(الصفحة 80)
يقع الكلام في أنّ لهذا العنوان خصوصية ، أو أنّ ترتّب الحكم عليه لأجل أنّه من مصاديق الاستمتاع بما دون الفرج ، فيجري الحكم في التقبيل والمعانقة ونحوهما؟ ظاهر عبارة المحقّق في الشرائع المتقدّمة في صدر المسألة عدم الاختصاص ، حيث ذكر أنّه في التقبيل والمضاجعة والمعانقة روايتان ، ولكنّ التحقيق أنّه لو كان في هذا المقام روايات المائة فقط لما أمكن إلغاء الخصوصيّة من موردها ، خصوصاً بعد وضوح كون الاجتماع المذكور مقدّمة قريبة من الفعل ، ومشتملة على التلذّذ الخاص الذي لا يتحقّق بمثل التقبيل والمعانقة ، وخصوصاً بعدما مرّ من المجلسي(قدس سره)من الحمل على كونه أمارة عرفيّة على تحقّق الفعل ، فإنّ ما هو أمارة عليه هو الاجتماع المذكور فقط .
وأمّا لو اعتمدنا على روايات الأقلّ ، وحملناها على كون المراد ليس هو التعيين ، بل مجرّد التعزير ، فلا مانع من إلغاء الخصوصيّة والحكم بثبوت التعزير في مطلق الاستمتاع بما دون الفرج . وإن شئت قلت: الحكم بالتعزير في المقام يستفاد من هذه الروايات ، وفي غيره من أدلّة التعزير الجارية فيه ، فتدبّر .
نعم ، ورد في التقبيل رواية في سندها يحيى بن المبارك وهو مجهول ، وهي رواية إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): مجذم (محرم خ ل) قبّل غلاماً بشهوة ، قال: يضرب مائة سوط(1) . وهي مضافاً إلى ورودها في الرجلين ، ظاهرها السؤال عن حكم المحرم بالضم ، لا المحرم بالفتح كما قيل ، ونظر السائل إلى حكم إحرام هذا الرجل ، وأجاب الإمام (عليه السلام) بترتّب الحدّ عليه فقط ، فلا ارتباط لهذه الرواية بالمقام أصلا .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 422 ، أبواب حدّ اللواط ب4 ح1 .
(الصفحة 81)
القول في ما يَثبت به
مسألة 1 : يثبت الزنا بالإقرار ، ويشترط فيه بلوغ المقرّ وعقله واختياره وقصده ، فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن كان مراهقاً ، ولا بإقرار المجنون حال جنونه ، ولا بإقرار المكره ، ولا بإقرار السكران والساهي والغافل والنائم والهازل ونحوهم1.
1 ـ أمّا ثبوت الزنا بالإقرار فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى عموم ما دلّ على الثبوت به كقوله(صلى الله عليه وآله): إقرار العقلاء على أنفسهم جائز(1) ـ الروايات الكثيرة الواردة في المسألة الثانية التي يدلّ أكثرها على اعتبار كون الإقرار أربع مرّات ، وواحدة منها على كفاية الإقرار مرّة واحدة ، فإنّ مقتضى الجميع صلاحيّة الإقرار في الجملة لإثبات الزنا ، كما لا يخفى .
وأمّا اعتبار بلوغ المقرّ ، فيدلّ عليه ما دلّ على اعتبار البلوغ في الزنا ، ومرجع
- (1) وسائل الشيعة: 16 / 111 ، كتاب الإقرار ب3 ح2 ، مستدرك الوسائل: 16 / 31 كتاب الإقرار ب2 ح1 .
(الصفحة 82)
ذلك إلى أنّ إقراره ولو كان موجباً لثبوته لا يترتّب عليه أثر لاعتبار البلوغ في الزنا ، فلا حاجة إلى إقامة دليل خاصّ عليه هنا ، نعم ذكر في الجواهر: أنّ الصبيّ المراهق إذا أقرّ يؤدّب لكذبه ، أو حدوث الفعل منه(1) .
وأمّا اعتبار عقله ، فلكون دليل جواز الإقرار مقصوراً على الإقرار المضاف إلى العقلاء ، ولابدّ من جعل الفرض ما إذا أقرّ بالزنا حال العقل ، وأريد إجراء الحدّ عليه بعد زوال الجنون ، وإلاّ فالدليل على الاعتبار ما دلّ على اعتبار العقل في الزنا ممّا عرفت .
وأمّا اعتبار اختياره ، فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى حديث رفع ما استكرهوا عليه(2)ـ رواية أبي البختري ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: من أقرّ عند تجريد أو تخويف أو حبس أو تهديد فلا حدّ عليه(3) .
وأمّا اعتبار القصد ، فالدليل عليه وضوح كون حجيّة الظواهر مقصورة بما كان الكلام مقروناً مع الالتفات والتوجّه وقصد المعنى ، وبدونه لا مجال للاتّكال عليه ، فلا عبرة بإقرار المذكورين في المتن ، نعم ربما يقع الكلام في مورد دعوى هذه الأمور ، ولكنّه أمر آخر غير المقام .
ثمّ إنّه اشترط في الشرائع أمراً خامساً وهي الحريّة(4) . لكنّ المراد ليس إطلاق الشرطيّة على معنى كون إقرار العبد غير جائز مطلقاً ، بل بمعنى لزوم تصديق المولى والتبعيّة به بعد العتق مع عدم التصديق ، كما في سائر أقاريره ، ولعلّ ذلك هو الوجه
- (1) جواهر الكلام: 41/279 .
- (2) وسائل الشيعة: 11 / 295 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ب56 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 497 ، أبواب حدّ السرقة ب7 ح2 .
- (4) شرائع الإسلام: 4/934 .
(الصفحة 83)مسألة 2 : لابدّ وأن يكون الإقرار صريحاً أو ظاهراً لا يقبل معه الإحتمال العقلائي ، ولابدّ من تكراره أربعاً ، وهل يعتبر أن يكون الأربع في أربعة مجالس ، أو يكفي الأربع ولو كان في مجلس واحد؟ فيه خلاف أقربه الثبوت ، والأحوط اعتبار أربعة مجالس ، ولو أقرّ دون الأربعة لا يثبت الحدّ . والظاهر أنّ للحاكم تعزيره ، ويستوي في كلّ ما ذكر الرجل والمرأة ، وإشارة الأخرس المفهمة للمقصود تقوم مقام النطق ، ولو احتاجت إلى الترجمان يكفي فيه شاهدان عادلان1.
في ترك المتن ، وعدم التعرّض لاشتراط هذا الشرط .
1 ـ أمّا لزوم التكرار أربعاً ، فهو المشهور عندنا ، بل في الجواهر: «بلا خلاف معتدّ به أجده عندنا»(1) . ونسب إلى ظاهر ابن أبي عقيل كفاية الواحد(2) . كما عليه أكثر العامّة كالشافعي(3) ومالك(4) وحمّاد بن أبي سليمان(5) . خلافاً لأبي حنيفة(6)وابن أبي ليلى(7) ، وإن كان بينهما اختلاف من جهة لزوم كونه في أربعة مجالس ، كما عليه الأوّل ، أو عدم اللزوم كما عليه الثاني .
ويدلّ على اعتبار كونه أربعاً النصوص المتطابقة من الطرفين ، فمن طريق العامّة
- (1) جواهر الكلام: 41/280 .
- (2) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9/179 مسألة 37 .
- (3) الام: 6/133 .
- (4) المدوّنة الكبرى: 6/209 ، أسهل المدارك: 2/263 .
- (5) المغني لابن قدامة: 10/165 ، الشرح الكبير: 10/190 .
- (6) حاشية ردّ المحتار على الدرّ المختار: 4/9 ، بدائع الصنائع: 5/513 .
- (7) بداية المجتهد: 2/434 ، المبسوط للسرخسي: 9/91 .
(الصفحة 84)
ما في الجواهر من قوله: روي أنّ ماعز بن مالك جاء إلى النبي(صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إنّي زنيت ، فأعرض عنه ، ثمّ جاء من شقّه الأيمن فقال: يا رسول الله إنّي قد زنيت ، فأعرض عنه ، ثمّ جاءه فقال: إنّي قد زنيت ، ثمّ جاءه فقال: إنّي قد زنيت . قال ذلك أربع مرّات ، فقال: أبك جنون؟ قال: لا يا رسول الله ، قال: فهل أحصنت؟ قال: نعم . فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذهبوا به فارجموه(1) . وروي أنّه قال: لعلّك قبّلت أو غمزت أو نظرت ، قال: لا يا رسول الله ، قال: أنِكتَها لا تكنّي؟ قال: نعم كما يغيب المرود في المكحلة ، والرشا في البئر ، قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراماً كما يأتي الرجل من إمرأته حلالا ، قال: ما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهّرني . فأمر به فرجم(2) ـ إلى أن قال: ـ وفي بعض ألفاظ الحديث: «شهدت على نفسك أربع شهادات ، إذهبوا به فارجموه»(3) . وفي رواية اُخرى إنّه لمّا اعترف ثلاثاً قال له: إن اعترفت الرابعة رجمتك ، فاعترف الرابعة(4)(5) .
وبهذه التعبيرات يدفع احتمال كون الأربع إنّما هو للاختبار ، وأنّ به جنوناً أم لا؟ مضافاً إلى عدم مدخلية هذا العدد في الاستكشاف المزبور بوجه .
ومن طريق الخاصّة روايات متعدّدة:
منها: رواية ميثم قال: أتت امرأة مجحّ ـ كما في الوسائل ، والصحيح بالمهملتين ،
- (1) سنن البيهقي: 8/226 .
- (2) سنن البيهقي: 8/226 ، سنن أبي داود: 4 / 377 ح4428 .
- (3) سنن أبي داود: 4/376 ح4426 .
- (4) كنز العمال: 5/410 ح13450 .
- (5) جواهر الكلام: 41/280 ـ 281 .