(الصفحة 587)
المتقدّمتين ، الظاهرتين في تخيّر الإمام بين العفو والقطع .
والجواب : أمّا عن الدليل الأوّل ـ مضافاً إلى أنّ مقتضاه تعيّن السقوط لا التخيير كما هو المدّعى ـ أنّ قياس الحدود بعذاب الآخرة مع الفارق ; لأنّ عذاب الآخرة قد لوحظ بالإضافة إلى شخص الكافر والعاصي ، والحدود قد لوحظ فيها مضافاً إلى ذلك المصالح الاجتماعيّة المرتبطة بالاجتماع ، فقطع يد السارق يوجب ارتداع الناس وعدم ارتكابهم للسرقة ، فالقياس مع الفارق .
وأمّا عن الدليل الثاني ، فربّما يقال : بأنّه عبارة عن ضعف الرواية بالإرسال وغيره ، ولكن قد عرفت اعتبار الرواية وخلوّها عن الضعف .
والحقّ في الجواب أن يقال : إنّ موردهما صورة خصوص الإقرار من دون أن يكون متعقّباً بالتوبة ، فلو كان الحكم في مورد الإقرار المجرّد هو التخيير لأمكن أن يقال : بأنّ ثبوته في صورة التوبة إنّما هو بطريق أولى ، وأمّا لو قلنا بعدم إمكان الالتزام بثبوت التخيير في الإقرار المجرّد ، فلازمه عدم إمكان الالتزام بالرواية في موردها ، ومعه لا يبقى مجال للتمسّك بالأولويّة ، فالحقّ في هذا الفرع هو ما حكي عن ابن إدريس من تحتّم القطع .
22 شعبان المعظّم 1405هـ
(الصفحة 588)
(الصفحة 589)
القول في الحدّ
مسألة 1 : حدّ السّارق في المرّة الأولى قطع الأصابع الأربع من مفصل أُصولها من اليد اليمنى ، ويترك له الراحة والإبهام ، ولو سرق ثانية قطعت رجله اليسرى من تحت قبّة القدم حتى يبقى له النصف من القدم ومقدار قليل من محلّ المسح ، وإن سرق ثالثاً حبس دائماً حتى يموت ، ويجري عليه من بيت المال إن كان فقيراً ، وإن عاد وسرق رابعاً ولو في السجن قتل 1.
1 ـ أمّا قطع الأصابع الأربع من مفصل أُصولها من اليد اليمنى ، فهو الذي نفى وجدان الخلاف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه في الجواهر(1) ، وهو محلّ الخلاف بيننا وبين أهل الخلاف .
قال الشيخ في الخلاف : موضع القطع في اليد من أُصول الأصابع دون الكفّ ، ويترك له الإبهام ، ومن الرجل عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ،
- (1) جواهر الكلام: 41 / 528.
(الصفحة 590)
يترك له ما يمشي عليه ، وهو المرويّ عن عليّ (عليه السلام)(1) وجماعة من السلف .
وقال جميع الفقهاء وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي : إنّ القطع في اليد من الكوع ـ وهو المفصل الذي بين الكفّ والذراع ـ وكذلك تقطع الرجل من المفصل بين الساق والقدم(2) . وقالت الخوارج : يقطع من المنكب ; لأنّ اسم اليد يقع على هذا(3) . دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضاً قوله تعالى :
{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيدِيْهِم}(4) ومعلوم أنّهم يكتبون بأصابعهم دون الساعد والكفّ ، وأيضاً ما قلناه مجمع على وجوب قطعه ، وما قالوه ليس عليه دليل(5) .
والروايات المستفيضة من طرقنا تدلّ على ذلك ـ كما أشار إليه الشيخ(قدس سره) ـ والمناسب إيراد بعضها :
كموثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال : تقطع يد السّارق ويترك إبهامه وصدر راحته ، وتقطع رجله ويترك له عقبه يمشي عليها(6) .
وذكر اليد مكان الأصابع مع أنّ القاعدة تقتضي التصريح بها ; لعلّه للإشارة إلى أنّ المراد من اليد في الآية الشريفة هو ما تدلّ عليه الرواية ، كما أنّ المراد من الراحة فيها هو الكفّ ، وعليه فالمقصود من الصدر ما يقابل الذيل ، وهو عبارة عن باطن
- (1) دعائم الإسلام: 2 / 469 ح1671، من لا يحضره الفقيه: 4 / 64 ـ 65، تفسير العيّاشي: 1 / 318 ح104.
- (2) الاُمّ: 6 / 150، مختصر المزني: 264، المجموع: 21 / 422، المغني لابن قدامة: 10 / 264، بداية المجتهد: 2/447، أسهل المدارك: 2 / 269، شرح فتح القدير: 5 / 153.
- (3) المحلّى بالآثار: 12 / 354، بدائع الصنائع: 6 / 42.
- (4) سورة البقرة 2: 79.
- (5) الخلاف: 5 / 437 ـ 438 مسألة 31.
- (6) وسائل الشيعة: 18 / 490، أبواب حدّ السرقة ب4 ح4.
(الصفحة 591)
الأصابع ، فالرواية ظاهرة فيما أفتى به الأصحاب .
وموثّقة عبدالله بن هلال ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : أخبرني عن السارق لم تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، ولا تقطع يده اليمنى ورجله اليمنى؟ فقال : ما أحسن ما سألت ، إذا قطعت يده اليمنى ورجله اليمنى سقط على جانبه الأيسر ولم يقدر على القيام ، فإذا قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى اعتدل واستوى قائماً ، قلت له : جعلت فداك ، وكيف يقوم وقد قطعت رجله؟ فقال : إنّ القطع ليس من حيث رأيت يقطع ، إنّما يقطع الرجل من الكعب ، ويترك له من قدمه ما يقوم عليه ويصلّي ويعبد الله ، قلت له : من أين تقطع اليد؟ قال : تقطع الأربع أصابع ، ويترك الإبهام يعتمد عليها في الصلاة ويغسل بها وجهه للصلاة ، قلت : فهذا القطع من أوّل من قطع؟ قال : قد كان عثمان بن عفّان حسّن ذلك لمعاوية(1) .
ورواية أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : القطع من وسط الكفّ ، ولا يقطع الإبهام ، وإذا قطعت الرجل ترك العقب لم يقطع(2) .
والظاهر أنّ المراد من وسط الكفّ هو مفصل أُصول الأصابع ; لانّه يوجب انقسام الكفّ إلى الصدر والذيل ، وعليه فالمراد بهذه العبارة كما في بعض الروايات الأُخر أيضاً هذا المعنى وإن كان خالياً عن التعرّض لعدم قطع الإبهام ، كما لا يخفى .
وروايات اُخرى كثيرة ، وإن كان في سند بعضها خلل من جهة الإرسال وغيره .
وفي مقابلها صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : من أين يجب
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 494، أبواب حدّ السرقة ب5 ح8.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 489، أبواب حدّ السرقة ب4 ح2.