(الصفحة 539)
الشرائع(1) مستنداً إلى أنّ الناس في غشيانها شرع سواء .
وهذا الدليل يكفي جواباً عن الشيخ لو كان مستنده في ذلك إطلاق الأدلّة والضوابط المتقدّمة في السرقة الموجبة للقطع ، وذلك لعدم تحقّق الحرز في ستارة الكعبة بوجه ، وكون المسجد الحرام من المواضع التي يجوز الدخول فيها للعموم ، وتكون أبوابها مفتوحة عليهم دائماً ، فلا تكون ستارة الكعبة حينئذ بمحرزة أصلا .
وأمّا لو كان مستنده الروايات الواردة في بني شيبة الحاجبين للمسجد الحرام الدالّة على أنّ القائم(عج) إذا قام يقطع أيديهم ويطوف بهم ويقول : هؤلاء سرّاق الله(2) وفي بعضها قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام) بعد أن قال بنو شيبة في حقّه : إنّه ضالّ مبتدع ليس يؤخذ عنه ولا علم له . . . إنّ من علمي أن لو ولِّيت شيئاً من أمر المسلمين لقطعت أيديهم ، ثمّ علّقتها في أستار الكعبة ، ثمّ أقمتهم على المصطبة ، ثمّ أمرت منادياً ينادي ألا إنّ هؤلاء سرّاق الله فاعرفوهم(3) .
وقد تقدّمت صحيحة عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن الرضا (عليه السلام) في حديث ، قال : قلت له : بأيّ شيء يبدأ القائم منكم إذا قام؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ; لأنّهم سرّاق بيت الله تعالى(4) .
والظاهر أنّه مع التصريح بأنّ العلّة هي السرقة ، غاية الأمر الإضافة إلى بيت الله أو إلى الله لا مجال لما في الجواهر من احتمال كون القطع لفسادهم لا للسرقة(5) ، وإن
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 954.
- (2) بحار الأنوار: 52 / 317 ح14 وص373 ح168.
- (3) وسائل الشيعة: 9 / 353، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب22 ح6.
- (4) وسائل الشيعة: 9 / 586، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب22 ح13.
- (5) جواهر الكلام: 41 / 504.
(الصفحة 540)مسألة 10 : لو سرق من جيب إنسان ، فإن كان المسروق محرزاً كأن كان في الجيب الذي تحت الثوب ، أو كان على درب جيبه آلة كالآلات الحديثة تحرزه فالظاهر ثبوت القطع ، وإن كان في جيبه المفتوح فوق ثيابه لا يقطع ،
كان ربّما يؤيّده ملاحظة المورد في بعضها ، وهو إقدامهم على أخذ ما أوصي به للكعبة من ألف درهم أو جارية كانت لرجل أو غيرهما ، وإنكار الإمام (عليه السلام) ذلك ومنعه عن التسليم إلى بني شيبة الحاجبين لبيت الله الحرام ، فإنّه لا يتحقّق عنوان السرقة في مثل ذلك وإن لم يجز الأخذ بوجه .
وكيف كان ، لو لم نقل بثبوت الخصوصيّة للمسجد الحرام ، وقلنا بعدم الفرق بينه وبين سائر المواضع من هذه الجهة ، كما ربّما يؤيّده التعليل بأنّهم سرّاق بيت الله تعالى ; لظهوره في عدم كونه أمراً تعبديّاً خاصّاً بالمسجد ، فالظاهر أنّه لا مجال للقطع بعدعدم ثبوت الحرزفيه بوجه،خصوصاًللحاجبينوالمتصدّين لأمور المسجد.
وإن قلنا بثبوت الخصوصيّة كما نقلناه عن بعض ، ويؤيّده قصّة صفوان المتقدّمة المحكيّة بطريق صحيح ، عن الصادق (عليه السلام) ، الظاهرة في ثبوت القطع على من سرق الرداء منه ، وإن لم يكن في حرز حتّى مثل المراقبة والنظر ، فاللاّزم الالتزام بثبوت القطع في مثل ستارة الكعبة إذا سرقت .
وبعد ذلك كلّه فالمسألة مشكلة جدّاً ; لأنّه لا مساغ للإعراض عن هذه الروايات بعد وجود الروايات الصحيحة في ضمنها من جهة ، ولا مجال لتوجيه التعليل الواقع فيها صريحاً أو ظاهراً من جهة اُخرى .
ثمّ إنّ الحكم في المشاهد المشرّفة إنّما هو على طبق القاعدة ، وهي تقتضي عدم ثبوت القطع مع الأخذ من مواضع عدم الحرز . نعم ، لو كان هناك حرز ولو بالإضافة إلى بعض الأشياء لكان اللازم القطع فيه .
(الصفحة 541)ولو كان الجيب في بطن ثوبه الأعلى فالظاهر القطع ، فالميزان صدق الحرز1.
1 ـ قد وقع عنوان هذه المسألة في كلام المشهور ، منهم المحقّق في الشرائع بأنّه لا يقطع من سرق من جيب إنسان أو كمّه الظاهرين ، ويقطع لو كانا باطنين(1) ، وعن الشيخ(2) وابن زهرة دعوى الإجماع عليه(3) . وقال الشهيد في الروضة : والمراد بالجيب الظاهر ما كان في ظاهر الثوب الأعلى ، والباطن ما كان في باطنه أو في ثوب داخل مطلقاً(4) .
أقول : مقتضى القاعدة ما ذكر من تخصيص الجيب الظاهر بما كان في ظاهر الثوب الأعلى ، غاية الأمر لزوم تقييده بما إذا كان مفتوحاً ، وأمّا إذا لم يكن كذلك كما في زماننا هذا ، حيث يحرز الجيب الظاهر أحياناً بالآلات الحديثة ، فالظاهر ثبوت القطع فيه وعدم التقييد لأجل عدم وجودها في زمانه .
وبالجملة : العرف يحكم بثبوت الاختلاف في الجيب من جهة الظهور وغيره ، ومن جهة المفتوحيّة وغيرها ، ومقتضاه التفصيل المذكور في المتن ، لكن ورد في المسألة روايات لابدّ من ملاحظتها ، فنقول :
طائفة منها تدلّ على عدم القطع مطلقاً في المقام الذي عبّر عنه في الروايات بالطرّار ، الذي هو من يقطع الجيب ونحوه لأخذ ما فيه من الدينار والدرهم وغيرهما ، كرواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ليس على
- (1) شرائع الإسلام: 4 / 954.
- (2) النهاية: 718، المبسوط: 8 / 45، الخلاف: 5 / 451 مسألة 51.
- (3) غنية النزوع: 434.
- (4) الروضة ا لبهيّة: 9 / 246.
(الصفحة 542)
الذي يستلب قطع ، وليس على الذي يطرُّ الدارهم من ثوب الرجل قطع(1) .
وصحيحة عيسى بن صبيح قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الطرّار والنبّاش والمختلس ؟ قال : لا يقطع(2) .
وبعضها يدلّ على القطع مطلقاً ، وهي صحيحة منصور بن حازم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : يقطع النبّاش والطرّار ، ولا يقطع المختلس(3) .
وبعضها يدلّ على التفصيل ، وهي رواية السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بطرّار قد طرّ دراهم من كمّ رجل ، قال : إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه ، وإن كان طرّ من قميصه السافل (الداخل خ ل) قطعته . ورواية مسمع أبي سيّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثلها(4) .
ورواية مسمع أبي سيّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أُتي بطرّار قد طرّ من رجل من ردنه دراهم ، قال : إن كان طرّ من قميصه الأعلى لم أقطعه وإن كان طرّ من قميصه الأسفل قطعناه(5) .
ومقتضى القاعدة جعل ما يدلّ على التفصيل شاهداً للجمع بين الطائفتين ، إنّما الكلام في مفاد دليل التفصيل ، فنقول : ظاهره بلحاظ كون الأعلى والسافل الواردين فيها وصفين للقميص أنّ السرقة إن كانت من القميص الواقع في أعلى البدن وفوق الثياب لا توجب القطع ، بخلاف ما لو كانت من القميص الواقع في الداخل وتحت القميص الأعلى فتوجب القطع ، ولكن هذا المعنى ـ مع أنّه لم يقل به المشهور ; لأنّ مقتضاه أنّ السرقة من القميص الأعلى لا توجب القطع ولو كانت
- (1 ـ 4) وسائل الشيعة: 18/ 504 ـ 505، أبواب حدّ السرقة ب13 ح1 ـ 4.
- (5) الكافي: 7 / 226 ح8، التهذيب: 10 / 115 ح456، الإستبصار: 4 / 244 ح923.
(الصفحة 543)مسألة 11 : لا إشكال في ثبوت القطع في أثمار الأشجار بعد قطفها وحرزها ، ولا في عدم القطع إذا كانت على الأشجار إن لم تكن الأشجار محرزة ، وأمّا إذا كانت محرزة كأن كانت في بستان مقفل ، فهل يقطع بسرقة ثمرتها أو لا؟ الأحوط بل الأقوى عدم القطع 1.
من الجيب الداخل الذي يعبّر عنه بالجيب الباطن ـ يستلزم فرض وجود قميصين ، مع أنّ المتعارف خصوصاً في زمان صدور الرواية لم يكن كذلك ، وعليه فيحتمل ما في الجواهر من أنّ معنى الخبرين : إن طرّ الأعلى من قميصه فلا قطع ، وإن طرّ الأسفل من قميصه قطع على جعل «من الأعلى والأسفل» مفعولين لطرّ(1) .
وكيف كان ، فلو كان مفاد دليل التفصيل هو المعنى الأخير فهو ينطبق على ما ذكرنا من المعنى العرفي للحرز ، وإلاّ فيتحقّق الإشكال من جهة ضعف السند ، وعدم تحقّق الانجبار لعدم موافقته للشهرة ، كما مرّ .
1 ـ ثبوت القطع في الفرض الأوّل ظاهر ، كعدم ثبوته في الفرض الثاني ، إنّما الإشكال في الفرض الثالث ، مقتضى الروايات المتكثّرة العدم .
منها : رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قضى النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيمن سرق الثمار في كمّه ، فما أكلوا منه فلا شيء عليه ، وما حمل فيعزّر ويغرم قيمته مرّتين(2) .
ومنها : رواية اُخرى للسكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : لا قطع في ثمر ولا كثر ، والكثر : شحم النخل(3) .
ومنها : رواية الأصبغ ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال : لا يقطع من سرق شيئاً من
- (1) جواهر الكلام: 41 / 506.
- (2، 3) وسائل الشيعة: 18/ 516، أبواب حدّ السرقة ب23 ح2 و3.