(الصفحة 550)
ورواية معاوية بن طريف بن سنان الثوري على نقل الكليني(1) وطريف بن سنان على نقل الصدوق(2) ، قال : سألت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن رجل سرق حرّة فباعها ، قال : فقال : فيها أربعة حدود : أمّا أوّلها فسارق تقطع يده ، والثانية إن كان وطأها جلد الحدّ ، وعلى الذي اشترى إن كان وطأها إن كان محصناً رجم ، وإن كان غير محصن جلد الحدّ ، وإن كان لم يعلم فلا شيء عليه ، وعليها هي إن كان استكرهها فلا شيء عليها ، وإن كانت أطاعته جلد الحدّ(3) .
ولا يخفى أنّ صاحب الوسائل حكى في الباب الثامن والعشرين من أبواب حدّ الزنا روايتين عن الشيخ ، إحداهما عن طريف بن سنان ، والأُخرى عن سنان بن طريف ، مشتملتين على مثل هذه الرواية الأخيرة ، والظاهر اتّحاد الروايات الثلاثة وعدم كونها متعدّدة ، غاية الأمر وقوع الاشتباه في الراوي كما لا يخفى .
وكيف كان ، البحث في هذه الروايات يقع من جهات :
الأولى : في أنّه هل بملاحظتها يثبت حكم القطع أو لا يثبت؟ ربّما يقال : بأنّ الروايات المذكورة ضعيفة ولم تثبت شهرة جابرة لضعفها ; لأنّ أصل الشهرة هو فتوى الشيخ في النهاية ، وقد عدل عنها في كتاب الخلاف ، الذي ألّف بعد النهاية التي هي أوّل مصنّفاته ، وقد مرّت عبارة الخلاف في أوّل المسألة .
ويمكن الجواب عنه ـ مضافاً إلى أنّ مجرّد عدول الشيخ لا يقدح في ثبوت الشهرة وتحقّقها ـ أنّ عبارة الخلاف لا يستفاد منها نفي القطع مطلقاً ، بل غاية مفادها عدم ثبوت القطع من جهة السرقة التي يعتبر فيها الماليّة بمقدار النصاب ،
- (1) كذا في الوسائل، ولكن في الكافي: 7 / 229 ح1، عن معاوية بن طريف، عن سفيان الثوري.
- (2) من لا يحضره الفقيه: 4 / 69 ح5126.
- (3) وسائل الشيعة: 18/ 514، أبواب حدّ السرقة ب20 ح1.
(الصفحة 551)
وقوله في الذيل : «وقد روى ذلك أصحابنا» وإن كان يستفاد منه أنّ الشيخ حمل الروايات على القطع بعنوان السرقة ; لكنّه لا يمنع عن استفادة القطع ولو بعنوان آخر ، والكلام إنّما هو في أصل ثبوت القطع لا في جهته .
الثانية : أنّه هل القطع على تقدير ثبوته إنّما هو لأجل السرقة أو لجهة اُخرى غيرها كالفساد؟ ربّما يقال : بأنّ ظاهر الروايات بلحاظ التعبير بالسرقة في أكثرها خصوصاًالتعليل بها ـ كمافي رواية عبدالله بن طلحة ـ هو كون القطع لأجل السرقة ، وعليه فاللازم الحكم بثبوت السرقة تعبّداً ; لوضوح اعتبار الماليّة في معنى السرقة .
ولكنّ الظاهر خلاف ذلك ، نظراً إلى أنّ التعليل بالسرقة لا يلائم مع الحكم بثبوتها تعبّداً ; لأنّ ظاهر التعليل هو كون العلّة أمراً مقبولا عند المخاطب ، بحيث لو توجّه إليه لكان الحكم ثابتاً عنده ، وهذا لا يناسب مع التعبّد بوجه .
ويدلّ على ماذكرنا من عدم كون القطع لأجل السرقة أنّ ظاهرالروايات أنّ القطع المذكور فيها إنّما هو لأجل البيع الواقع عقيب السرقة لا نفسها ، ومن الظاهر أنّه لو كانت السرقة بعنوانها موجبة للقطع هنا لكان اللازم تحقّق القطع بمجرّدها من دون توقّف على البيع ، ويؤيّده أنّه لم يقع التعرّض للسرقة في رواية السكوني لمسألة السرقة أصلا ، بل المفروض فيها مجرّد بيع الحرّ ، كما أنّ الرواية الأخيرة أيضاً لا تعرّض فيها لهذه المسألة ، بل ظاهرها تباني الرجلين على أن يبيعا أنفسهما ثمّ يفرّا .
فالإنصاف أنّه وإن وقع التعبير بالسرقة في أكثر الروايات ، إلاّ أنّ القطع المذكور فيها لا يكون مستنداً إلى السرقة ، بل الظاهر أنّ الوجه فيه هو الفساد والمفسديّة .
ويمكن أن يقال ، بل لعلّه الظاهر : إنّ نفس عنوان بيع الحرّ يترتّب عليه الحكم بقطع اليد في الشريعة في رديف السرقة ، من دون أن يكون من مصاديق الفساد
(الصفحة 552)
الذي رتّب عليه في الآية الشريفة(1) أحكام أربعة على سبيل التخيير ، ومنها قطع الأيدي والأرجل من خلاف ، وعليه فلا مجال للمناقشة في المقام بأنّه لو كان من مصاديق الفساد لكان اللازم ترتّب جميع تلك الأحكام ، لا خصوص قطع الأيدي من دون إضافة الأرجل أيضاً ، مع أنّه على تقدير كونه من مصاديقه لا مانع من ثبوت خصوصيّة للمقام مقتضية لثبوت قطع الأيدي فقط .
وممّا ذكرنا ظهر أنّ حكم القطع ينحصر بما إذا تحقّق البيع ، وأمّا إذا كان هناك مجرّدالسرقة من دون البيع، فالظاهر خروجه عن مورد الروايات، ومقتضى القاعدة فيه ثبوت التعزير فقط ، وإن حكي عن ظاهر المبسوط(2) والسرائر(3) خلافه .
الثالثة : الظاهر أنّه لا فرق في الحكم المذكور بين الذكر والأنثى ; لورود كليهما في الروايات المتقدّمة ، كما أنّ الظاهر أنّه لا فرق بين الصغير والكبير ; لثبوت الإطلاق في بعضها وورود بعضها في الكبير ، فما حكي عن الشيخ من تقييد ذلك بالصغير(4) . بل في المسالك(5) تبعه على ذلك الأكثر(6) معلّلين له بأنّ الكبير غالباً متحفّظ على نفسه لا يمكن بيعه ، يرد عليه : أنّه لا مجال لذلك مع صراحة بعض الروايات ووروده في الكبير ، خصوصاً مع ملاحظة بعضها الوارد في مورد ثبوت التباني والتوافق على البيع كما في رواية ابن طلحة ، مع أنّ عدم إمكان البيع في
- (1) سورة المائدة 5: 33.
- (2) المبسوط: 8 / 31.
- (3) السرائر: 3 / 499.
- (4) الخلاف: 5 / 426 مسألة 19، المبسوط: 8 / 31.
- (5) مسالك الأفهام: 14 / 502.
- (6) السرائر: 3 / 499، قواعد الأحكام: 2 / 265، المؤتلف من المختلف: 2 / 408 مسألة 19.
(الصفحة 553)مسألة 14 : لو أعار بيتاً مثلا فهتك المعير حرزه فسرق منه مالا للمستعير قطع ، ولو آجر بيتاً مثلا وسرق منه مالا للمستأجر قطع ، ولو كان الحرز مغصوباً لم يقطع بسرقة مالكه ، ولو كان ماله في حرز فهتكه وأخرج ماله لم يقطع ، وإن كان ماله مخلوطاً بمال الغاصب فأخذ بمقدار ماله أو أزيد بما دون النصاب 1.
الكبير لا يكون على نحو العموم ، فيمكن فرض ثبوت الكبر وعدم التحفّظ على نفسه ، كما لا يخفى .
1 ـ في هذه المسألة فروع :
الأوّل : ما لو أعار بيتاً مثلا ، فهتك المعير حرزه فسرق من مال المستعير ، ومقتضى القاعدة فيه ثبوت القطع ، وربّما يتوهّم أنّ جواز العارية وثبوت حقّ الرجوع فيها للمالك متى أراد يقتضي عدم ثبوت الحرز بالإضافة إليه ، فلا يتحقّق هتك الحرز ، ولكنّه مندفع بأنّ المفروض صورة كون الهتك لا بقصد الرجوع في العارية المقتضي لعدم جواز انتفاع المستعير به بعده ، بل بقصد السرقة فقط ، مع أنّ عليه حينئذ أن يمهل المستعير بقدر نقل أمتعته كما في الجواهر(1) .
وبالجملة : مجرّد الجواز وثبوت حقّ الرجوع لا يجوز هتك الحرز بقصد السرقة كما هو ظاهر .
الثاني : هذا الفرض بعينه ، غاية الأمر ثبوت الإجارة مكان العارية ، والحكم في هذا الفرض أوضح ، للزوم الإجارة وإن حكي عن بعض أهل الخلاف خلافه(2) .
- (1) جواهر الكلام: 41 / 512.
- (2) وهو أبو يوسف والشيباني، راجع المبسوط: 9 / 179 ـ 180، بدائع الصنائع: 6 / 21، المغني لابن قدامة: 10/256.
(الصفحة 554)
الثالث : ما لو كان الحرز مغصوباً ، كما إذا غصبت الدار فسكن فيها الغاصب ، فتارة يتحقّق هتك الحرز من المالك فيدخل فيها ويسرق من أموال الغاصب بمقدار النصاب ، وأُخرى من الشخص الثالث .
أمّا الأوّل : فالظاهر عدم ثبوت القطع فيه ; لأنّه وإن تحقّقت السرقة من أموال الغاصب ، إلاّ أنّه لم يكن هتك الحرز للمالك غير مشروع ; لأنّ المفروض أنّ الدار ملكه وله التصرّف فيها كيف شاء ، ولم يكن في البين مثل الإعارة والإجارة ، بل كان استيلاء الغاصب عليها عدواناً وغير مشروع ، فلا معنى لتحقّق الحرز بالإضافة إلى المالك .
وأمّا الثاني : فالمتن يشعر بثبوت القطع فيه ، لكن حكي عن المبسوط(1)والقواعد(2) والمسالك(3) أنّ الدار المغصوبة ليست حرزاً عن غير المالك ، نظراً إلى أنّ التصرّفات الصادرة من الغاصب الموجبة لتحقّق الحرز كسدّ الباب وقفله ومثلهما كلّها غير مشروعة ، فكأنّه لم يتحقّق الحرز أصلا .
ولكنّ الظاهر أنّ الحرز معنى عرفيّ ، ومجرّد عدم مشروعيّة تصرّفات الغاصب لايوجب عدم تحقّقه ، وعدم ثبوته بالإضافة إلى المالك ليس لأجل عدم مشروعيّة تلك التصرّفات ، بل لأجل جواز الهتك للمالك ، فمقتضى القاعدة ثبوت القطع .
الرابع : ما لو كان ماله في حرز فهتكه وأخرج ماله المعيّن فقط ، فلا يكون حينئذ قطع قطعاً ; لعدم تحقّق معنى السرقة الذي هو أخذ مال الغير ، وهذا من دون فرق فيه بين أن يكون الهتك مشروعاً له ومرخّصاً فيه ، كما إذا كان طريق الوصول إلى
- (1) المبسوط: 8 / 33.
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 270.
- (3) مسالك الأفهام: 14 / 504.