(الصفحة 175)
الحدّ؟ قال: ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة(1) .
الطائفة الثانية: ما تدلّ على اختصاص النفي والتغريب مضافاً إلى الجلد بخصوص من أملك ، أي تزوّج ولم يدخل بها ، وهي ثلاث روايات:
الاُولى: صحيحة أو حسنة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة ، وقضى للمحصن الرجم ، وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة ونفي سنة في غير مصرهما ، وهما اللذان قد أملكا ولم يدخل بها(2) . ورواه الشيخ إلاّ أنّه أسقط قوله (عليه السلام): «وهما اللّذان»(3) . واحتمال كون التفسير من الراوي ـ ولذا لم ينقله الشيخ ـ مدفوع بكونه خلاف الظاهر جدّاً ، بل الظاهر كون التفسير من أبي جعفر (عليه السلام) ، وعدم نقل الشيخ له لا إشعار فيه بذلك; لما نرى من الاختلاف في النقل في الموارد الكثيرة ، وما المانع من النقل مع الإعلام بكون التفسير من الراوي ، كما قد وقع في موارد أيضاً ، وبالجملة لا مجال لهذا الاحتمال أصلا .
نعم ، يمكن أن يناقش فيها باشتمالها على نفي المرأة أيضاً ، مع أنّ الشهرة على عدم ثبوته فيها(4) . بل ادّعى الإجماع عليه(5) . ويدفعها ـ مضافاً إلى اشتمال بعض الطائفة الاُولى على هذا الأمر أيضاً ، كصحيحتي الحلبي وعبدالرحمن المتقدّمتين ـ أنّ خروج المرأة بالإجماع أو غيره لا يوجب وهناً في الرواية ، مع أنّ ثبوت الإجماع
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 393 ، أبواب حدّ الزنا ب24 ح4 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 347 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح2 .
- (3) التهذيب: 10 / 36 ح123 .
- (4) رياض المسائل: 10/51 .
- (5) الخلاف: 5/368 مسألة 3 ، غنية النزوع: 430 .
(الصفحة 176)
غير معلوم ، كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله تعالى . وبالجملة المناقشة في هذه الرواية سنداً أو دلالة ممّا لا مجال له أصلا .
الثانية: مرسلة يونس ، عن زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المحصن يرجم ، والذي قد أُملك ولم يدخل بها فجلد مائة ونفي سنة(1) . ورواه الشيخ عن يونس ، عن زرارة من دون إرسال(2) . ولكنّه ربّما يقال: بأنّ ملاحظة طبقات الرواة تقتضي أنّ يونس لا يمكن له النقل عن زرارة من دون واسطة ، فلابدّ أن يقال: بأنّ الواسطة محذوفة فيتحقّق الإرسال .
كما أنّه ربّما يناقش في دلالتها بأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ، فإثبات الجلد والنفي في مورد المملَّك لا يستلزم النفي في غير المملّك ، ولكنّ هذه المناقشة مندفعة جدّاً بظهور كون التقييد إنّما هو لبيان الاختصاص ، وإلاّ فلو كان الحكم مترتّباً على مطلق غير المحصن لم يكن وجه للتقييد ، خصوصاً مع التعرّض لحكم المحصن مطلقاً في الجملة الاُولى ، كما لا يخفى .
الثالثة: رواية زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة ولا ينفى ، والذي قد أملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى(3) .
وقد نوقش فيها من حيث السند ، باشتماله على موسى بن بكر وهو واقفيّ ، ويمكن دفعها بأنّه وإن صرّح الشيخ(4) فقط في رجاله بكونه واقفياً ، إلاّ أنّه يمكن استفادة وثاقته من رواية مثل أبن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى عنه ، مع أنّه
- (1) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح6 .
- (2) التهذيب: 10/3 ح8 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح7 .
- (4) رجال الطوسي: 353 رقم9 .
(الصفحة 177)
روى بعض الروايات المشتملة على النصّ على الرضا (عليه السلام) أيضاً(1) . ومن حيث الدلالة بالاختلاف في متن الحديث ، فإنّ الكافي(2) والاستبصار(3) قد نقلا الرواية مثل ما ذكرنا ، لكن في الوافي عن التهذيب : «وينفى» في الموضعين بدون «لا» ، «والتي قد أملكت» على المؤنث(4) .
وعن التهذيب(5) المطبوع «لا ينفى» في الأوّل «والتي قد أملكت» على التأنيث في الثاني .
ويؤيّد عدم وجود «لا» في الجملة الثانية ـ مضافاً إلى أنّ التفكيك وإيراد جملتين لا يناسب مع وحدة الحكم ; لأنّه على هذا التقدير لم تكن حاجة إلى التفكيك ـ أنّ صحاب الوسائل لم يشر إلى هذا الاختلاف بوجه ، بل قال بعد نقل الرواية: محمّد ابن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد مثله ، وزاد في أوّله: «المحصن يجلد مائة ويرجم» .
وكيف كان فلابدّ بملاحظة هذه الطائفة من رفع اليد عن إطلاق الطائفة الاُولى وتقييده بها ، والحكم باختصاص التغريب بخصوص غير المحصن إذا أملك ، ولم يدخل بها كما اختاره في المتن .
ويؤيّده رواية أصبغ بن نباتة(6) الواردة في خمسة نفر أُخذوا في الزنا ، وأجرى
- (1) اختيار معرفة الرجال ، المعروف برجال الكشي: 490 ذ رقم 933 وص494 رقم 947 .
- (2) الكافي: 7/177 ح6 .
- (3) الإستبصار: 4/200 ح752 .
- (4) الوافي: 15 / 239 .
- (5) التهذيب: 10/4 ح12 .
- (6) وسائل الشيعة: 18 / 350 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح16 .
(الصفحة 178)
عليّ (عليه السلام) حدّ الجلد فقط على الثالث منهم ، معلّلا بأنّه غير محصن حدّه الجلد .
بقي الكلام في أنّ الروايات المتقدّمة لم يقع في شيء منها التعرّض للجزّ زائداً على الجلد والنفي ، مع أنّه حكى في الجواهر عن الشيخين(1) وسلاّر(2) وابني حمزة(3)وسعيد(4) والفاضلين(5) التصريح به ، بل قال: لم يحك فيه خلاف ، وإن حكي عن الصدوق والعماني والإسكافي والشيخ في الخلاف والمبسوط وابن زهرة عدم التعرّض له(6) .
ويدلّ على ثبوته رواية حنان بن سدير قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا أسمع عن البكر يفجر وقد تزوّج ، ففجر قبل أن يدخل بأهله؟ فقال: يضرب مائة ويجزّ شعره وينفى من المصر حولا ، ويفرّق بينه وبين أهله(7) .
ورواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة ولم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحدّ ويحلق رأسه ويفرّق بينه وبين أهله وينفى سنة(8) .
وفي مقابلهما ـ من حيث الدلالة على عدم وجوب التفريق ـ رواية رفاعة بن موسى على نقل الصدوق ، أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يزني قبل أن يدخل
- (1) المقنعة: 780 ، النهاية 694 .
- (2) المراسم: 255 .
- (3) الوسيلة: 411 .
- (4) الجامع للشرائع: 550 .
- (5) شرائع الإسلام: 4/937 ، التحرير: 2/222 ، قواعد الأحكام: 2/252 ، إرشاد الأذهان: 2/173 .
- (6) رياض المسائل: 10 / 48 .
- (7) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح7 .
- (8) وسائل الشيعة: 18 / 359 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح8 .
(الصفحة 179)
بأهله أيرجم؟ قال: لا ، قلت: هل يفرّق بينهما إذا زنى قبل أن يدخل بها؟ قال: لا(1) ، والمراد من التفرّق يحتمل أن يكون التفريق من حيث المكان بينه وبين أهله ، بالإلزام بعدم مصاحبة أهله معه في محلّ النفي ، ويحتمل أن يكون هو التطليق وإجباره على طلاق زوجته ، ولكنّه لم يقع شيء من الأمرين مورداً لافتاء الأصحاب .
ثمّ إنّ ذكر الرأس في الرواية الثانية قرينة على عدم كون المراد من الشعر في الرواية مطلق الشعر الشامل للّحية والحاجب ، بل خصوص شعر الرأس ، نعم ظاهره حلق جميع شعر الرأس ; لأنّه المتفاهم منه ، فلا يكفي حلق شعر الناصية فقط ، كما عن المقنعة(2) والمراسم(3) . وكونه أشنع لا دخالة له في الحكم أصلا .
ثمّ إنّه قد عبّر في الرواية الاُولى بالجزّ ، وفي الثانية بالحلق ، فإن قلنا بأنّ الثاني أخصّ من الأوّل ، فاللازم التقييد وتخصيص الحكم بالحلق ، وإن قلنا بالمغايرة فالظاهر أنّ الحكم هو التخيير بين الأمرين . هذا تمام الكلام في المورد الأوّل .
المورد الثاني: ـ من موارد ثبوت الجلد خاصّة ـ المرأة البالغة العاقلة إذا زنى بها طفل وإن كانت محصنة ، وقد مرّ البحث فيه في المسألة الثانية ، وأنّ مقتضى صحيحة أبي بصير المتقدّمة عدم ثبوت الرجم عليها ، معلّلا بأنّ الذي نكحها ليس بمدرك ، وكذا موثّقة أبي مريم ، بناءً على ما استفدنا منها ، فراجع .
المورد الثالث: المرأة غير المحصنة إذا زنت ، وفي الجواهر في شرح قول المحقّق:
- (1) من لا يحضره الفقيه: 4 / 40 ح5040 ، وسائل الشيعة: 18 / 358 ، أبواب حدّ الزنا ب7 ح1 و 2 .
- (2) المقنعة: 780 .
- (3) المراسم: 255 .