(الصفحة 667)
المسكر المناقشة في ذلك(1) .
وظاهرها ـ بلحاظ كون الأصل في القيود هي الإحترازية ـ أنّ جواز القتل إنّما هو في اللّص المتّصف بكونه محارباً لا مطلق اللّص ، ويؤيّده رواية أيّوب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : من دخل على مؤمن داره محارباً له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن ، وهو في عنقي(2) .
والروايتان شاهدتان على عدم كون اللّص مطلقاً بحكم المحارب ولو في الحكم بجواز القتل ، وعليه فالمراد من قوله (عليه السلام) «اللّص محارب» كما في الروايتين الأوّلتين هو خصوص اللّص الذي يكون محارباً حقيقةً ، فلا يرجع معنى الرواية إلى التعبّد والتنزيل كما عرفت ، بل معناه هو كونه كذلك حقيقة ، والإطلاق مع كون معناه اللغوي غير مختصّ بالمحارب إمّا لأجل الإنصراف إليه ، أو لأجل كون المراد هو اللّص في الجملة ، وكان الغرض دفع توهّم اختصاص عنوان المحارب بقاطع الطريق الذي هو شأن نزول آية المحاربة ، بناءً على ما قاله أكثر المفسّرين والفقهاء على ما مرّ .
نعم ، هنا بعض الروايات الدالّة على جواز محاربة مطلق اللّص ، مثل :
ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : إنّ الله ليمقت العبد يدخل عليه في بيته ولا يحارب ، ورواه الشيخ بطريق آخر عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) ، إلاّ أنّ فيه : «فلا يقاتل» بدل «ولا يحارب»(3) . وقد جعله في الجواهر
- (1) في ص448 ـ 452.
- (2) وسائل الشيعة: 18 / 543، أبواب حدّ المحارب ب7 ح3.
- (3) وسائل الشيعة: 11 / 91، أبواب جهاد العدوّ ب46 ح2.
(الصفحة 668)
روايتين(1) . مع أنّه ليس كذلك .
نعم ، في هامش الوسائل حكى عن فروع الكافي نقل الرواية عن أبي عبدالله (عليه السلام)وإضافة «اللصّ» بعد قوله (عليه السلام) : «يدخل عليه»(2) .
ورواية الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في رجل دخل دار آخر للتلصّص أو الفجور فقتله صاحب الدار ، أيقتل به أم لا؟ فقال : إعلم أنّ من دخل دار غيره فقد أهدر دمه ولا يجب عليه شيء(3) .
ورواية أبي حمزة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : لو دخل رجل على امرأة وهي حبلى ، فوقع عليها فقتل ما في بطنها ، فوثبت عليه فقتلته؟ قال : ذهب دم اللّص هدراً ، وكان دية ولدها على المعقلة(4) .
بل المستفاد من رواية الفتح عدم الاختصاص باللّص ، بل يجري الحكم في مطلق من دخل دار غيره، الظاهر ـ ولو بحكم الإنصراف ـ في الدخول غير المشروع.
بل هنا روايات متعدّدة ظاهرة في شمول الحكم لغير الداخل إذا أشرف على قوم أو نظر من خلل شيء ، وأنّه يجوز قتله أو فقأ عينه ، مثل :
رواية العلاء بن الفضيل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إذا اطّلع رجل على قوم يشرف عليهم ، أو ينظر من خلل شيء لهم فرموه فأصابوه فقتلوه أو فقؤوا عينيه فليس عليهم غرم ، وقال : إنّ رجلا اطّلع من خلل حجرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فجاء
- (1) جواهر الكلام: 41 / 584.
- (2) الكافي: 5 / 51 ح2.
- (3) وسائل الشيعة: 19 / 51، أبواب القصاص في النفس ب27 ح2.
- (4) وسائل الشيعة: 19 / 309، كتاب الديات، أبواب العاقلة ب13 ح3.
(الصفحة 669)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) بمشقص ليفقأ عينه فوجده قد انطلق ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : أي خبيث ، أما والله لو ثبتَّ لي لفقأت عينك(1) .
هذا ، ولكن قال صاحب الجواهر بعد نقل كثير من الروايات الواردة في هذا البحث ما ملخّصه : إنّي لم أجد مصرّحاً بالعمل بها على الوجه المزبور ، بل الذي يظهر منهم أنّه لا فرق بين دفاع المحارب واللّص وغيرهما من الظالمين وإن اختلفت الحدود ، إلاّ أنّ الجميع متّحدة في كيفيّة الدفاع الذي ذكروا فيه التدرّج ، بل قدّ يقال بوجوب القصاص على من قتل المحارب بعد أن كفّ عنه ، وإن كان هو مفسداً ومن حدّه القتل(2) .
ولكن يرد عليه أنّ إطلاق المحارب على اللّص ، وتفريع جواز المحاربة والمقاتلة معه كما في مثل عبارة الشرائع لا يلائم مع ما أفاده صاحب الجواهر ; لأنّه إذا فرض اتّحاد كيفيّة الدفاع في المحارب واللّص والمهاجم وغيرهم من الظالمين ، فلا مجال لطرح مسألة اللّص في بحث المحارب والحكم عليه بأنّه محارب مطلقاً أو في الجملة ; لعدم ترتّب ثمرة على هذا البحث من جهة ما هو المقصود لهم من جواز القتل ; لأنّ المفروض لزوم رعاية التدرّج والأسهل فالأسهل .
ودعوى أنّ ذلك إنّما هو لأجل التبعيّة للنصوص كما في آخر كلام صاحب الجواهر(3).
مدفوعة بأنّ التبعيّة لاتجتمع مع عدم الالتزام بتلك النصوص وعدم الفتوى على طبقها ، فالإنصاف في هذا المجال أنّ ملاحظة الخصوصيّات والجهات تقضي
- (1) وسائل الشيعة: 19 / 49، أبواب القصاص في النفس ب25 ح6.
- (2) جواهر الكلام: 41 / 587.
- (3) جواهر الكلام: 41 / 588.
(الصفحة 670)مسألة 9 : يصلب المحارب حيّاً ، ولا يجوز الإبقاء مصلوباً أكثر من ثلاثة أيّام ، ثمّ ينزل ، فإن كان ميّتاً يغسّل ويكفّن ويصلّى عليه ويدفن ، وإن كان حيّاً قيل : يجهز عليه وهو مشكل . نعم ، يمكن القول بجواز الصلب على نحو يموت به ، وهو أيضاً لا يخلو من إشكال 1.
بثبوت خصوصيّة للمحارب من هذه الجهة ، وأنّه يجوز محاربته ومقاتلته في أوّل وهلة ، ولا يجري فيه التدرّج ، وإلاّ فلا مجال لطرح مسألة اللّص بهذه الكيفيّة كما لا يخفى ، ولكن لتحقيق المسألة زائداً على ما ذكر مجال آخر .
1 ـ أمّا أنّه يصلب المحارب حيّاً فإنّما هو على القول بالتخيير بين الحدود الأربعة للمحارب ; لأنّه على هذا القول يكون الصلب قسيماً للقتل ، وأمّا على القول بالترتيب فظاهر أكثر الروايات الواردة فيه الجمع بين الصلب والقتل ، بمعنى أنّه يقتل ثمّ يصلب ، وعليه فالصلب لا يترتّب عليه عنوان العقوبة ، بل إنّما هو للإعلام وعبرة الناس ، وإن كان فيه نوع إهانة وتخفيف ، ولكن بعض الروايات الواردة في الترتيب قد جمع بينه وبين القطع ، كرواية عبيد بن بشر المتقدّمة(1) . وفي صحيحة عليّ ابن حسّان المتقدّمة أيضاً التخيير بين القتل أو الصلب فيما لو أخذ المال وقتل(2) ، ولكن يحتمل فيها قويّاً أن يكون «الواو» مكان «أو» ، والشاهد عليه الجملة الثانية فراجع .
ثمّ إنّه على كلا القولين لا إشكال في وجوب الإبقاء مصلوباً ثلاثة أيّام ، كما أنّه لا إشكال في أنّه على تقدير الموت لا يجوز الإبقاء أكثر من الثلاثة ، ولا خلاف فيه
- (1) في ص659 ـ 660.
- (2) في ص657 ـ 658.
(الصفحة 671)
بينهم ، بل عن ظاهر المسالك الإجماع(1) كما عن الخلاف التصريح به(2) ، ومنشؤه روايات متعدّدة واردة في هذا الباب ، مثل :
رواية السكوني ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) صلب رجلا بالحيرة ثلاثة أيّام ، ثمّ أنزله في اليوم الرابع فصلّى عليه ودفنه(3) .
وروايته الاُخرى عنه (عليه السلام) ، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال : لا تدعوا المصلوب بعد ثلاثة ايّام حتّى ينزل فيدفن(4) .
ومرسلة الصدوق المعتبرة قال : قال الصادق (عليه السلام) : المصلوب ينزل عن الخشبة بعد ثلاثة أيّام ويُغسّل ويدفن ، ولا يجوز صلبه أكثر من ثلاثة أيّام(5) .
وأمّا إذا لم يمت بالصلب في تلك المدّة ، فعن المسالك(6) وكشف اللثام(7) : أُجهز عليه بعدها ، وعن الرياض : يصلب حيّاً إلى أن يموت(8) .
ويمكن الاستدلال له بأنّ المفروض في الروايات المتقدّمة الدالّة على حرمة الإبقاء أكثر من تلك المدّة ما إذا اتّصف المصلوب بالموت إمّا لعروضه عليه وإمّا لصلبه ميّتاً ، بناءً على القول بالترتيب . وأمّا لو فرض عدم الاتّصاف فلا دلالة لها على حرمة الإبقاء .
- (1) مسالك الأفهام: 15 / 17.
- (2) الخلاف: 5 / 463 مسألة 5.
- (3) وسائل الشيعة: 18 / 541، أبواب حدّ المحارب ب5 ح1.
- (4) وسائل الشيعة: 18 / 541، أبواب حدّ المحارب ب5 ح2.
- (5) وسائل الشيعة: 18 / 541، أبواب حدّ المحارب ب5 ح3.
- (6) مسالك الأفهام: 15 / 16.
- (7) كشف اللثام: 2 / 432.
- (8) رياض المسائل: 10 / 212.