(الصفحة 521)
قيمته خُمس دينار إن سرق من سوق أو زرع أو ضرع أو غير ذلك(1) .
ومنها : موثّقة إسحاق بن عمار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل سرق من بستان عذقاً قيمته درهمان ، قال : يقطع به(2) . بناءً على أن يكون الدرهمان خُمس دينار كما هو المتعارف في ذلك الزمان .
ومنها : صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه قال : سألته عن حدّ ما يقطع فيه السارق ؟ فقال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : بيضة حديد بدرهمين أو ثلاثة(3) .
وأمّا ما يدلّ على اعتبار الدينار فصحيحة أبي حمزة الثمالي قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) في كم يقطع السارق؟ فجمع كفّيه ثمّ قال : في عددها من الدراهم(4) .
وأمّا ما يدلّ على اعتبار ثلث الدينار فموثّقة سماعة قال : سألته عن كم يقطع السارق؟ قال : أدناه على ثلث دينار(5) .
وموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قطع أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلا في بيضة ، قلت : وأيّ بيضة؟ قال : بيضة حديد قيمتها ثلث دينار ، فقلت : هذا أدنى حدّ السارق ؟ فسكت(6) .
هذه هي الروايات المختلفة الواردة في المقام ، وقد حمل الشيخ روايات الخُمس ، وكذا رواية عشرة دراهم التي هي دينار على التقيّة(7) . والعجب منه(قدس سره) أنّه مع عدم
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح12.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 486، أبواب حدّ السرقة ب2 ح14.
- (3) وسائل الشيعة: 18/ 487، أبواب حدّ السرقة ب2 ح22.
- (4) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح9.
- (5) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح11.
- (6) وسائل الشيعة: 18/ 485، أبواب حدّ السرقة ب2 ح10.
- (7) الإستبصار: 4 / 239 و 240، التهذيب: 10 / 102.
(الصفحة 522)
حكايته القول باعتبار الخُمس عن أحد من فقهاء العامّة في عبارته المتقدّمة المحكيّة عن الخلاف ، كيف حمل روايات الخمس على التقيّة؟! نعم ، حكى فيها عن زياد بن أبي زياد القطع في درهمين فصاعداً ، ولم يعلم أنّ مراده هو الخُمس وإن كان المتعارف كون درهمين خمس دينار ; لأنّه جعل الشيخ(قدس سره) في تلك العبارة القول بالقطع في نصف دينار قولا للحسن البصري ، والقول بالقطع في خمسة دراهم قولا آخر للنخعي(1) ، فيستفاد منه عدم كون المراد بخمسة دراهم هو نصف الدينار ، ثمّ على تقدير كون المراد من الدرهمين هو الخمس لا يكون قول زياد بن أبي زياد موجباً للتقيّة بوجه ; لعدم كون قائله من الفقهاء المعروفين عند العامّة بوجه ، وعليه فحمل روايات الخمس على التقيّة ممّا لا وجه له أصلا .
ثمّ إنّه بناءً على ما هو المختار من كون أوّل المرجّحات في باب تعارض الروايات هي الشهرة الفتوائيّة ، المطابقة لإحداها لا تصل النوبة إلى مسألة الحمل على التقيّة ; لوضوح أنّ الشهرة الفتوائيّة إنّما هي على وفق روايات الربع ، وبذلك يتعيّن الأخذ بها والفتوى على طبقها ، وطرح الروايات المعارضة لها بأنحائها .
ولكنّه ذكر بعض الأعلام في هذا المقام ما ملخّصه : إنّه لا مناص من حمل ما دلّ على اعتبار عشرة دراهم على التقيّة ; لأنّها خلاف المقطوع به بين فقهائنا إلاّ العماني ومخالفة لظاهر الكتاب ، وكذا ما دلّ على اعتبار الثلث ، فإنّه أيضاً خلاف المقطوع به بين الأصحاب ومخالف لظاهر الكتاب ، ولا يبعد حمله على التقيّة ، باعتبار أنّ ثلث الدينار يساوي ثلاثة دراهم تقريباً ، وقد ذهب جماعة من العامّة إلى ذلك ، فيبقى الأمر دائراً بين الربع والخمس ، ولا وجه لحمل روايات الخمس على التقيّة ،
- (1) الخلاف: 5 / 411 ـ 412 مسألة 1.
(الصفحة 523)
وإن كان قد حملها الشيخ(قدس سره) عليها ، فاللاّزم حمل ما دلّ على اعتبار الربع على التقيّة وهو الأقرب ، ومع الإغماض وتعارض الروايات يكون الترجيح مع روايات الخمس ; لموافقتها لظاهر الكتاب ، وهي أوّل مرجّح في مقام التعارض ، وبيانه أنّ مقتضى إطلاق الكتاب وجوب القطع في السرقة مطلقاً ، ولكنّا علمنا من الخارج أنّه لا قطع في أقلّ من خُمس ، فترفع اليد عن الإطلاق بهذا المقدار ، وأمّا التخصيص الزائد فلم يثبت ، للمعارضة ، فتطرح من جهة المخالفة لظاهر الكتاب(1) .
ويرد عليه :
أوّلا : أنّ طرح رواية عشرة دراهم ـ مع أنّ العماني قد أفتى على طبقها ـ إنّما يتمّ على مبنى من يقول بأنّ إعراض المشهور يخرج الرواية عن الحجيّة ، وهو غير قائل بهذا المبنى ، ثمّ إنّ التعبير عن المشهور بالمقطوع به ممّا لا مجال له أصلا .
وثانياً : إنّا نعلم إجمالا بورود التقييد على إطلاق الآية الشريفة ، ولكنّه مردّد بين أن يكون دليل التقييد هو روايات الربع أو روايات الخُمس ، وليس الأمر دائراً بين تقييد واحد أو أزيد حتّى يرجع في الزائد المشكوك إلى أصالة الإطلاق ، ومجرّد كون الخُمس أقرب إلى الإطلاق من جهة الأفراد والمصاديق لا يوجب ثبوت الرجحان بالإضافة إليه أصلا ، والعلم من الخارج بأنّه لا قطع في أقلّ من الخُمس لا يوجب كونه هو القدر المتيقّن ; لأنّ عنوان الخمس إنّما يكون ملحوظاً في جانبي النفي والإثبات ، بمعنى عدم القطع في الأقلّ وثبوته فيه وفيما فوقه ، ولهذه الجهة لا يكون له رجحان على عنوان الربع .
وبالجملة : لم يظهر وجه كون روايات الخُمس موافقة لظاهر الكتاب بعد كون
- (1) مباني تكملة المنهاج: 1 / 295 ـ 296.
(الصفحة 524)
ظاهره الإطلاق لو لم يناقش في الإطلاق ، فلا محيص عمّا ذكرنا ، فتدبّر .
وكيف كان ، فقد عرفت أنّه بناءاً على المختار لا محيص عن ترجيح روايات الربع والفتوى على طبقها ، هذا بالنسبة إلى أصل الحكم .
وأمّا تعميمه لما كان أصله الإباحة أو يسرع إليه الفساد ، فهو في قبال أبي حنيفة القائل بالخلاف(1) .
نعم ، روى الأصبغ ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : لا يقطع من سرق شيئاً من الفاكهة ، وإذا مرّ بها فليأكل ولا يفسد(2) .
ولكن ذيلها قرينة على كون المفروض في الصدر عدم كون الفاكهة في حرز ، فلا دلالة لها على استثناء الفاكهة من القطع في السرقة .
وروى السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لا قطع في ثمر ولا كثر ، والكثر شحم النخل . وفيما رواه الصدوق بإسناده ، عن السكوني مثله ، إلاّ أنّه قال : والكثر الجمار(3) ، ودلالتها على عدم القطع في الثمر ولو كان في حرز ظاهرة . وسيأتي البحث في سرقة الثمرة على الشجرة فيما يأتي إن شاء الله تعالى .
بقي الكلام في الطير وحجارة الرخام ، وقد ورد في استثناء حجارة الرخام ; رواية السكوني أيضاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا قطع على من سرق الحجارة ـ يعني الرخام ـ وأشباه ذلك(4) .
ويرد عليه ما عرفت من تفرّد السكوني بهذه الرواية ، ولا حجيّة فيما يتفرّد به ،
- (1) شرح فتح القدير: 5 / 128 ـ 135، بدائع الصنائع: 6 / 10 ـ 12، المغني لابن قدامة: 10 / 243ـ 244.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح5.
- (3) من لا يحضره الفقيه: 4 / 62 ح5107، وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح3.
- (4) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب23 ح1.
(الصفحة 525)مسألة 2 : لا فرق في الذهب بين المسكوك وغيره ، فلو بلغ الذهب غير المسكوك قيمة ربع دينار مسكوك قطع ، ولو بلغ وزنه وزن ربع دينار مسكوك لكن لم تبلغ قيمته قيمة الربع لم يقطع ، ولو انعكس وبلغ قيمته قيمته وكان وزنه أقّل يقطع1.
وأمّا الطير فقد ورد في استثنائه روايتان :
إحداهما : رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أيضاً ، قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا قطع في ريش ، يعني الطير كلّه(1) .
ثانيتهما : رواية غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) أُتي بالكوفة برجل سرق حماماً فلم يقطعه ، وقال : لا أقطع في الطير(2) .
وقد وصف المحقّق في الشرائع الرواية بالضعف(3) ، وظاهره أنّ الطرح إنّما هو لأجله ، ووافقه عليه صاحب الجواهر(4) ، مع أنّ غياث بن إبراهيم قد وثّقه النجاشي والعلاّمة في الخلاصة ، ولأجله ربما يشكل الحكم في الطير ; لأنّه إن لم يكن وجه الإعراض مبيّناً لكان نفس الإعراض كافياً في عدم الاعتماد على الرواية ، وأمّا مع تبيّن الوجه وعدم التمامية عندنا يشكل الإعراض عن الرواية التامّة من حيث السند والدلالة ، كما لا يخفى .
1 ـ قد مرّ أنّ النصاب هو ربع الدينار أو ما بلغ قيمته ذلك ، وقد وقع التصريح
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب22 ح2.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب22 ح1.
- (3) شرائع الإسلام: 4 / 954.
- (4) جواهر الكلام: 41 / 498.