجمه ، وإن كان بكراً فاجلده مائة جلدة ثم انفه، وأمّا اليهوديّة فابعث بها إلى أهل ملّتها فليقضوا فيها ما أحبّوا(1) . وغيرها من الروايات الدالّة على ذلك ، هذا كلّه في الأمة .
وأمّا عدم تحقّق الإحصان بالمتعة ـ فمضافاً إلى احتمال الإتّفاق عليه كما في الجواهر ، وإن ذكر فيها بعده: «وإن كان قوله في الإنتصار: على الأصحّ(2) مشعراً بوجوده ، إلاّ أنّي لم أتحقّقه كما اعترف به غيرنا أيضاً»(3) . ومضافاً إلى دلالة موثّقتي إسحاق بن عمّار المتقدّمتين عليه ـ يدلّ عليه خبر عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أخبرني عن الغائب عن أهله يزني هل يرجم إذا كان له زوجة وهو غائب عنها؟ قال: لا يرجم الغائب عن أهله ، ولا المملك الذي لم يبن بأهله ، ولا صاحب المتعة ، قلت: ففي أيّ حدّ سفره لا يكون محصناً؟ قال: إذا قصّر وأفطر
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 361 ، أبواب حدّ الزنا ب8 ح5 .
- (2) الإنتصار: 521 .
- (3) جواهر الكلام: 41/270 .
(الصفحة 53)الخامس: أن يكون متمكّناً من وطء الفرج يغدو عليه ويروح إذا شاء ، فلو كان بعيداً وغائباً لا يتمكّن من وطئها فهو غير محصن ، وكذا لو كان حاضراً لكن غير قادر لمانع من حبسه ، أو حبس زوجته ، أو كونها مريضة لا يمكن له وطؤها ، أو منعه ظالم عن الاجتماع بها ، ليس محصناً1.
فليس بمحصن(1) . ومرسل حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل يتزوّج المتعة أتحصنه؟ قال: لا ، إنّما ذاك على الشيء الدائم عنده(2) .
1 ـ الدليل على اعتبار هذا الأمر الروايات الكثيرة الدالّة عليه ، لكنّ العناوين المأخوذة فيها مختلفة بحسب الظاهر ، فبعضها جعل الضابط عنوان «يغدو عليه ويروح» كصحيحة إسماعيل بن جابر المتقدّمة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: ما المحصن رحمك الله؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن . والظاهر أنّ المراد منه هو مجموع الليل والنهار ، لا خصوص أوّل النهار وأوائل الليل ، اللذين هما معنى الغدوّ والرواح ، والشاهد هو العرف في استعمالاته ، وعليه فلا اختلاف بين من اعتبر الغدوّ والرواح كالشيخ والمحقّق(3) وبين من عبّر بالتمكّن من الوطء متى شاء كغيرهما(4) . كما أنّ الظاهر أنّه ليس المراد منهما فعليّة تحقّق الوطء في الزمانين ، بل التمكّن منه فيهما كما وقع التعبير به في مثل المتن .
وبعضها جعل الضابط عنوان «عنده ما يغنيه» أو مثله ، كموثّقة اسحاق بن عمّار
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 356 ، أبواب حدّ الزنا ب4 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 352 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح3 .
- (3) النهاية: 693 ، المبسوط: 8/3 ، شرائع الإسلام: 4/933 ، ووافقهما في المسالك: 14/336 .
- (4) كالمفيد في المقنعة: 776 وابن البرّاج في المهذّب: 2/519 .
(الصفحة 54)
المتقدّمة ، المشتملة على تعليل تحقّق الإحصان بالأمة بقوله (عليه السلام): «لأنّ عنده ما يغنيه عن الزنا» ، ورواية أبي بصير قال: قال لا يكون محصناً حتّى (إلاّ أن ـ خ ل) تكون عنده امرأة يغلق عليها بابه(1) . والظاهر أنّ المراد من كلمة «عنده» في الروايتين ، هو كون الفرج المملوك له باختياره ، بحيث يكون متمكّناً من وطئه متى شاء ، فلا ينافي الضابط الأوّل بوجه .
وبعضها جعل الضابط كونه معها ، كصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: المغيب والمغيبة ليس عليهما رجم إلاّ أن يكون الرجل مع المرأة والمرأة مع الرجل(2) . وظاهرها عدم كون الغيبة بعنوانها دخيلة في نفي الرجم ، بل عدم كونها معه ، والظاهر أنّ المراد من المعيّة ليس عدم تحقّق الإنفكاك بينهما ، بل التمكّن من وطئها وكونها باختياره ، كما لا يخفى .
وبعضها ظاهر في أنّ الضابط هو الإقامة معها في المصر الذي هو فيه ، كالرواية الواردة في امرأة أتت أمير المؤمنين (عليه السلام) وطلبت منه التطهير من الزنا المشتملة على سؤاله بقوله (عليه السلام): « . . . وذات بعل أنت إذ فعلت ما فعلت أم غير ذلك؟ قالت: بل ذات بعل . فقال لها: أفحاضراً كان بعلك إذ فعلت ما فعلت أم غائباً كان عنك؟ قالت: بل حاضراً . . .»(3) . والرواية الاُخرى الواردة في رجل أتى أمير المؤمنين (عليه السلام)وطلب منه التطهير من الزنا ، المشتملة على سؤاله بقوله (عليه السلام): «ألك زوجة؟ قال: بلى ، قال: فمقيمة معك في البلد؟ قال: نعم»(4) .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 353 ، أبواب حدّ الزنا ب2 ح6 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 355 ، أبواب حدّ الزنا ب3 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 377 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح1 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 379 ، أبواب حدّ الزنا ب16 ح2 .
(الصفحة 55)
وبعضها وارد في بعض موارد الغيبة ، مثل رواية أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الرجل الذي له امرأة بالبصرة ففجر بالكوفة أن يدرأ عنه الرجم ويضرب حدّ الزاني ، قال: وقضى في رجل محبوس في السجن وله امرأة حرّة في بيته في المصر وهو لا يصل إليها فزنى في السجن قال: عليه الحدّ (يجلد الجلد خ ل) ويدرأ عنه الرّجم(1) . ورواية الحارث قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)عن رجل له امرأة بالعراق فأصاب فجوراً وهو في الحجاز ، فقال: يضرب حدّ الزّاني مائة جلدة ولا يرجم . قلت: فإن كان معها في بلدة واحدة وهو محبوس في سجن لا يقدر أن يخرج إليها ولا تدخل هي عليه أرأيت إن زنى في السجن؟ قال: هو بمنزلة الغائب عنه أهله يجلد مائة جلدة(2) .
ولا يخفى أنّ الحكم بدرء الحدّ المترتّب على الإحصان في مورد السجن المذكور في الروايتين شاهد على عدم كون الملاك هي الغيبة بعنوانها ، بل اعتبارها إنّما هو لأجل الملازمة الغالبية بينها وبين عدم التمكّن والوصول إلى الزوجة ، وعليه فمرجع جميع الروايات إلى أنّ الملاك التامّ في ذلك هو التمكّن من الزوجة ووطئها متى شاء .
نعم ، هنا روايتان ظاهرتان في أنّ الملاك هو الغيبة بمعنى السفر الشرعي ، والحضور الموجب لإتمام الصلاة وعدم جواز الإفطار:
إحداهما: مرفوعة محمّد بن الحسين قال: الحدّ في السفر الذي إن زنى لم يرجم إن كان محصناً؟ قال: إذا قصّر فأفطر (وأفطر ـ ظ)(3) . وهي مع كونها مرفوعة مضمرة أيضاً ، فلا مجال للاتّكال عليها .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 355 ، أبواب حدّ الزنا ب3 ح2 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 356 ، أبواب حدّ الزنا ب3 ح4 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 356 ، أبواب حدّ الزنا ب4 ح2 .