(الصفحة 529)
إسم السارق ، وهو عند الله سارق ، ولكن لا يقطع إلاّ في ربع دينار أو أكثر ، الحديث(1) .
بناءً على رجوع ضمير الفاعل في قوله (عليه السلام) : «قد حواه وأحرزه» إلى المسلم المسروق منه كما هو الظاهر لا إلى السارق ، وعليه فالتقييد يدلّ على اعتبار الإحراز .
ورواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لا يقطع إلاّ من نقب بيتاً أو كسر قفلا(2) . وروى مثله الجميل مرسلا عن أحدهما (عليهما السلام)(3) .
ورواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام) قال : ليس على السارق قطع حتّى يخرج بالسرقة من البيت(4) .
وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه .
لكن في مقابلها روايات صحيحة متعدّدة ربما يستظهر منها عدم اعتبار الحرز في السرقة الموجبة للقطع :
منها : صحيحة جميل بن درّاج قال : اشتريت أنا والمعلّى بن خنيس طعاماً بالمدينة ، وأدركنا المساء قبل أن ننقله ، فتركناه في السوق في جواليقه وانصرفنا ، فلمّا كان من الغد غدونا إلى السوق ، فإذا أهل السوق مجتمعون على أسود قد أخذوه ، وقد سرق جوالقاً من طعامنا ، وقالوا : إنّ هذا قد سرق جوالقاً من طعامكم فارفعوه إلى الوالي ، فكرهنا أن نتقدّم على ذلك حتّى نعرف رأي أبي
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 482، أبواب حدّ السرقة ب2 ح1، وتقدّمت بتمامها في ص519.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 509، أبواب حدّ السرقة ب18 ح3.
- (3) وسائل الشيعة: 18/ 510، أبواب حدّ السرقة ب18 ح5.
- (4) وسائل الشيعة: 18/ 499، أبواب حدّ السرقة ب8 ح4.
(الصفحة 530)
عبدالله (عليه السلام) ، فدخل المعلّى على أبي عبدالله (عليه السلام) وذكر ذلك له ، فأمرنا أن نرفعه فرفعناه فقطع(1) . بناءً على أنّ المراد من الترك في السوق هو الترك في المحلّ الذي هو معبر العموم لا في دكّان من السوق .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ أمر الإمام (عليه السلام) بالرفع إلى الوالي لا يستلزم كون القطع الذي هو رأيه موافقاً لرأي الإمام (عليه السلام) ; لاحتمال أن لا يكون موافقاً له ، والعلّة في الأمر بالرفع هي التقيّة ، خصوصاً بعد ما كانت القضيّة منتشرة في السوق وظاهرة لأهله ، ويمكن أن تكون العلّة هي حفظ نظام العباد ; لاستلزام عدم الرفع الهرج والمرج والتحريك إلى السرقة حتّى ما كانت منها موجبة للقطع .
وبالجملة : لا دلالة لمجرّد الأمر بالرفع على كون الحكم هو القطع ولو مع علم الإمام بترتّب القطع عليه في الخارج ، كما لا يخفى .
ومنها : صحيحة الفضيل بن يسار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا أخذ الرجل من النخل والزرع قبل أن يصرم فليس عليه قطع ، فإذا صرم النخل وحصد الزرع فأخذ قطع(2) . بناءً على أنّ ظاهرها أنّ الفرق بين صورتي الصرم الذي هو بمعنى القطع وعدمه مجرّد كون الأخذ في الصورة الأولى قبل أن يصرم وفي الصورة الثانية بعده ، ومن الظاهر عدم ثبوت الحرز في تلك الأزمنة بالنسبة إلى النخل والزرع ، كما هو كذلك في زماننا هذا بالإضافة إلى الزرع وإلى بعض الأشجار خصوصاً في بعض الأمكنة .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّ الفرق بين الصورتين : أنّه في الصورة الاُولى لا يكون
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 531، أبواب حدّ السرقة ب33 ح1.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 517، أبواب حدّ السرقة ب23 ح4.
(الصفحة 531)
المال المأخوذ في محلّ الحرز بخلاف الصورة الثانية ، نظراً إلى أنّه بعد صرم النخل وحصاد الزرع يجعلان في الحرز نوعاً ، تحفّظاً عليهما ، غاية الأمر أنّ حرز كلّ شيء بحسبه ، كما سيأتي البحث في معنى الحرز في المقام الثاني إن شاء الله تعالى .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يأخذ اللّص يرفعه؟ أو يتركه؟ فقال : إنّ صفوان بن اُميّة كان مضطجعاً في المسجد الحرام ، فوضع رداءه وخرج يهريق الماء ، فوجد رداءه قد سرق حين رجع إليه ، فقال : من ذهب بردائي؟ فذهب يطلبه ، فأخذ صاحبه فرفعه إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله) : اقطعوا يده ، فقال الرجل : تقطع يده من أجل ردائي يا رسول الله؟ قال : نعم ، قال : فأنا أهبه له ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : فهلاّ كان هذا قبل أن ترفعه إليَّ؟ قلت : فالإمام بمنزلته إذا رفع إليه؟ قال : نعم . قال : وسألته عن العفو قبل أن ينتهي إلى الإمام؟ فقال : حسن(1) .
وقد رواه الصدوق مرسلا مع الاختلاف ، ثمّ قال : لا قطع على من سرق من المساجد والمواضع التي يدخل إليها بغير إذن ، مثل الحمّامات والأرحية والخانات ، وإنّما قطعه النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأنّه سرق الرداء وأخفاه ، فلإخفائه قطعه ، ولو لم يخفه يعزّره ولم يقطعه(2) . قال صاحب الوسائل بعد ذلك : أقول : الظاهر أنّ مراده أنّ صفوان كان قد أخفى الرداء وأحرزه ولم يتركه ظاهراً في المسجد .
والظاهر أنّ هذا التوجيه مخالف لرواية الحلبي ; لأنّ ظاهرها بقرينة التعرّض للاضطجاع أنّ صفوان كان قد وضع رداءه تحته واضطجع عليه ، ثمّ قام من دون أن
- (1) وسائل الشيعة: 18/ 329، أبواب مقدّمات الحدود ب17 ح2.
- (2) وسائل الشيعة: 18/ 509، أبواب حدّ السرقة ب18 ح4.
(الصفحة 532)
يخفيه ، ولو كان الإخفاء محقّقاً لكان اللازم على الإمام (عليه السلام) بيانه خصوصاً مع دخالته في الحكم ، وعدم مدخليّة بعض الخصوصيّات المذكورة .
وربما يقال : بأنّه لا يبعد ثبوت الحدّ على السارق من المسجد الحرام بخصوصه الذي جعله الله مثابة للناس وأمناً(1) وإن لم يكن في حرز ، ولم يثبت إجماع على اشتراك المسجد الحرام مع غيره من المساجد ، ويؤيّده بعض الروايات :
كصحيحة عبدالسلام بن صالح الهروي ، عن الرضا (عليه السلام) في حديث ، قال : قلت له : بأيّ شيء يبدأ القائم منكم إذا قام؟ قال : يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ; لأنّهم سرّاق بيت الله تعالى(2) .
بناءً على أنّ قطع القائم (عليه السلام) أيديهم ليس لأجل قيام حدّ السرقة عليهم ; لعدم ثبوت شرائط القطع فيهم ، بل لأجل أنّهم من الخائنين لبيت الله ، فيكون هذا من أحكام بيت الله الحرام دون غيره .
ثمّ إنّه على تقدير عدم إمكان توجيه شيء من هذه الروايات ، وثبوت المعارضة لها مع ما يدلّ على اعتبار الحرز ; لكان مقتضى إعمال قواعد التعارض ترجيح روايات الحرز ; لكونها موافقة للشهرة الفتوائيّة المحقّقة ، إذ لم ينقل الفتوى بالخلاف إلاّ من ابن أبي عقيل ، حيث حكم بلزوم قطع السارق في أيّ موضع سرق ، من بيت ، أو سوق ، أو مسجد ، أو غير ذلك(3) . فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا محيص عن اعتبار الحرز .
- (1) اقتباس من سورة البقرة 2: 125.
- (2) وسائل الشيعة: 9/356، كتاب الحجّ، أبواب مقدّمات الطواف ب22 ح13.
- (3) حكى عنه في مختلف الشيعة: 9 / 246 مسألة 98.
(الصفحة 533)
المقام الثاني : في معنى الحرز ، والظاهر أنّ المشهور هو المعنى المذكور في المتن ، والمحكيّ عن الشيخ(قدس سره) في النهاية أنّ المراد به هو كلّ موضع ليس لغير مالكه الدخول إليه إلاّ بإذنه(1) .
وعن بعض الكتب نسبته إلى أصحابنا(2) ، بل دعوى الإجماع عليه صريحاً(3) ، وعن الشيخ في المبسوط(4) والخلاف(5) التعميم لما إذا كان المالك مراعياً له ، ولابدّ من ملاحظة الروايات .
فنقول : يدلّ على المعنى المشهور خبر السكوني المتقدّم ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال : لا يقطع إلاّ من نقب بيتاً أو كسر قفلا ، بناءً على أنّه لا خصوصيّة للنقب والكسر بل يعمّ مثلهما ، كما إذا فتح القفل او رفع على الجدار ونحوهما ، ومقتضى الحصر عدم جريان القطع في غير ذلك ، فإذا كان الدار لا باب لها أو غير مغلقة ولا مقفّلة فلا يجري فيه القطع وإن كان لا يجوز الدخول إليها إلاّ بإذن مالكها .
ويدلّ عليه خبر طلحة بن زيد المتقدّم أيضاً ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن عليّ (عليهم السلام)قال : ليس على السارق قطع حتّى يخرج بالسرقة من البيت .
فإنّ مفاده أيضاً انحصار القطع فيما إذا كانت السرقة من مثل البيت الذي يكون بحسب المتعارف ذا باب مغلق أو مقفّل .
وبالجملة : فظاهر الخبرين إفادة انحصار القطع فيما إذا كان الحرز بالمعنى
- (1) النهاية: 714.
- (2) كنز العرفان: 2 / 350، التبيان: 3 / 513.
- (3) غنية النزوع: 430.
- (4) المبسوط: 8 / 22.
- (5) الخلاف: 5 / 419 مسألة 6.