(الصفحة 164)
الاقتصار على الرجم ، وهو الذي قرّبه في المتن .
ومنشأ الاختلاف وجود الروايات المختلفة في المسألة ، فإنّ الظاهر أنّها ثلاث طوائف:
الطائفة الاُولى: ما تدلّ على ثبوت الرجم فقط ، كصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: الرجم حدّ الله الأكبر ، والجلد حدّ الله الأصغر ، فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد(1) . ومن الظاهر أنّه لا خصوصيّة للرجل ، بل الحكم جار في المرأة المحصنة .
ورواية أبي العباس ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: رجم رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم يجلد ، وذكروا أنّ عليّاً (عليه السلام) رجم بالكوفة وجلد ، فأنكر ذلك أبو عبدالله (عليه السلام) وقال: ما نعرف هذا ، أي لم يحدّ رجلا حدّين: جلد ورجم في ذنب واحد(2) . قال في الوسائل بعد نقل الرواية: ذكر الشيخ(3) أنّ تفسير يونس للخبر غلط ، ثمّ حمله على إنكار الحكم الأوّل ، مع أنّ الظاهر خلاف ذلك .
ورواية الأصبغ بن نباتة ، المشتملة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) رجم واحداً من خمسة نفر اُخذوا في الزنا ، معلّلا بأنّه رجل محصن كان حدّه الرجم(4) .
والرواية المشتملة على قصّة ماعز المتقدّمة في بحث ثبوت الزنا بالإقرار(5)الظاهرة في أنّ الحدّ الجاري فيه هو الرجم فقط .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 346 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح1 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 347 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح5 .
- (3) التهذيب: 10/6 ـ 7 ، الإستبصار: 4/203 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 350 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح16 .
- (5) تقدّمت في ص84 .
(الصفحة 165)
الطائفة الثانية: ما تدلّ على ثبوت الجلد والرجم معاً ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في المحصن والمحصنة جلد مائة ، ثمّ الرجم(1) .
وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) في المحصن والمحصنة جلد مائة ، ثمّ الرجم(2) .
وصحيحة الفضيل قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من أقرّ على نفسه عند الإمام بحقّ ـ إلى أن قال: ـ إلاّ الزاني المحصن ، فإنّه لا يرجمه إلاّ أن يشهد عليه أربعة شهداء ، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مائة جلدة ، ثمّ يرجمه(3) .
ورواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى عليّ (عليه السلام) في امرأة زنت فحبلت فقتلت ولدها سرّاً ، فأمر بها فجلدها مائة جلدة ثمّ رجمت ، وكان أوّل من رجمها(4) .
ويحتمل على بعد أن يكون الجمع لأجل قتل الولد ، وإن كان يؤيّده بعض الروايات .
والمرسل عن عليّ (عليه السلام) أنّه جلد شراحة [سراجة ـ خ .ل] الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة . وقال: جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)(5) .
الطائفة الثالثة: ما تدلّ على التفصيل بين الشيخ والشيخة ، والشابّ والشابّة كرواية عبدالله بن طلحة وعبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا زنى الشيخ
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح8 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح14 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح15 .
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح13 .
- (5) مستدرك الوسائل: 18 / 42 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح12 ، سنن البيهقي: 8/220 .
(الصفحة 166)
والعجوز جلدا ، ثمّ رجما عقوبة لهما ، وإذا زنى النَّصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أُحصن ، وإذا زنى الشابّ الحدث السن جلد ، ونفي سنة من مصره(1) .
ورواية عبدالرحمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان عليّ (عليه السلام) يضرب الشيخ والشيخة مائة ويرجمهما ، ويرجم المحصن والمحصنة ، ويجلد البكر والبكرة وينفيهما سنة(2) . فإنّ قرينة المقابلة تقتضي أن يكون المراد بالجملة الثانية هو الشابّ والشابّة ، كما أنّ المراد من الجملة الاُولى هي صورة الاحصان قطعاً .
ورواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم ، والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة(3) . فإنّ تخصيص الشيخ والشيخة بثبوت الجمع بين الجلد والرجم ظاهر في الاختصاص ، وعدم الجريان في الشابّ والشابّة ، وإن لم نقل بثبوت المفهوم أصلا كما قد حقّق في محلّه .
ثمّ إنّ مقتضى القواعد جعل الطائفة الثالثة شاهدة للجمع بين الأوليين ، بحمل الاُولى على الشابّ والشابّة ، والثانية على الشيخ والشيخة ، ودعوى كون الطائفة الثالثة ضعيفة من حيث السند مدفوعة بأنّ رواية الحلبي صحيحة ، ورواية عبدالرحمن أيضاً كذلك ظاهراً ، ولذا استندوا إليها في الجمع في الشيخ والشيخة ، فلا مجال لطرحها أصلا .
وعلى تقدير ثبوت الضعف ولزوم الطرح نقول: يستفاد منها ومن الفتاوى طريق الجمع بين الأوليين ، وإن لم تكن هذه الطائفة بنفسها حجّة ، ويكون الجمع
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح11 ، والنّصف: الرجل بين الحدث والمسنّ ، الصحاح ، نصف .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح12 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح9 .
(الصفحة 167)مسألة 2 : لو زنى البالغ العاقل المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فهل عليه الرجم أم الحدّ دون الرجم؟ وجهان ، لا يبعد ثبوت الرجم عليه ، ولو زنى المجنون بالعاقلة البالغة مع كونها مطاوعة فعليها الحدّ كاملة من رجم أو جلد ، وليس على المجنون حدّ على الأقوى1.
بهذا النحو جمعاً مقبولاً عند العرف ، ومخرجاً لهما عن فرض التعارض ، فلا مجال لإعمال قواعد هذا الباب ، والرجوع إلى المرجّحات التي منها المخالفة للعامّة ، الموجودة في الطائفة الثانية ، وحمل الأُخرى على التقيّة ، فإنّ الرجوع إليها فرع ثبوت التّعارض ، وهو متوقّف على عدم امكان الجمع من حيث الدلالة ، فقد ظهر أنّ مقتضى القواعد على أيّ نحو كانت الطائفة الثالثة هو التفصيل ، كما اختاره في المتن .
1 ـ
أمّا الفرع الأوّل: وهو زنا المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة ، فقد حكي عن نهاية الشيخ(1) وجامع ابن سعيد(2) ثبوت الجلد فقط ، واختاره المحقّق في الشرائع(3) . وفي محكي الروضة(4) دعوى الشهرة على عدم الرجم في المجنونة ، وإن قال في الجواهر: وإن كنّا لم نتحقّقها(5) . والمحكيّ عن الحلبي(6) وابني زهرة(7)
- (1) النهاية: 696 .
- (2) الجامع للشرائع: 552 .
- (3) شرائع الإسلام: 4/937 .
- (4) الروضة البهية: 9/102 ـ 103 .
- (5) جواهر الكلام: 41/320 .
- (6) الكافي في الفقه: 405 .
- (7) غُنية النزوع: 424.
(الصفحة 168)
وإدريس(1) هو وجوب الرجم .
وما لابدّ من ملاحظته في المقام اُمور:
الأوّل: إطلاقات أدلّة الرجم في مورد الإحصان ، فإنّ مقتضاها ثبوت الرجم في المقام ; لكونها واردة في مقام البيان ، ولم يقع فيها التقييد بوجه .
الثاني: موثّقة أبي مريم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) في آخر ما لقيته عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة أو فجر بإمرأة ، أيّ شيء يصنع بهما؟ قال: يضرب الغلام دون الحدّ ، ويقام على المرأة الحدّ ، قلت: جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟ قال: تضرب الجارية دون الحدّ ، ويقام على الرجل الحدّ(2) .
وهل المراد بإقامة الحدّ على المرأة في الفرض الأوّل ، وعلى الرجل في الفرض الثاني هو مطلق الحدّ القابل للإنطباق على الرجم في مورد الإحصان ، وعلى الجلد في غيره ، كما يظهر من الجواهر(3) ؟ أو أنّ المراد بالإقامة في الفرضين هو إقامة حدّ الجلد فقط؟ والشاهد له ظهور الحدّ في قوله (عليه السلام): «دون الحدّ» في خصوص الجلد ; لعدم تصوّر عنوان الدون بالإضافة إلى الرجم ، فمقتضى وحدة السياق كون المراد بالحدّ في الفرضين هو الجلد أيضاً ، وعليه فتدلّ الموثّقة على عدم ثبوت الرجم في الفرضين المذكورين فيها .
الثالث: صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في غلام صغير لم يدرك ، ابن عشر سنين ، زنى بإمرأة ، قال: يجلد الغلام دون الحدّ ، وتجلد المرأة الحدّ كاملا ، قيل: فإن كانت محصنة؟ قال: لا ترجم; لأنّ الذي نكحها ليس بمدرك ، ولو كان
- (1) السرائر: 3/443 ـ 444 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 362 . أبواب حدّ الزنا ب9 ح2 .
- (3) جواهر الكلام: 41/321 .