(الصفحة 180)
وأمّا المرأة فعليها الجلد مائة ولا تغريب عليها ولا جزّ(1) قال: بلا خلاف معتدّ به أجده ، بل في كشف اللثام(2) الاتّفاق عليه في الظاهر في الثاني ، وعن الخلاف(3)والغنية(4) وظاهر المبسوط(5) الإجماع عليه في الأوّل(6) . نعم عن ابني أبي عقيل والجنيد(7) ثبوت التغريب عليها .
وأمّا بالنظر إلى الروايات ، فالنصّ الدّال على الجزّ مورده الرجل ، ومع احتمال الاختصاص به خصوصاً بملاحظة الفتاوى لا مجال لإلغاء الخصوصيّة والتعدّي من الرجل إلى المرأة أصلا .
وأمّا ما ورد في التغريب فمقتضى الروايات الصحيحة المتقدّمة كصحيحة الحلبي ، وصحيحة عبدالرحمن ثبوت النفي في المرأة أيضاً ، ولكنّ الفتوى على خلافها ، وثبوت الشهرة أو الإجماع على العدم ، خصوصاً مع كون مستندهم في تغريب الرجل نفس هذه الروايات تدلّ على إطّلاعهم على رأي الأئمة (عليهم السلام) من طريق آخر ووصول هذا الرأي إليهم يداً بيد ، وإلاّ فكيف لم يفتوا بهذه الجهة من الروايات الصحيحة المعتبرة .
وهذا هو الوجه في اختصاص الحكم بالتغريب بالرجل ، لا ما ربّما يقال من
- (1) شرائع الإسلام: 4/937 .
- (2) كشف اللثام: 2/399 .
- (3) الخلاف: 5/368 مسألة 3 .
- (4) غنية النزوع: 423 .
- (5) المبسوط: 8/2 .
- (6) جواهر الكلام: 41/328 .
- (7) حكى عنهما في مختلف الشيعة: 9/150 .
(الصفحة 181)الرابع: الجلد والرجم معاً ، وهما حدّ الشيخ والشيخة إذا كانا محصنين ، فيجلدان أوّلا ثمّ يرجمان1 .
الخامس: الجلد والتغريب والجزّ ، وهي حدّ البكر ، وهو الذي تزوّج ولم يدخل بها على الأقرب2.
الاستدلال عليه بقوله تعالى:
{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ }(1) نظراً إلى أنّه لو كانت المرأة الحرّة يجب عليها التغريب; لكان على الأمة نصف ذلك ، مع أنّ الإجماع على أنّه لا تغريب عليها ، وكذا ما يقال من أنّها لو غربت فإمّا مع محرم أو زوج
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(2) أو بدونه ، وهو أيضاً غير جائز; لقوله(صلى الله عليه وآله): لا يحلّ لإمرأة أن تسافر من غير ذي محرم(3) . وكذا ما يقال من أنّ الشهوة غالبة فيهنّ ، والغالب أنّ انزجارهنّ عن الزنا لاستحيائهنّ من الأقارب ، ووجود الحفاظ لهنّ من الرجال، وبالتغريب تخرج من أيدي الحفاظ لهنّ من الرجال ، ويقلّ حيائهنّ لبعدهنّ من أقاربهنّ وربّما اشتدّ فقرهنّ ، فيصير مجموع ذلك سبباً لانفتاح باب هذه الفاحشة العظيمة عليهنّ ، وربّما يقهرن عليه إذا بعدن من الأقارب ، فإنّ شيئاً من ذلك لا يصلح دليلا في مقابل الروايات الصحيحة كما لا يخفى ، فالوجه ما ذكرنا .
1 ـ قد تكلّمنا في هذا القسم في القسم الثاني من أقسام حدّ الزنا مفصّلا .
2 ـ قد مرّ البحث في هذا القسم في القسم الثالث من تلك الأقسام أيضاً .
- (1) سورة النساء4: 25 .
- (2) سورة الأنعام 6: 164 .
- (3) مسند أحمد: 3 / 54 ح7418 وص244 ح8496 .
(الصفحة 182)مسألة 3: الجزّ حلق الرأس ، ولا يجوز حلق لحيته ولا حلق حاجبه ، والظّاهر لزوم حلق جميع رأسه ، ولا يكفي حلق شعر الناصية1 .
مسألة 4: حدّ النفي سنة من البلدة التي جلد فيها ، وتعيين البلد مع الحاكم ، ولو كانت بلدة الحدّ غير وطنه لا يجوز النفي منها إلى وطنه ، بل لابدّ من أن يكون إلى غير وطنه . ولو حدّه في فلاة لا يسقط النفي ، فينفيه إلى غير وطنه ، ولا فرق في البلد بين كونه مصراً أو قرية2.
1 ـ قد وقع البحث في هذه الجهة في ذيل البحث في المورد الأوّل من الموارد الثلاثة التي يثبت فيها الجلد خاصّة .
2 ـ في هذه المسألة جهتان من البحث:
الاُولى: في مقدار النفي من حيث الزمان ، والظّاهر أنّه السنة ، لدلالة كثير من الروايات المتقدّمة على التقييد بها ، وبها يقيّد إطلاق ما كان خالياً عن هذا القيد وغير متعرّض لاعتبار السنة ، مع أنّه لا خلاف فيه ظاهراً .
الثانية: إنّ التغريب هل هو من مصره الذي هو وطن الزاني ، أو من بلد الجلد ووقوع الحدّ عليه ، أو من محلّ وقوع الزنا وتحقّق الجناية؟ وجوه حكي الثالث عن الشيخ في المبسوط(1) .
ويدلّ على الأوّل صريح رواية عبدالله بن طلحة المتقدّمة المشتملة على قوله (عليه السلام): «نفي سنة من مصره» وظاهر رواية محمّد بن قيس المتقدّمة أيضاً المشتملة على قوله: «نفي سنة في غير مصرهما» فإنّ ظاهرها نفي السنة من مصرهما
(الصفحة 183)
إلى غيره .
وعلى الثاني رواية أبي بصير ، المشتملة على قوله (عليه السلام): «نعم من التي جلد فيها إلى غيرها» ورواية سماعة المشتملة على قوله (عليه السلام): «من الأرض التي جلد فيها إلى غيرها» .
وأمّا رواية مثنّى الحنّاط ، المشتملة على قوله (عليه السلام): «ينفى من الأرض إلى بلدة يكون فيها سنة» فقد احتمل في الجواهر(1) ظهورها فيما قاله الشيخ ، مع أنّه ممنوع ، ونظيرها رواية حنان بن سدير ، المشتملة على قوله (عليه السلام): «وينفى من المصر حولا» .
ثمّ إنّ هنا بعض الروايات الظّاهرة في أنّ النفي من بلد إلى بلد ، كرواية الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النفي من بلدة إلى بلدة ، وقال: قد نفى عليّ (عليه السلام) رجلين من الكوفة إلى البصرة(2) . ورواية الحلبي المتقدّمة على نقل الصدوق المشتملة على زيادة: «والنفي من بلد إلى بلد» . قال: وقد نفى أمير المؤمنين (عليه السلام) من الكوفة(3) . والظّاهر عدم تعدّد الرواية كما أشرنا إليها مراراً .
والظّاهر أنّ المراد منه في جانب المنفى إليه لزوم كون النفي إلى ما هو محلّ الإقامة لجماعة ومسكناً لهم ، فلا يجوز النفي إلى محلّ خال من لوازم الحياة ووجود الجماعة ، وأمّا في جانب المنفى منه فلم يعلم المراد منه ، خصوصاً مع تنكير البلد وعدم إضافته إلى شيء ، ويمكن أن يكون المراد منه أنّه مع تحقّق الزنا في فلاة مثلا لابدّ وأن يكون النفي من البلد لا من محلّ وقوع الزنا .
وكيف كان ، فالظّاهر أنّه بملاحظة أنّ التغريب والنفي نوع من العذاب والعقوبة
- (1) جواهر الكلام: 41/327 .
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 393 ، أبواب حدّ الزنا ب24 ح1 .
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 348 ، أبواب حدّ الزنا ب1 ح10 .
(الصفحة 184)مسألة 5: في تكرّر الزنا مرّتين أو مرّات في يوم واحد أو أيّام متعدّدة بإمرأة واحدة أو متعدّدة حدّ واحد مع عدم إقامة الحدّ في خلالها ، هذا إذا اقتضى الزنا المتكرّر نوعاً واحداً من الحدّ كالجلد مثلا ، وأمّا إن اقتضى حدوداً مختلفة ، كأن يقتضي بعضه الجلد خاصّة وبعضه الجلد والرجم ، أو الرجم
قد حكم الشارع بثبوته في مورده ينسبق إلى الذهن أنّه لابدّ وأن يكون من موطن الشخص ومحلّ إقامته واستراحته ، وعليه فذكر بلد الجلد والنفي منه لعلّه كان بملاحظة أنّ الغالب كون بلد الجلد هو بلد الزاني وتحقّق إجراء الحدّ عليه فيه ، لاشتمال المسافرة في تلك الأعصار على مشقّة شديدة وافتقارها إلى وسائل كثيره ، بخلاف هذه الأعصار .
وعلى ما ذكرنا لا يبقى مجال لاحتمال جواز التغريب من محلّ العقوبة وإجراء الحدّ إلى موطنه لو كان مغايراً له ، وأمّا العكس فالظّاهر أنّه أيضاً غير جايز ، لمنافاته لما يدلّ على النفي من بلد الجلد، وكون الاتّحاد هوالغالب لايقتضي رفع اليد عن ظهوره، وعليه فمقتضى الاحتياط اللازم كون المنفى إليه غير بلد الزاني وغير بلد الجلد .
وأمّا ما أفيد في الذيل من عدم سقوط النفي لو تحقّق الحدّ في فلاة ، بل اللازم نفيه إلى غير وطنه ، فلأنّه لا دليل على السقوط في هذه الصورة ، وإن حكي عن كشف اللثام ، السقوط ، إلاّ أن يكون من منازل أهل البدو فيكون كالمصر(1) .
ثمّ إنّه من الواضح عدم كون المراد من المصر أو البلد الواقع في النصوص ما يقابل القرية ، بل أعمّ منها كما لا يخفى .