(الصفحة 546)
والروايات عبارة عن مرسلة زياد القندي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لايقطع السارق في سنة المحلّ (المحقّ خ ل) في شيء ممّا يؤكل ، مثل الخبز واللحم وأشباه ذلك(1) .
ورواية الكسوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال : لا يقطع السارق في عام سنة ، يعني : عام مجاعة(2) .
ومرسلة عاصم بن حميد ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يقطع السارق في أيّام المجاعة(3) .
وما رواه الصدوق بإسناده عن السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه (عليهما السلام) ، قال : لا يقطع السارق في عام سنة مجدبة . يعني : في المأكول دون غيره(4) . ويحتمل قويّاً أن يكون التفسير من الصدوق .
أقول : أمّا أصل المسألة بنحو الإجمال فلا حاجة في إثباته إلى هذه الروايات بعد ما عرفت من أنّ من جملة الامور المعتبرة في السارق أن لا يكون مضطرّاً إلى السرقة ، وعليه فالتقييد بالمأكول في عام المجاعة إنّما هو لأجل أنّ الإضطرار في تلك العام إنّما يتحقّق بالإضافة إلى المأكول دون غيره .
وبعد ذلك يقع البحث في أمرين :
أحدهما : أنّ مورد الروايات المتقدّمة الدالّة على عدم القطع في مجاعة ، هل هو خصوص صورة الاضطرار؟ أو يعمّ صورة العدم أيضاً؟ ربّما يقال : بالإنصراف إلى
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب25 ح1.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب25 ح2.
- (3) وسائل الشيعة: 18/ 520، أبواب حدّ السرقة ب25 ح3.
- (4) وسائل الشيعة: 18/ 521، أبواب حدّ السرقة ب25 ح4.
(الصفحة 547)
خصوص الصورة الأولى ، وعليه فلا دلالة للروايات على أزيد ممّا يدلّ عليه حديث الرفع بالإضافة إلى فقرة «ما اضطرّوا إليه» ، وهذا هو الذي يظهر من المبسوط ، حيث قال على ما حكي : إن سرق في عام المجاعة والقحط ، فإن كان الطعام موجوداً والقوت مقدوراً عليه ولكن بالأثمان الغالية فعليه القطع ، وإن كان القوت متعذّراً لا يقدر عليه فسرق سارق فأخذ الطعام فلا قطع عليه(1) .
ولكنّه قال في محكيّ الخلاف : روى أصحابنا أنّ السارق إذا سرق في عام المجاعة لا قطع عليه ولم يفصّلوا . وقال الشافعي : إذا كان الطعام موجوداً مقدوراً عليه ولكن بالثمن الغالي فعليه القطع ، وإن كان القوت متعذّراً لا يقدر عليه فسرق سارق طعاماً فلا قطع عليه(2) . دليلنا ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لا قطع في عام مجاعة(3) .
والظاهر الشمول لصورة العدم أيضاً ، وأنّ خصوصيّة عام المجاعة إنّما هي كونه مظنّة الاضطرار المسوغ ، ومقتضى إطلاق الفتاوى أيضاً ذلك .
ثانيهما : أنّ مورد الروايات هل يختصّ بالمأكول بالفعل ، أو يعمّ المأكول بالقوّة؟ أو يعمّ غير المأكول أيضاً ، منشأ توهّم الاختصاص بالمأكول رواية زياد القندي المتقدّمة ، ورواية السكوني على نقل الصدوق المتقدّمة أيضاً ، ولكنّك عرفت أنّ التفسير في رواية الصدوق يحتمل قويّاً أن يكون منه من دون أن يكون مرتبطاً بالرواية ، وأمّا رواية زياد فلا دلالة لها على الاختصاص بالمأكول ; لعدم ثبوت المفهوم لها حتّى يقيّد بسببه إطلاق باقي الروايات ، وإن حكي التقييد
- (1) المبسوط: 8 / 33 ـ 34.
- (2) المجموع: 21 / 416، المغني لابن قدامة: 10 / 289، الشرح الكبير: 10 / 285.
- (3) الخلاف: 5 / 432 مسألة 27.
(الصفحة 548)مسألة 13 : لو سرق حرّاً ، كبيراً أو صغيراً ، ذكراً أو أنثى ، لم يقطع حدّاً ، وهل يقطع دفعاً للفساد؟ قيل : نعم ، وبه رواية ، والأحوط ترك القطع وتعزيره بما يراه الحاكم 1.
عن المسالك(1) .
ثمّ على تقدير الاختصاص بالمأكول فالظاهر الشمول للمأكول بالقوّة ; لاشتمال رواية زياد على التمثيل باللحم ، ومقتضى إطلاقه أنّه لا فرق بين المطبوخ منه وبين غيره الذي هو المأكول بالقوّة ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ المراد من المحتاج المذكور في ذيل المسألة إن كان هو المضطرّ فلا خفاء في عدم ثبوت القطع فيه ، وعليه فالتعبير بقوله : لا يخلو من قوّة الظاهر في الترديد في الحكم وثبوت مرتبة من القوّة فيه ممّا لا يناسب .
وإن كان المراد غير المضطرّ ، بل من كان له حاجة غير بالغة حدّ الاضطرار ، فمقتضى قاعدة الترقّي الذي تفيده كلمة «بل» تعميم الحكم لما إذا كان المحتاج قد سرق المأكول الذي هو مورد الرواية لا التعميم لغير المأكول ، خصوصاً بعد جعل الاضطرار في غير المأكول محلّ إشكال ، فتدبّر .
1 ـ أمّا عدم القطع حدّاً ; فلعدم كونه مالا يبلغ النصاب ، ومن الظاهر اعتبار ماليّة المسروق في معنى السرقة لغةً وعرفاً ، وإن حكي عن الشيخ في المبسوط الاستدلال للمقام بآية السرقة(2) ، ولكنّه صرّح في الخلاف بأنّه «لا قطع عليه ; للإجماع على أنّه لا قطع إلاّ فيما قيمته ربع دينار فصاعداً ، والحرّ لا قيمة له ، وقال
- (1) مسالك الأفهام: 14 / 501.
- (2) المبسوط: 8 / 31.
(الصفحة 549)
مالك : عليه القطع(1) . وقد روى ذلك أصحابنا»(2) . كما أنّه ربّما يقال : بأنّ الوجه في القطع في سرقة المال إنّما هو حراسته ، وحراسة النفس أولى ، ومن الواضح بطلانه وأنّه لا يوافق مذهبنا كما في الجواهر(3) .
وأمّا القطع دفعاً للفساد فقد حكي عن الشيخ(قدس سره) في النهاية(4) وجماعة(5) ، بل في محكيّ التنقيح أنّه المشهور(6) ، ولكنّ المفروض في كلماتهم ما إذا سرق الحرّ فباعه ، والمستند في ذلك روايات متعدّدة ظاهرة في ذلك ، مثل :
رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) اتي برجل قد باع حرّاً فقطع يده(7) .
ورواية عبدالله بن طلحة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يبيع الرجل وهما حرّان يبيع هذا هذا ، وهذا هذا ، ويفرّان من بلد إلى بلد فيبيعان أنفسهما ، ويفرّان بأموال الناس ، قال : تقطع أيديهما ; لأنّهما سارقا أنفسهما وأموال الناس (المسلمين خ ل)(8) .
- (1) المغني لابن قدامة: 10 / 245، المدوّنة الكبرى: 6 / 281، بداية المجتهد: 2 / 446، المحلّى بالآثار: 12/325.
- (2) الخلاف: 5 / 428 مسألة 19.
- (3) جواهر الكلام: 41 / 511.
- (4) النهاية: 772.
- (5) إصباح الشيعة: 525، فقه القرآن للراوندي: 2 / 388.
- (6) التنقيح الرائع: 4 / 380.
- (7) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب20 ح2.
- (8) وسائل الشيعة: 18/ 515، أبواب حدّ السرقة ب20 ح3.
(الصفحة 550)
ورواية معاوية بن طريف بن سنان الثوري على نقل الكليني(1) وطريف بن سنان على نقل الصدوق(2) ، قال : سألت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن رجل سرق حرّة فباعها ، قال : فقال : فيها أربعة حدود : أمّا أوّلها فسارق تقطع يده ، والثانية إن كان وطأها جلد الحدّ ، وعلى الذي اشترى إن كان وطأها إن كان محصناً رجم ، وإن كان غير محصن جلد الحدّ ، وإن كان لم يعلم فلا شيء عليه ، وعليها هي إن كان استكرهها فلا شيء عليها ، وإن كانت أطاعته جلد الحدّ(3) .
ولا يخفى أنّ صاحب الوسائل حكى في الباب الثامن والعشرين من أبواب حدّ الزنا روايتين عن الشيخ ، إحداهما عن طريف بن سنان ، والأُخرى عن سنان بن طريف ، مشتملتين على مثل هذه الرواية الأخيرة ، والظاهر اتّحاد الروايات الثلاثة وعدم كونها متعدّدة ، غاية الأمر وقوع الاشتباه في الراوي كما لا يخفى .
وكيف كان ، البحث في هذه الروايات يقع من جهات :
الأولى : في أنّه هل بملاحظتها يثبت حكم القطع أو لا يثبت؟ ربّما يقال : بأنّ الروايات المذكورة ضعيفة ولم تثبت شهرة جابرة لضعفها ; لأنّ أصل الشهرة هو فتوى الشيخ في النهاية ، وقد عدل عنها في كتاب الخلاف ، الذي ألّف بعد النهاية التي هي أوّل مصنّفاته ، وقد مرّت عبارة الخلاف في أوّل المسألة .
ويمكن الجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ مجرّد عدول الشيخ لا يقدح في ثبوت الشهرة وتحقّقها ـ أنّ عبارة الخلاف لا يستفاد منها نفي القطع مطلقاً ، بل غاية مفادها عدم ثبوت القطع من جهة السرقة التي يعتبر فيها الماليّة بمقدار النصاب ،
- (1) كذا في الوسائل، ولكن في الكافي: 7 / 229 ح1، عن معاوية بن طريف، عن سفيان الثوري.
- (2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 69 ح5126.
- (3) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب20 ح1.