(الصفحة 513)
نعم ، يقع الكلام في مورد الاستثناء المذكور فيه أيضاً ، وهو ما إذا سرق مال الزوج من ناحية الزوجة بمقدار النفقة الواجبة فيما إذا تحقّق المنع عنها من طرف الزوج ، أو زائداً على ذلك المقدار بما لا يبلغ نصاب القطع ، والوجه فيه ـ مضافاً إلى أنّه من مصاديق التقاصّ ; لأنّ نفقة الزوجة دين على الزوج ، فإذا منع من أدائها مع القدرة والمطالبة ، فيجوز للزوجة الأخذ بمقدارها بهذا العنوان ـ ما يرشد إليه خبر هند حين قالت للنبي(صلى الله عليه وآله) : إنّ أبا سفيان رجل شحيح وإنّه لا يعطينى وولدي إلاّ ما آخذ منه سرّاً وهو لا يعلم، فهل عليّ فيه شيء؟ فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف(1).
والمحكيّ عن القواعد أنّ كلّ مستحقّ للنفقة إذا سرق من المستحقّ عليه مع الحاجة لم يقطع ، ويقطع بدونها إلاّ مع الشُّبهة(2) .
ولكنّ الظاهر عدم كون ذلك في الزوجة مقيّداً بالحاجة كما يقتضيه إطلاق الفتوى ، والرواية المذكورة أيضاً مطلقة غير مقيّدة بالحاجة ، كما أنّ الظاهر عدم كون النفقة في غير الزوجة بنحو الدين ، وعليه فما في القواعد محلّ نظر إلاّ أن تكون الحاجة بالغة حدّ الاضطرار ، كما لا يخفى .
وأمّا سرقة الضيف ففيها قولان :
أحدهما : عدم القطع مطلقاً من غير فرق بين المحرز دونه وغيره ; حكي ذلك عن الشيخ في النهاية(3) وابن الجنيد الإسكافي(4) والصدوق(5) وإبن إدريس ، بل في
- (1) سنن البيهقي: 7 / 466.
- (2) قواعد الأحكام: 2 / 266.
- (3) النهاية: 717.
- (4) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 219 مسألة 77.
- (5) من لا يحضره الفقيه: 4 / 65، المقنع: 447.
(الصفحة 514)
السرائر الإجماع على ذلك(1) .
لكن عبارة الإسكافي تنافي النسبة ; لصراحتها في التفصيل كالأجير والزوجة بين صورة الائتمان وعدمه ، وكذلك عبارة الصدوق في الفقيه والمقنع ظاهرة في التفصيل المذكور ; لتعليله الحكم بعدم قطع الأجير والضيف بكونهما مؤتمنين ، وأمّا السرائر فكما في الجواهر يكون في كمال الاضطراب ومشتملا على التناقض الصريح في الضيف ، فتارة يقول : بأنّ التخصيص بالمحرز لابدّ له من دليل ، وأنّه إن اُريد ذلك لم يكن للخبر يعني الرواية الآتية ولا لإجماعهم على وفقه معنى ; لأنّ غير الضيف مثله في ذلك ، واُخرى يقول : بأنّه إذا سرق من حرز قطع ومن غيره لم يقطع ; للدخول في عموم الآية ، ومن أسقط الحدّ عنه فقد أسقط حدّاً من حدود الله تعالى لغير دليل من كتاب ولا سنّة مقطوع بها ولا إجماع(2) .
وكيف كان فالظاهر انحصار القائل بهذا القول بالشيخ في كتاب النهاية المعدّة لنقل فتاوى الأئمة (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم .
وثانيهما : ما هو المشهور من أنّه يقطع إذا أحرز من دونه ، ولا يقطع مع عدم الإحراز .
وقد ورد في المسألة صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الضيف إذا سرق لم يقطع ، وإذا أضاف الضيف ضيفاً فسرق قطع ضيف الضيف(3) .
وقد ادّعى ابن إدريس تواترها(4) . ومقتضى إطلاقها وإن كان هو عدم الفرق
- (1) السرائر: 3 / 488.
- (2) جواهر الكلام: 41 / 493 ـ 494.
- (3) وسائل الشيعة: 18/ 508، أبواب حدّ السرقة ب14 ح1.
- (4) السرائر: 3 / 487.
(الصفحة 515)مسألة 8 : لو أخرج متاعاً من حرز وادّعى صاحب الحرز أنّه سرقه ، وقال المخرج : «وهبني» أو «أذن لي في إخراجه» سقط الحدّ إلاّ أن تقوم البيّنة بالسرقة ، وكذا لو قال : «المال لي» وأنكر صاحب المنزل ، فالقول وإن كان قول صاحب المنزل بيمينه وأخذ المال من المخرج بعد اليمين ، لكن لا يقطع 1.
بين ما إذا أحرز دونه وبين ما إذا لم يحرز ، وعليه فيثبت للضيف مزيّة موجبة لاستثنائه من الحكم بالحدّ في باب السرقة ، إلاّ أنّ ذيل رواية سماعة المتقدّمة في الأجيرـ وهو قوله (عليه السلام) : «الأجير والضيف أُمناء ، ليس يقع عليهم حدّ السرقة» الظاهر في كون العلّة لعدم القطع هو الائتمان المتحقّق في الضيف ـ يقتضي تقييد إطلاق الصحيحة ورفع اليد عنه كما لا يخفى ، فاللاّزم هو الحكم بالتفصيل كما عليه المشهور .
1 ـ وعن الصدوق : إذا دخل السارق بيت رجل فجمع الثياب فيوجد في الدار ومعه المتاع فيقول : دفعه اليّ ربّ الدار ، فليس عليه قطع ، فإذا خرج بالمتاع من باب الدار فعليه القطع ، أو يجيء بالمخرج منه(1) .
وظاهره ثبوت القطع في صورة الإخراج التي هي مفروض المسألة ، وإن لم يتحقّق اليمين من صاحب الدار ، ولكنّ الظاهر أنّه مع ثبوت اليمين أيضاً لا مجال للقطع .
ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى أنّ اليمين لا تقطع الشبهة الدارئة للحدّ ; لعدم كونها من طرق إثبات السرقة ، بل غايتها الحكم بكون المال لصاحب اليمين ، فيؤخذ من المخرج ويدفع إليه والشّبهة باقية بحالها ـ صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)
- (1) المقنع: 445، من لا يحضره الفقيه: 4 / 64.
(الصفحة 516)
عن رجل نقب بيتاً فاُخذ قبل أن يصل إلى شيء ؟ قال : يعاقب ، فإن اُخذ وقد أخرج متاعاً فعليه القطع . قال : وسألته عن رجل أخذوه (أُخذ خل) وقد حمل كارة من ثياب ، وقال : صاحب البيت أعطانيها ؟ قال : يدرأ عنه القطع إلاّ أن تقوم عليه بيّنة ، فإن قامت البيّنة عليه قطع ، الحديث(1) .
ومقتضى إطلاق الجواب درء القطع وإن تحقّقت اليمين من صاحب البيت على عدم إعطائه الثياب إيّاه ، ثمّ إنّ قوله في السؤال : وقال : «صاحب البيت أعطانيها» لا إشكال في إلغاء الخصوصيّة منه من جهة الإعطاء ، وعليه فيشمل الفروض الثلاثة المذكورة في المتن ; لعدم الفرق بينها من هذه الجهة أصلا .
وهل لإدّعاء المخرج بنحو من الأنحاء المذكورة خصوصيّة بحيث كان درء القطع مستنداً إلى الادّعاء المذكور ، أم يجري الحكم المذكور فيما إذا لم يتحقّق الادّعاء من المخرج بوجه ، بل كان هناك مجرّد احتمال كون إخراجه بنحو لا ينطبق عليه عنوان السرقة؟ وجهان ، لا يبعد الوجه الثاني ، خصوصاً مع حصر القطع في الجواب بصورة قيام البيّنة على السرقة ، فإنّه يشعر بل يدلّ على أنّه مع عدم قيامها لا مجال للقطع أصلا ، ويمكن أن يقال : إنّ تقييد صورة المسألة في مثل المتن بصورة دعوى المخرج إنّما يكون تبعاً لما هو المفروض في الرواية ، من دون أن يكون له خصوصيّة في الحكم بعدم القطع .
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 498، أبواب حدّ السرقة ب8 ح1.
(الصفحة 517)
القول في المسروق
مسألة 1 : نصاب القطع ما بلغ ربع دينار ذهباً خالصاً مضروباً عليه السكّة ، أو ما بلغ قيمته ربع دينار كذائيّ من الألبسة والمعادن والفواكه والأطعمة ، رطبة كانت أو لا ، كان أصله الإباحة لجميع الناس أو لا ، كان ممّا يسرع إليه الفساد كالخضروات والفواكه الرطبة ونحوها أو لا ، وبالجملة كلّ ما يملكه المسلم إذا بلغ الحدّ ففيه القطع حتّى الطير وحجارة الرخام1.
1 ـ لاخلاف بين فقهاء المسلمين إلاّ من شذّ من أهل الخلاف على اعتبار النصاب في المال المسروق ، ويدلّ عليه السنّة القطعيّة الآتية ذكرها ، إنّما الخلاف في مقدار النصاب، قال الشيخ(قدس سره) في كتاب الخلاف في المسألة الأولى من كتاب السرقة: النصاب الذي يقطع به ربع دينار فصاعداً ، أو ما قيمته ربع دينار ، سواء كان درهماً أو غيره من المتاع، وبه قال في الصحابة عليّ (عليه السلام) وأبوبكر وعمروعثمان وابن عمر وعائشة(1)،
- (1) الجامع لأحكام القرآن: 6 / 160، المغني لابن قدامة: 10 / 242، نيل الأوطار: 7 / 124.