(الصفحة 169)
مدركاً رجمت(1) .
ولا إشكال في دلالتها بالصّراحة على عدم ثبوت الرجم في المحصنة إذا زنى بها غلام صغير ، وأمّا عدم ثبوته في المحصن إذا زنا بصغيرة فربّما يقال: بدلالة عموم التعليل الوارد فيها عليه ، فإنّ المستفاد منه عرفاً اعتبار البلوغ في الطرف الآخر للزنا المقرون بالإحصان ، ولكنّ الظّاهر اختصاص التعليل بمورد الرواية ; لوجود الفرق بينه وبين عكسه ; لأنّ الصبيّ غير المدرك لا يتحقّق منه النكاح الموجب لحصول اللذة للزانية كاملة ، بخلاف الزنا بالصبية ، ولكن مع دلالة الموثّقة على الفرضين بناءً على ما استفدنا منها لا يكون البحث في عموم التعليل بمهمّ ، كما هو ظاهر .
الرابع: المرسلة المحكيّة عن السرائر قال: قد روي أنّه إذا زنا الرجل بصبيّة لم تبلغ ولا مثلها قد بلغ ، لم يكن عليه أكثر من الجلد ، وليس عليه رجم ، وكذا المرأة إذا زنت بصبي لم يبلغ . وقال أيضاً: روي أنّ الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه رجم إذا كان محصناً ، وكان عليه جلد مائة ، وليس على المجنونة شيء بحال(2) .
وقد ادّعي أنّها مجبورة بالشهرة الظاهرة والمحكية(3) . ولكنّ الظاهر كما في الجواهر(4) عدم تحقّق الشهرة ، ولذا لم يفت ابن إدريس نفسه على طبق المرسلة على ما حكي .
الخامس: الوجوه الاعتبارية التي لا مجال لشيء منها ، كالأصل ، ونقص الحرمة
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 362 . أبواب حدّ الزنا ب9 ح1 .
- (2) السرائر: 3/444 .
- (3) رياض المسائل: 10/47 .
- (4) جواهر الكلام: 41/322 .
(الصفحة 170)الثالث: الجلد خاصّة ، وهو ثابت على الزاني غير المحصن إذا لم يملك أي لم يزوّج ، وعلى المرأة العاقلة البالغة إذا زنى بها طفل ، كانت محصنة
أو لا ، فيهما بالنسبة إلى الكاملة ، ولذا لم يحدّ قاذفهما ، ونقص الّلذة في الصغيرة ، وفحوى نفي الرجم عن المحصنة إذا زنى بها صبيّ ، وعدم القول بالفصل بين المحصنة إذا زنى بها صبيّ وبين المقام ، بمعنى أنّ كلّ من قال بعدم الرجم فيها قال به أيضاً هنا ، وكلّ من قال بثبوته عليها قال بثبوته هنا ، ومن الواضح بطلان هذه الوجوه وعدم صلاحيّتها للمقاومة في مقابل الإطلاقات ، كما لا يخفى .
وقد انقدح من ملاحظة ما ذكرنا أنّه لابدّ في هذا الفرع من التفصيل بين زنا المحصن بالصغيرة وبين زناه بالمجنونة ، بالقول بثبوت الرجم في الثاني دون الأوّل ; لعدم نهوض شيء في الثاني في مقابل الإطلاقات المذكورة في الأمر الأوّل ، وقد عرفت أنّ المرسلة غير منجبرة .
وأمّا الفرع الثاني: فلا إشكال في ثبوت الرجم فيه ; لعدم وجود دليل على العدم ولو كان مرسلا ، بل ولا خلاف إلاّ ما يحكى عن يحيى بن سعيد(1) من المساواة بين الصبيّ والمجنون في عدم الرجم . قال في الجواهر: وهو مع شذوذه غير واضح الوجه كما اعترف به بعضهم(2) . وقد مرّ منا ثبوت الرجم في عكس هذا الفرض أيضاً .
ثمّ إنّك عرفت سابقاً عدم ثبوت الحدّ على المجنون(3) ، فلا وجه لإعادة البحث فيه أصلا .
- (1) الجامع للشرائع: 552 .
- (2) جواهر الكلام: 41/322 .
- (3) في ص22 ـ 25 .
(الصفحة 171)وعلى المرأة غير المحصنة إذا زنت1.
1 ـ حكم في المتن بثبوت الجلد خاصّة في موارد ثلاثة:
الأوّل: الرجل الزاني غير المحصن بشرط عدم كونه مملّكاً بمعنى عدم تحقّق التزويج منه أصلا ، وقد صرّح الماتن في القسم الخامس من أقسام حدّ الزنا بأنّه عبارة عن الجلد والتغريب والجزّ ، وبأنّ مورده البكر ، وهو الذي تزوّج ولم يدخل بها ، وجعل تفسير البكر بذلك هو الأقرب ، فيستفاد من المجموع أنّ غير المحصن على قسمين: أحدهما: غير البكر ، وهو الذي لم يتحقّق منه التزويج رأساً ، وحدَّه الجلد خاصّة ، والثاني: البكر أو المملَّك ، وهو الذي تزوّج ولم يدخل بها ، وحدّه الجمع بين الاُمور الثلاثة المذكورة ، وعليه ففي غير المحصن حدّان .
ويظهر هذا المعنى من محكيّ الشيخ في صريح النهاية(1) وابني زهرة(2) وسعيد(3)والكيدري(4) . بل هو ظاهر الصدوق(5) والمفيد(6) وسلاّر(7) وابن حمزة(8) . وعن العلاّمة في التحرير(9) دعوى الشهرة عليه ، واختاره فيه وفي المختلف(10) وولده في
- (1) النهاية: 694 .
- (2) غُنية النزوع: 424 .
- (3) الجامع للشرائع: 550 .
- (4) إصباح الشيعة: 514 .
- (5) المقنع: 428 ، 431 .
- (6) المقنعة: 775 ، 780 .
- (7) المراسم: 255 .
- (8) الوسيلة: 411 .
- (9) تحرير الأحكام: 2/222 .
- (10) مختلف الشيعة: 9/149 ـ 151 مسألة 9 .
(الصفحة 172)
الإيضاح(1) وأبو العبّاس في المقتصر(2) . بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه .
ولكنّه يظهر من جماعة أنّ غير المحصن قسم واحد ، وحدّه الجمع بين الامور الثلاثة المذكورة ، وقد حكي هذا عن العمّاني والإسكافي(3) والحلبي(4) وصريح الشيخ في المبسوط والخلاف(5) . وعن السرائر(6) . والمسالك نسبته إلى أكثر المتأخّرين(7) . بل عن غيرها نسبته إلى الشهرة(8) . بل عن ظاهر الخلاف والسرائر الإجماع عليه .
فيظهر من المجموع أنّ المسألة اختلافية ، وأنّ دعوى الشهرة أو الإجماع في أحد طرفيها في غير محلّها ، فلابدّ من ملاحظة الأخبار الواردة فيها ، فنقول: إنّها على طائفتين:
الاُولى: ما تدلّ على أنّ حدّ غير المحصن مطلقاً ليس هو الجلد فقط ، بل يجلد وينفى ، وهذه الطائفة كثيرة:
منها: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في الشيخ والشيخة جلد مائة والرّجم ، والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة(9) . قال في الوسائل بعد نقل هذه
- (1) إيضاح الفوائد: 4/479 .
- (2) المقتصر: 401 .
- (3) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/150 .
- (4) الكافي في الفقه: 405 .
- (5) المبسوط: 8/2 ، الخلاف: 5/368 .
- (6) السرائر: 3/441 ـ 442 .
- (7) مسالك الأفهام: 14/369 .
- (8) رياض المسائل: 10/49 .
- (9) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح9 .
(الصفحة 173)
الرواية: ورواه الصدوق بإسناده عن حمّاد مثله ، وزاد: والنفي من بلد إلى بلد ، قال: وقد نفى أمير المؤمنين (عليه السلام) من الكوفة إلى البصرة(1) .
ومن الواضح أنّ البكر والبكرة في الصحيحة لا يكونان مقابلين للشيخ والشيخة ، بل للمحصن الذي هو المراد منهما بقرينة الإجماع ، والتقييد بالشيخ والشيخة لعلّه لأجل إخراج الشابّ والشابّة من جهة عدم ثبوت الجمع فيهما ، ولذا استفدنا ذلك منهما في بحثهما .
ومنها: صحيحة عبدالرّحمن ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان عليّ (عليه السلام) يضرب الشيخ والشيخة مائة ويرجمهما ، ويرجم المحصن والمحصنة ، ويجلد البكر والبكرة ، وينفيهما سنة(2) . وهذه الراوية واضحة الدلالة ، من جهة جعل البكر والبكرة في مقابل المحصن مطلقاً أعمّ من الشيخ والشيخة وغيرهما .
ومنها: رواية عبدالله بن طلحة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثمّ رجما عقوبة لهما ، وإذا زنى النَّصف من الرجال رجم ولم يجلد إذا كان قد أُحصن ، وإذا زنى الشابّ الحدث السنّ جلد ، ونفي سنة من مصره(3) .
وتثليث الفروض بعد كون المراد بالأوّلين هو المحصن ظاهر في أنّ المراد بالقسم الثالث مطلق غير المحصن ، وأنّ التعبير عنه بالشابّ الحدث السنّ بلحاظ كونه غير محصن غالباً ، فتدلّ على أنّ مطلق غير المحصن حكمه الجلد والنفي ، من دون فرق بين من تزوّج ولم يدخل ، أو لم يتزوّج أصلا .
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح10 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح12 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 349 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح11 ، والنَّصف: الرجل بين الحدث والمسنّ .