(الصفحة 78)
الأخيرين على صورة تحقّق اللواط والمساحقة الذي هو لازم الحمل المذكور كيف يجتمع مع ترتّب مائة جلدة فقط ؟ فإنّ اللواط الذي حدّه القتل كيف يتبدّل حدّه بمائة سوط مع ثبوت الأمارة على تحقّقه ، كما أنّه بمثل هذا يتحقّق الإشكال في المقام أيضاً ، فإنّ الزنا المقرون بالإحصان الذي يكون حدّه الرجم كيف يتبدّل حدّه بمائة سوط مع ثبوت الأمارة المعتبرة على تحقّقه وثبوته ، وكيف كان فهذا الجمع أيضاً بعيد .
السابع: وجود التعارض بين الطائفتين ، والحكم بترجيح الطائفة الثانية ; لموافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين .
وهذا الوجه هو الأظهر ، ولكن مقتضاه تعيّن المائة إلاّ سوطاً ، مع أنّه لم يقل به أحد من الأصحاب ، بل يكون اتّفاقهم على خلافه .
فاللاّزم أن يقال: إنّ الحكم باستثناء سوط واحد في هذه الطائفة ليس لأجل الحكم بتعيّن هذا المقدار ; لأنّه من البعيد اختلافه مع الحدّ في سوط واحد فقط ، بل لأجل نفي ثبوت الحدّ في المقام ، ويؤيّده التعبير بنفي الحدّ في بعض الروايات الواردة في المرأتين والرجلين ، مثل رواية معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): المرأتان تنامان في ثوب واحد؟ فقال: تضربان . فقلت: حدّاً؟ قال: لا ، قلت: الرجلان ينامان في ثوب واحد؟ قال: يضربان . قال: قلت: الحدّ؟ قال: لا(1) . وعليه فالمراد من هذه الطائفة إثبات التعزير الذي هو بحسب ما يراه الحاكم من المصلحة ، فيظهر حينئذ وجه ما في المتن من الحكم بثبوت التعزير في هذا المقام .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 367 ، أبواب حدّ الزنا ب10 ح16 .
(الصفحة 79)
بقي الكلام في أمرين:
الأوّل: أنّ الظاهر اختصاص مورد الروايات بما إذا كان الرجل والمرأة المجتمعان تحت لحاف واحد مجرّدين ، لأنّه ـ مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى مناسبة الحكم والموضوع ، فإنّ الحكم بثبوت المائة في الطائفة الاُولى لا يناسب مع مجرّد الاجتماع كذلك ولو لم يكونا مجرّدين ; لأنّه حدّ الزنا الثابت ـ قد وقع التصريح به في بعض الروايات الواردة في المرأتين أو الرجلين ، مثل رواية أبي خديجة المتقدّمة في الوجه الثالث من وجوه العلاج ، وصحيحة أبي عبيدة ، عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: كان عليّ (عليه السلام)إذا وجد رجلين في لحاف واحد مجرّدين جلدهما حدّ الزاني مائة جلدة كلّ واحد منهما ، وكذلك المرأتان إذا وجدتا في لحاف واحد مجرّدتين جلدهما كلّ واحدة منهما مائة جلدة(1) .
والظاهر كون المفروض في الرجل والمرأة أيضاً ذلك ، خصوصاً بعد عطف المرأتين والرجلين عليه في بعض الروايات المتقدّمة ، كرواية الحلبي . والوجه في الإطلاق ما قيل من أنّ الغالب في تلك الأعصار هو التجرّد حال النوم .
نعم ، لا ينبغي الإشكال في أنّ اجتماع الرجل والمرأة الأجنبية تحت لحاف واحد يكون محرّماً ولو لم يكونا مجرّدين ، ولكنّ البحث إنّما هو في مورد الروايات الواردة في المقام ومجرى الأقوال المختلفة المنقولة فيه ، وقد عرفت أنّ الظاهر كون المفروض فيها صورة التجرّد .
الثاني: مورد جميع الروايات المتقدّمة هو الاجتماع تحت لحاف واحد ، وعليه
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 366 ، أبواب حدّ الزنا ب10 ح15 .
(الصفحة 80)
يقع الكلام في أنّ لهذا العنوان خصوصية ، أو أنّ ترتّب الحكم عليه لأجل أنّه من مصاديق الاستمتاع بما دون الفرج ، فيجري الحكم في التقبيل والمعانقة ونحوهما؟ ظاهر عبارة المحقّق في الشرائع المتقدّمة في صدر المسألة عدم الاختصاص ، حيث ذكر أنّه في التقبيل والمضاجعة والمعانقة روايتان ، ولكنّ التحقيق أنّه لو كان في هذا المقام روايات المائة فقط لما أمكن إلغاء الخصوصيّة من موردها ، خصوصاً بعد وضوح كون الاجتماع المذكور مقدّمة قريبة من الفعل ، ومشتملة على التلذّذ الخاص الذي لا يتحقّق بمثل التقبيل والمعانقة ، وخصوصاً بعدما مرّ من المجلسي(قدس سره)من الحمل على كونه أمارة عرفيّة على تحقّق الفعل ، فإنّ ما هو أمارة عليه هو الاجتماع المذكور فقط .
وأمّا لو اعتمدنا على روايات الأقلّ ، وحملناها على كون المراد ليس هو التعيين ، بل مجرّد التعزير ، فلا مانع من إلغاء الخصوصيّة والحكم بثبوت التعزير في مطلق الاستمتاع بما دون الفرج . وإن شئت قلت: الحكم بالتعزير في المقام يستفاد من هذه الروايات ، وفي غيره من أدلّة التعزير الجارية فيه ، فتدبّر .
نعم ، ورد في التقبيل رواية في سندها يحيى بن المبارك وهو مجهول ، وهي رواية إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): مجذم (محرم خ ل) قبّل غلاماً بشهوة ، قال: يضرب مائة سوط(1) . وهي مضافاً إلى ورودها في الرجلين ، ظاهرها السؤال عن حكم المحرم بالضم ، لا المحرم بالفتح كما قيل ، ونظر السائل إلى حكم إحرام هذا الرجل ، وأجاب الإمام (عليه السلام) بترتّب الحدّ عليه فقط ، فلا ارتباط لهذه الرواية بالمقام أصلا .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 422 ، أبواب حدّ اللواط ب4 ح1 .
(الصفحة 81)
القول في ما يَثبت به
مسألة 1 : يثبت الزنا بالإقرار ، ويشترط فيه بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا بإقرار المجنون حال جنونه ، ولا بإقرار المكره ، ولا بإقرار السكران والساهي والغافل والنائم والهازل ونحوهم1.
1 ـ أمّا ثبوت الزنا بالإقرار فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى عموم ما دلّ على الثبوت به كقوله(صلى الله عليه وآله): إقرار العقلاء على أنفسهم جائز(1) ـ الروايات الكثيرة الواردة في المسألة الثانية التي يدلّ أكثرها على اعتبار كون الإقرار أربع مرّات ، وواحدة منها على كفاية الإقرار مرّة واحدة ، فإنّ مقتضى الجميع صلاحيّة الإقرار في الجملة لإثبات الزنا ، كما لا يخفى .
وأمّا اعتبار بلوغ المقرّ ، فيدلّ عليه ما دلّ على اعتبار البلوغ في الزنا ، ومرجع
- (1) وسائل الشيعة: 16 / 111 ، كتاب الإقرار ب3 ح2 ، مستدرك الوسائل: 16 / 31 كتاب الإقرار ب2 ح1 .
(الصفحة 82)
ذلك إلى أنّ إقراره ولو كان موجباً لثبوته لا يترتّب عليه أثر لاعتبار البلوغ في الزنا ، فلا حاجة إلى إقامة دليل خاصّ عليه هنا ، نعم ذكر في الجواهر: أنّ الصبيّ المراهق إذا أقرّ يؤدّب لكذبه ، أو حدوث الفعل منه(1) .
وأمّا اعتبار عقله ، فلكون دليل جواز الإقرار مقصوراً على الإقرار المضاف إلى العقلاء ، ولابدّ من جعل الفرض ما إذا أقرّ بالزنا حال العقل ، وأريد إجراء الحدّ عليه بعد زوال الجنون ، وإلاّ فالدليل على الاعتبار ما دلّ على اعتبار العقل في الزنا ممّا عرفت .
وأمّا اعتبار اختياره ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه(2)ـ رواية أبي البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه(3) .
وأمّا اعتبار القصد ، فالدليل عليه وضوح كون حجيّة الظواهر مقصورة بما كان الكلام مقروناً مع الالتفات والتوجّه وقصد المعنى ، وبدونه لا مجال للاتّكال عليه ، فلا عبرة بإقرار المذكورين في المتن ، نعم ربما يقع الكلام في مورد دعوى هذه الأمور ، ولكنّه أمر آخر غير المقام .
ثمّ إنّه اشترط في الشرائع أمراً خامساً وهي الحريّة(4) . لكنّ المراد ليس إطلاق الشرطيّة على معنى كون إقرار العبد غير جائز مطلقاً ، بل بمعنى لزوم تصديق المولى والتبعيّة به بعد العتق مع عدم التصديق ، كما في سائر أقاريره ، ولعلّ ذلك هو الوجه
- (1) جواهر الكلام: 41/279 .
- (2) وسائل الشيعة: 11 / 295 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ب56 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 497 ، أبواب حدّ السرقة ب7 ح2 .
- (4) شرائع الإسلام: 4/934 .