(الصفحة 508)
القطع مع أخذه بقدر حقّه ، وثبوته مع الزيادة بقدر النصاب يظهر من الروايات المذكورة في السرقة من الغنيمة ; لأنّ شركة الغانم أضعف من شركة المالك الحقيقي للخلاف في ملكه ، فإذا قيل بعدم قطع الغانم فالشريك أولى(1) .
وأورد عليه في الجواهر بمنع الأولويّة المزبورة بالنسبة إلى المسروق منه في عدم القطع مع سرقته قدر النصيب ، مع فرض بلوغ حصّة الشريك فيه نصاب القطع(2) .
والوجه فيه أنّ عدم القطع في هذا الفرض في الغنيمة مع ضعف شركة الغانم لا يقتضي العدم مع قوّة الشركة ، كما في الشركة الحقيقيّة المفروضة في المقام ، والحقّ أنّه لا حاجة في استفادة حكم المقام من أخبار السرقة من الغنيمة إلى التشبّث بالأولويّة أصلا ; وذلك لدلالة قول عليّ (عليه السلام) في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة : «إنّي لم أقطع أحداً له فيما أخذ شرك» مع كون موردها هي السرقة من الغنيمة ، على أنّ الغنيمة لا يكون لها موضوعيّة ، بل هي من مصاديق المال المشترك ، ولا ينافي ذلك تقييدها بصحيحة ابن سنان الدالّة على التفصيل ، فإنّ التقييد إنّما ينافي الإطلاق ، ولا دلالة له على عدم كون العنوان هو مطلق المال المشترك ، فيصير محصّل مجموع الروايتين أنّه لا يجوز القطع في الأخذ من المال المشترك ، إلاّ إذا كان المأخوذ زائداً على السهم بقدر نصاب القطع ، ومن المعلوم جريان هذا الحكم في بيت المال ومطلق المال المشترك ، ولا اختصاص له بالغنيمة أصلا .
وبذلك يتحقّق الجمع بين الروايتين المختلفتين الواردتين في السرقة من بيت المال ، الدالّة إحداهما على عدم القطع والاُخرى على ثبوته ، وهما :
- (1) مسالك الأفهام: 14 / 484.
- (2) جواهر الكلام: 41 / 486.
(الصفحة 509)
رواية مسمع بن عبدالملك ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) أُتي برجل سرق من بيت المال ، فقال : لا يقطع ، فإنّ له فيه نصيباً(1) .
ورواية محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجلين قد سرقا من مال الله أحدهما عبد مال الله ، والآخر من عرض الناس ، فقال : أمّا هذا فمن مال الله ليس عليه شيء ، مال الله أكل بعضه بعضاً ، وأمّا الآخر فقدّمه وقطع يده ، ثمّ أمر أن يطعم اللحم والسمن حتّى برئت يده(2) .
فإنّ الاُولى محمولة على صورة عدم كون السرقة زائدة على النصيب بمقدار نصاب القطع ، والثانية على خلافها .
ثمّ إنّه حكى في الوسائل عن عليّ بن أبي رافع قصّةً مفصّلةً مشتملةً على استعارة بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) عقد لؤلؤ كان أصابه يوم البصرة ، وكان في بيت المال بصورة العارية المضمونة ، المردودة بعد ثلاثة أيّام ، وقول عليّ (عليه السلام) بعد ما رآه عليها واستفساره من حاله وتوبيخ الخازن عليّ بن أبي رافع : ثمّ أولي لابنتي لو كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة مردودة ; لكانت إذاً أوّل هاشمية قطعت يدها في سرقة(3) .
ولكنّ الرواية مضافاً إلى ضعف السند لابدّ من ردّ علمها إلى أهلها ; لأنّ الأخذ من الخازن ولو لم يكن بصورة العارية المضمونة لا ينطبق عليه عنوان السرقة بوجه بعد اعتبار هتك الحرز والإخراج منه في معنى السرقة . ثمّ إنّه لا يظهر لنا الفرق بين صورة العارية المضمونة وغيرها من جهة السرقة أصلا .
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 518، أبواب حدّ السرقة ب24 ح2.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 527، أبواب حدّ السرقة ب29 ح4.
- (3) وسائل الشيعة: 18/ 521، أبواب حدّ السرقة ب26 ح1.
(الصفحة 510)مسألة 5 : لا فرق بين الذكر والاُنثى ، فتقطع الأنثى فيما يقطع الذكر ، وكذا المسلم والذمّي ، فيقطع المسلم وإن سرق من الذمّي ، والذمّي كذلك ، سرق من المسلم أو الذمّي 1 .
مسألة 6 : لو خان الأمين لم يقطع ولم يكن سارقاً ، ولو سرق الراهن الرهن لم يقطع ، وكذا لو سرق المؤجر العين المستأجرة2.
1 ـ أمّا عدم الفرق بين الذكر والانثى فلتصريح الكتاب بذلك في قوله تعالى :
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا . . .} الآية(1) ولم يخالف فيه أحد .
وأمّا قطع المسلم فيما إذا سرق من الذمّي ; فلاحترام مال الذمّي وكونه مالكاً له في نظر الشارع ، وعليه فيشمله إطلاق أدلّة السرقة ، وعدم جريان القصاص في حقّ المسلم إذا قتل الذمّي لا يقتضي عدم جريان القطع فيه فيما إذا سرق منه ; لعدم الملازمة بين الأمرين ، وقيام الدليل هناك على اعتبار التساوي في الدين وعدم قيامه في المقام ، بل مقتضى الإطلاق عدمه ، مضافاً إلى أنّ القطع من حقوق الله تبارك وتعالى ، بخلاف القصاص الذي هو حقّ الناس .
وأمّا قطع الذمّي إذا سرق من الذمّي أو المسلم ; فلشمول أدلّة القطع له ، وعدم اختصاصها بما إذا تحقّقت السرقة من المسلم ، ولا مجال فيه للإرجاع إلى حكّامهم فيما لو كان المسروق منه ذمّيّاً مثله .
ويمكن أن يكون مراد المتن هو القطع فيما إذا تحاكما إلينا واخترنا الحكم ، وإلاّ فيجوز لنا الإعراض والإرجاع إلى حكّامهم كما في بعض المقامات ، فتدبّر .
2 ـ أمّا عدم قطع الأمين مع الخيانة ; فلعدم تحقّق الشرائط المعتبرة في السرقة
(الصفحة 511)مسألة 7 : إذا سرق الأجير من مال المستأجر فإن استأمنه عليه فلا يقطع ، وإن أحرز المال من دونه فهتك الحرز وسرق يقطع ، وكذا يقطع كلّ من الزوج والزوجة بسرقة مال الآخر إذا أحرز عنه ، ومع عدم الإحراز فلا . نعم ، إذا أخذت الزوجة من مال الرجل سرقة عوضاً من النفقة الواجبة التي منعها عنها فلا قطع عليها ، إذا لم يزد على النفقة بمقدار النصاب ، وكذا الضيف يقطع إن أحرز المال عنه ، وإلاّ لا يقطع 1.
الموجبة للقطع بالإضافة إليه ; لعدم تحقّق الحرز بالنسبة إليه ; لأنّ المفروض استئمانه فيه وجعله أميناً عليه ، وعنوان الخيانة لا يلازم السرقة بوجه .
وأمّا عدم قطع الراهن وكذا المؤجر ; فلأنّ المال المأخوذ ملك لهما ، وإن كان متعلّقاً لحقّ المرتهن أو المستأجر ، بل وكون منفعة العين المستأجرة ملكاً للمستأجر ، إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي تحقّق عنوان السرقة عند العرف ; لأنّ المعتبر عنده كون المال المسروق ملكاً للمسروق منه .
هذا ، مضافاً إلى ظهور أدلّة اعتبار النصاب في كون مقداره مأخوذاً من مال المسروق منه ، لا أن يكون مقدار ماليّته كذلك وإن لم يكن ملكاً للمسروق منه ، كما لا يخفى .
1 ـ أمّا سرقة الأجير ، فمقتضى القاعدة فيها هو التفصيل المذكور في المتن ، وهو الفرق بين ما إذا أحرز المال من دونه ، فهتك الحرز وسرق ، وبين غيره ، فيقطع في الصورة الاُولى دون الثانية .
ولكن ورد في سرقة الأجير روايات ربما يتوهّم دلالتها على عدم القطع مطلقاً ، ولابدّ من ملاحظتها ، فنقول :
(الصفحة 512)
منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال في رجل استأجر أجيراً وأقعده على متاعه فسرقه ، قال : هو مؤتمن(1) .
ومن الظاهر أنّ موردها صورة عدم إحراز المال من دون الأجير ; لأنّ المفروض استيجاره لحفظ المتاع ، فلا دلالة لها على عدم القطع مطلقاً .
ومنها : صحيحة سليمان بن خالد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يستأجر أجيراً فيسرق من بيته هل تقطع يده؟ فقال: هذا مؤتمن ليس بسارق، هذا خائن(2).
والظاهر أنّ المراد بقوله (عليه السلام) : «هذا مؤتمن» ليس الحكم بتحقّق الائتمان تعبّداً ، بل الحكم بأنّه مع تحقّق الائتمان من المستأجر لا يتحقّق عنوان السرقة بل الخيانة ، وعليه فلا دلالة لها على ما يخالف القاعدة .
ومنها : موثّقة سماعة قال : سألته عن رجل استأجر أجيراً فأخذ الأجير متاعه فسرقه؟فقال:هومؤتمن،ثمّ قال: الأجيروالضيف اُمناءليس يقع عليهم حدّ السرقة(3).
والظاهر أنّ موردها أيضاً صورة الاستيجار للحفظ كما في صحيحة الحلبي وإن لم يكن بتلك المرتبة من الظهور ، وعلى تقدير العدم فيجري فيه ما ذكرنا في صحيحة سليمان .
فانقدح أنّه لم ينهض شيء من الروايات للدلالة على خلاف التفصيل الذي ذكرنا أنّه مقتضى القاعدة .
وأمّا سرقة كلّ من الزوج والزوجة من مال الآخر ، فمقتضى القاعدة فيها أيضاً هو التفصيل المذكور في المتن ، ولا خلاف فيها أيضاً .
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 505، أبواب حدّ السرقة ب14 ح1.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 505، أبواب حدّ السرقة ب14 ح3.
- (3) وسائل الشيعة: 18/ 506، أبواب حدّ السرقة ب14 ح4.