(الصفحة 159)
يكون محصناً وهو شيخ ، وأعظم ما يتوجّه إليه على قول الشيخ الرجم ، فيكون أحسن حالا منه إذا زنى بالأجنبية المطاوعة ; لأنّه يجمع عليه بينهما إجماعاً ، فلا تتحقّق الأعظمية(1) .
أقول: أمّا ما ذكره ابن إدريس في ثبوت الجلد في تلك الموارد ، من أنّه يحصل به امتثال الأمر في الحدّين معاً ، فيرد عليه ظهور الروايات الواردة في الموارد المتقدّمة في إنحصار الحدّ بالقتل ، أو الضرب بالسيف ، لعدم ذكر شيء آخر زائد عليه ، ولو كان الجلد واجباً يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو غير جائز قطعاً ، كما أنّ ظاهر الفتاوى أيضاً ذلك ، خصوصاً مع التصريح بالجمع في بعض أقسام حدّ الزنا ، كالجمع بين الجلد والرجم في الشيخ أو الشيخة إذا كانا محصنين ، فالإقتصار على القتل في مقابله ظاهر في عدم ثبوت غيره ، وبالجملة لا ينبغي الإشكال في ظهور النصوص والفتاوى في الإنحصار ، ومعه لا مجال لدعوى انضمام الجلد أيضاً .
وأمّا دعواه ثبوت الرجم في صورة الإحصان ، فغاية ما يمكن الاستدلال لها ثبوت التعارض بين أدلّة الرجم ، وبين دليل مثل الزنا بذات المحرم الحاكم بالقتل ، لأنّ النسبة هي العموم من وجه ، والتعارض في خصوص مادّة الاجتماع ، وهو الزنا مع الإحصان بذات المحرم .
ويدفعها ـ مضافاً إلى أنّ التعارض بالنحو المذكور لا يثبت دعواه ; لابتنائها على ترجيح أدلّة الرجم في مورد التعارض ، ولم يقم دليل عليه ، بل الدّليل على خلافه ، وهي الموافقة لفتاوى الأصحاب والشهرة المحقّقة بينهم ، فالترجيح لأدلّة المقام ـ أنّ الظاهر عدم ثبوت المعارضة بين الدليلين ; لأنّ أدلّة المقام حاكمة
- (1) جواهر الكلام: 41/317 .
(الصفحة 160)
على دليل الرجم ، كحكومتها على دليل الجلد أيضاً ، ومرجعه إلى أنّ الدليلين ناظران إلى جعل الحكم في مورد طبيعة الزنا ، وأدلّة المقام متعرّضة لحكم الزنا الخاصّ مع النظارة إلى الدليلين والتوجّه إليهما ، فتكون كسائر الأدلّة الحاكمة ، ومن المعلوم أنّه لا تلاحظ النسبة بين دليل الحاكم ودليل المحكوم ، بل يقدّم الأوّل ، وعليه فلا محيص عن الأخذ بأدلّة المقام والحكم بثبوت القتل ولو كان الزنا مقروناً مع الإحصان .
وأمّا ما جعله كاشف اللثام مؤيّداً له ، فيرد عليه أنّ رواية أبي بصير مفادها مجرّد ثبوت حدّ الزنا الطبيعي في مورد الزنا بذات المحرم ، وليس قوله (عليه السلام): «إلاّ أنّه أعظم ذنباً» دالاًّ على ثبوت عقوبة زائدة على الحدّ المذكور ، بل معناه مجرّد كون الذنب أعظم ، ويترتّب عليه العذاب الأخروي ، وقد ذكرنا أنّ الرواية معرض عنها ويجب أن تطرح ، كما عرفت أنّه لا وجه لحمل الشيخ لها على خصوص المحصن ، والجمع بينها وبين غيرها بالحكم بالتخيير بين القتل وبين الرجم .
نعم ، يبقى النقض المذكور في كشف اللثام ، وهو أنّه يلزم أن يكون زنا الشيخ المحصن بذات المحرم أخفّ مجازاة من زناه بغيرها ، حيث يجمع فيه بين الجلد والرجم .
ويدفعه ـ مضافاً إلى أنّ هذه الأحكام أمور تعبّدية صرفة ، ولم يقم دليل كلّي على كون المجازاة الدنيوية تابعة في الشدّة والضعف لمراتب الذنب من هذه الجهة ـ أنّه يمكن أن تكون الأشدّية مقتضية لإيكال بعض مراتب عقوبته إلى الآخرة ، وعدم الاكتفاء بالمجازاة الدنيوية ، كما في مثل تكرار الصيد في الحج وغيره من الموارد ، ولعلّ مورد النقض هو المراد من بعض الصور الذي قال في المتن أنّ في النفس فيه تردّداً .
(الصفحة 161)الثاني: الرجم فقط ، فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة ، وعلى المحصنة إذا زنت ببالغ عاقل إن كانا شابّين ، وفي قول معروف يجمع في الشاب والشابّة بين الجلد والرجم ، والأقرب الرجم فقط1.
1 ـ إعلم أنّه لا دلالة للقرآن على ثبوت الرجم أصلا ، وروى ابن عباس ، عن عمر أنّه قال: إنّ الله عزّ وجل بعث محمّداً(صلى الله عليه وآله) بالحقّ وأنزل معه الكتاب ، فكان ممّا أنزل إليه آية الرجم ، فرجم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ورجمنا بعده .(1) وآية الرجم التي ادّعي أنّها من القرآن رويت بوجوه ، منها: الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة بما قضيا من الّلذة(2) . وقد التزموا لأجله بنسخ التلاوة بعد حكمهم بعدم التحريف ، وإسناده إلى علماء الإمامية ، مع أنّه لا يعلم مرادهم من نسخ التلاوة وأنّه هل كان نسخها بأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو بأيدي من تصدّى للزعامة والخلافة بعده .
فإن كان الأوّل ، فما الدليل على النسخ بعد ثبوت كون المنسوخ من القرآن بنحو التواتر على اعتقادهم ، ولذا يقولون: بأنّه كان يقرأه من لم يبلغه النسخ ، وصرّح بذلك الآلوسي في تفسيره الكبير(3) . فإن كان المثبت له هو خبر الواحد ، فقد قرّر في علم الاصول أنّه لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد والظّاهر الاتّفاق عليه وإن كان تخصيصه به محلّ خلاف ، وإن كان هو السنّة المتواترة ، فمع عدم ثبوت التواتر كما هو واضح نقول: إنّه حكي عن الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظّاهر القطع بعدم جواز نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة ، وحكي عن أحمد أيضاً في إحدى
- (1) مسند أحمد: 1 / 122 قطعة من ح 391 ، جامع المسانيد والسنن: 18/99 ـ 100 .
- (2) الموطّأ: 2 / 548 ح1560 ، سنن البيهقي: 8/213 ، الشرح الكبير: 10/156 .
- (3) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم: 1 / 25 .
(الصفحة 162)
الروايتين ، بل أنكر جماعة من القائلين بالجواز وقوعه وتحقّقه(1) .
وإن كان الثاني ، فهو عين القول بالتحريف ، وكأنّهم زعموا أنّ النزاع في باب التحريف نزاع لفظي ، وإلاّ فأيّ فرق بينه وبين نسخ التلاوة بهذا المعنى .
ثمّ إنّه يسأل من القائل بنسخ التلاوة في آية الرجم أنّه ما وجه دخول الفاء في قوله: «فارجموهما» فيها؟ مع أنّه لا يكون هناك ما يصحّح دخولها من شرط أو نحوه ، لا ظاهراً ولا على وجه يصحّ تقديره ، وإنّما دخلت الفاء على الخبر في قوله تعالى:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا . . .}(2) لأنّ كلمة «اجلدوا» بمنزلة الجزاء لصفة الزنا في المبتدأ ، والزنا بمنزلة الشرط ، وليس في المقام الرجم جزاء للشيخوخة .
ثمّ إنّ قضاء اللذة أعمّ من الجماع ، والجماع أعم من الزنا ; لإمكان كونه محلّلا ، والزنا أعمّ من سبب الرجم الذي هو الزنا مع الإحصان ، فكيف يصحّ إطلاق القول بوجوب رجمهما مع قضاء اللذة والشهوة ، مع أنّ مقتضى وقوعه تعليلا جريان الحكم في غير الشيخ والشيخة أيضاً ، وقد فصّلنا الكلام فيما يتعلّق بتحريف القرآن في كتابنا الموسوم بـ «مدخل التفسير» فليراجع .
ثمّ إنّه يظهر من بعض رواياتنا أيضاً ثبوت الرجم في القرآن ، مثل:
ما رواه عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الرجم في القرآن قول الله ـ عزّ وجل ـ إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتّة فإنّهما قضيا الشهوة(3) .
ورواية سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): في القرآن رجم؟ قال: نعم ،
- (1) الإحكام في أصول الأحكام: 3 / 165 .
- (2) سورة النور 24: 2 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 347 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح4 .
(الصفحة 163)
قلت: كيف؟ قال: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فإنّهما قضيا الشهوة(1) .
ولكن بعد قيام الأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة على عدم وقوع التحريف في الكتاب ، وأنّ ما بأيدينا مطابق لما أنزل إلى الرسول بعنوان القرآنية ، لا يبقى مجال لمثل هذه الروايات ، بل لابدّ من حملها على التقيّة ، أو على أنّ المراد بالقرآن هو القرآن المشتمل على الخصوصيّات الاُخرى أيضاً ، من الشرح والتفسير والتأويل ، وشأن النزول وأمثالها ، كقرآن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، مع أنّه يرد على تعبير الروايتين الإشكالات المتقدّمة كلاًّ أو جلاًّ كما لا يخفى ، وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الرجم في القرآن، بل الدليل عليه هي السنّة المستفيضة بل المتواترة، كما سيأتي .
إذاعرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه وقع الاختلاف فيماإذا تحقّق الزنا المقرون بالإحصان من الشابّ أو الشابّة ، فالمحكي عن المفيد(2) والمرتضى(3) والشيخ(4) في أكثر كتبه ، وإبن إدريس(5) وعامّة المتأخّرين هو لزوم الجمع بين الجلد والرجم ، بل في الجواهر:ادّعى عليه الشهرة غيرواحد،بل عن الانتصار:أنّه من متفرّدات الإماميّة(6) .
والمحكيّ عن الشيخ في بعض كتبه(7) وبني زهرة(8) وحمزة(9) وسعيد(10) هو
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 350 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح18 .
- (2) المقنعة: 775 .
- (3) الإنتصار: 516 .
- (4) المبسوط: 8/2 ، التبيان: 7/359 ، ذيل الآية الشريفة {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى} .
- (5) السرائر: 3/438 ـ 439 .
- (6) جواهر الكلام: 41/320 .
- (7) النهاية: 693 ، الخلاف: 5/366 مسألة2 .
- (8) غنية النزوع: 422 .
- (9) الوسيلة: 411 .
- (10) الجامع للشرائع: 550 .